مسيرة الأمة تشير إلى أن الأموات يفرقون أجيالها , لأن التأريخ حمّال أوجه , فتنتشر فيه التأويلات والتخمينات والتفسيرات وتطغى المثاليات وتتوطن التقديسات , فيخرج الأموات الذين ذابوا في التراب من كونهم بشر إلى ما هو أسمى وأرقى من ملائكة الرحمن الرحيم.
وتجد الأجيال تفرقت , وفعلَ في وعيها أحد الأموات الذين إمتلكوا عقولهم وتسيّدوا وعيهم , وما هم كانوا كما يظنون , بل كأي البشر في زمانهم ومكانهم.
لماذا نحرر الأموات من بشريتهم؟
والجواب لأنهم أموات , فنحن نحررهم من بشريتهم ونقدسهم ونتصورهم أسمى من الملائكة!!
“…مَن عاش مات , ومَن مات فات….” , لكننا نقلب معادلات الوجود فوق التراب , ونقول ” مَن مات عاش …”!!
نعم عاش ليسلط بعضنا على بعض , وليسفك دماءنا , ويدمر حياتنا , فلكل ميتٍ أتباع , ولكل حي أعداء , وتلك مأساة حاضرنا , وجحيم مستقبلنا.
فلا إعتصام بحبلٍ , بل تفرقة وعداء , وصراعات بينية يقودها الأموات , ويستثمر فيها الأعداء.
بشر يدوس بشرا , ويحسب قتل أخيه نصرا , وفي سفك دماء الناس خيرا , وبأفعاله يأتي شرا , وبآثامه يزرى.
الطامعون بنا يوهمون أحياءنا بأننا أموات , وأمواتنا أحياء , وعليهم حمل راياتهم , والثأر لهم , بعد أن ألفوا الأساطير وعطروها بالخرافات والأضاليل , للخداع والتخنيع , وتحويل الأجيال إلى دمى يحركونها وفقا لمصالحهم , وأهواء المغرر بهم من أبناء أمة الأموات القائدين.
فكيف يصنع الحياة من يحمل عقائد الأموات , ويراهن على إحياء مناهج الغابرين , ويحسب أن الزمان ملكهم المطلق , وما هم أمة قد خلت من قبلنا , بل أحياء بمصائرنا يتحكمون.
لماذا لا نتفاعل مع معاصرينا , ولا نعتمد على ما دونه معاصريهم , وعلينا أن ننتبه إلى صنعة التأريخ , وإعتباره وسيلة عيش في حينه؟
وبين الماضي والحاضر ضاع مستقبلنا!!