كانت العلاقات الكردية اليهودية تتسم بالشفافية والإيجابية ولم يعكر صفوها سوى بعض التجاوزات التي كان يقوم بها بعض رؤساء القبائل الكردية أو بعض المحسوبين عليهم (الأشقياء)، ويذكر الكاتب الاسرائيلي(حاييم كوهين) بان اليهود قاسوا في كوردستان اكثر مما قاساه ابناء جلدتهم في جنوب العراق، ويعلل ذلك بأنه جرت العادة في كردستان بأن تدفع القبائل الصغيرة اموالا وخدمات للقبائل الكبيرة مقابل حمايتهم ضد اللصوص وقطاع الطرق من القبائل الاخرى.
ولما كان يهود كردستان مبعثرين في اماكن مختلفة فان كل جماعة يهودية صغيرة كان عليها ان تقبل الحماية من أي من القبائل التي تملك قوة اكبر في المناطق المجاورة، وفي خضم الصراعات التي كثيرا ما تحدث بين القبائل الكوردية، فان اليهود لكونهم خاضعين لاحدى هذه القبائل فانهم قاسوا كثيرا من جراء ذلك.
ومن جانب اخر فان الانثروبولوجي الامريكي(هنري فيلد) ينقل عن رئيس قرية صندور(= المختارموشي ) اليهودية في عام 1934م قوله:” بأن يهود قريته قد تعرضوا مرتين الى هجمات مباشرة من قبل القبائل الكردية، اولها في عام 1904م حيث هرب اليهود الى الجبال المجاورة وتم نهب اموالهم ومواشيهم، واصبح اليهود لاجئين لاول مرة في وطنهم، غير ان جهود آغا دهوك جعلتهم يرجعون الى ديارهم مرة اخرى، ولم يحدد المصدر من هو آغا دهوك آنذاك ولعله رئيس عشيرة الدوسكي (سفر آغا ) الذي أغتيل سنة 1924م من قبل مجهولين في قرية (بيرافاتى) الواقعة شمال غرب مدينة دهوك، والواقعة حالياً على طريق دهوك – قارقارافا – برجين. وعشيرة الدوسكي كانت قراها تحيط بمدينة دهوك من الجهات الأربع: شاخكى من الشمال الغربي، وشندوخه من الجنوب الغربي، وبروشكى كاتولى من الشمال الشرقي، ونزاركى من الجنوب الشرقي، وكري قصروكا من الشمال.
وعلى أية حال فقط حدثت بعض المنغصات والتجاوزات في العلاقة بين المسلمين الكورد واليهود الكورد، رغم أن العديد من الباحثين والمؤرخين اليهود والإسرائيليين يلقون تبعات هذه العلاقات غير الودية في بعض الأحايين على زعماء القبائل الكردية (=الأغوات) وأقربائهم (الپس ئاغا) ومعاونيهم من رؤساء القرى (المخاتير- الكيخات)، إلا أنه حدثت تجاوزات من قبل بعض الاغوات والمتنفذين المطاردين الذين كونوا عصابات لقطاع الطرق بانضمام آخرين من خلص أتباعهم ومن أصحاب السوابق والمشاكل غايتها السلب والنهب، والتي كانت تقوم بنصب الكمائن في الوديان ومنحنيات الجبال الكوردية في طريق القوافل والناس الضعفاء أياً كانت ديانته ومعتقده.
ومهما يكن من امر فان هذه التجاوزات والخروقات البسيطة التي لا يتجاوز ضحاياها من اليهود الثلاثين شخصاً على أكثر تقدير خلال نصف قرن كامل لاتعد شيئا قياسا باعتداءات جرت لليهود في مناطق اخرى سواءً في العالم الاسلامي او العالم المسيحي حيث كان اليهود واقعين في شر مستطير وكانوا واقعين تحت خطر الابادة الجماعية (الجينوسايد) وخاصة في المجتمعات المسيحية في شرق اوربا وغربها على حدٍ سواءٍ.
وغالبية المؤرخين والباحثين اليهود كانوا يشيدون بمعاملة المسلمين الحسنة لليهود في العصور الوسطى(= العصور الاسلامية) في مقابل المعاملة السيئة للمسيحيين تجاه يهود اوروبا حصراً، بسبب اعتقاد المسيحيين بأن اليهود كانوا السبب في الاعدام المزعوم للسيد المسيح (عليه السلام).
وكان الباحث الاسرائيلي (مُردخاي زاكن) قد نشر عدداً من هذه الاعتداءات التي قام بها بعض الآغوات والمتنفدين والاشقياء الكرد ضد رعاياهم اليهود في كتابه ( يهود كردستان ورؤسائهم القبليون) التي نال بها شهادة الدكتوراه من جامعة القدس.
في أعتقادي أن كشف النقاب عن هذه المعلومات ومحاولة تحليل مضمامينها كفيل بالوصول الى حقيقة الاسباب التي أدت الى قتل هؤلاء اليهود على أيدي الاغوات الكرد وأتباعهم، هل جرت بفعل عوامل دينية، أم بفعل عوامل اخرى اقتصادية وسياسية … الخ.
يبدو أن سير الحوادث كفيل باطلاع القراء على الاسباب الحقيقية لعمليات الاعتداء على اليهود بأنها جرت لاسباب اقتصادية بحتة لا غير، وأن الاسلام بريء منها، حيث لم تصدر فتاوى بذلك، وإنما جرت بفعل التصرفات الطائشة لبعض المتنفذين الذين أسأوا الى بني قومهم بهذه الاعتداءات.
وعلى أية حال فإن هذه التصرفات غير المسؤولة لا تبرر ما يقوم به الاسرائيليين من عمليات اعتداء وقتل وهدم المنازل وجرف المزارع واغتيال للعلماء والشخصيات الفلسطينية، وقتل الفلسطينيين العزل في غزة وغيرها دون وجه حق أمام انظار العالم الحر! دون أن يرث لهم جفن، أو أن تتدخل منظمات حقوق الانسان للدفاع عن حقوق المظلومين. حيث قتل من الفلسطينيين في يوم واحد أكثر مما قتل من يهود كردستان في قرن كامل.
ولدعم وجهة نظري حول حوادث القتل أنقل ما ذكره الباحث اليهودي الاسرائيلي (زاكن) بقوله:” كما أن مقتل اليهود في الريف على أيدي الآغوات الاعداء يلقي الضوء على قيمة اليهود الاقتصادية في المجتمع القبلي، ودور اليهود في حياة القبيلة غالباً ما يكون أحد الدوافع التي تتسبب في مقتلهم على أيدي رجال القبيلة العدوة، أو قتل أحدهم على الاقل…”. ينظر، يهود كردستان ورؤسائهم القبليون، ص210-211.
فعلى سبيل المثال فقط تمكنا من تحديد عدة حالات تجاوز فيها الكرد على جيرانهم اليهود جرت وقائعها في العقد الاخير من القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين الى هجرة اليهود الى فلسطين وتأسيس الدولة العبرية في 15/5/1984م، وهي:
1- في سنة1891م قتل المغني اليهودي عم الشخصية الاسرائيلية (دانيال برآشي) على يد (حسين آغا البرآشي) أحد آغوات عشيرة برواري زيرى (= السفلى)، عندما كان نائماً فوق سطح منزله في قرية برآشى الواقعة شمال شرق دهوك وجرحوا صديقه، لذلك هاجرت اسرته وتركت القرية باتجاه مدينة العمادية.
2- ذكر بعض قادة يهود مدينة زاخو في وثيقة مؤرخة عام 1892م جاء فيها،” بأن الكرد يقومون بمذابح منظمة ليهود المدن، ويحرقون منازلهم، ومعابدهم. وقتل سبعة من اليهود، وألقي القبض على معظم الناجين، وعرضوهم للتعذيب الشديد، كما ضوعفت الضرائب المفروضة عليهم بشكل كبير جداً…”.
3- في العقد الاول من القرن العشرين (1900-1910م) قتل اليهودي (يهوشوا) جد يهوشيا روبن بالقرب من قرية (ديرجيني) الواقعة على الطريق ما بين ناحية جال (= جقورجه) التركية حالياً ومدينة العمادية، وقد اتهم كرديان( سيدو، وعبدالله) بقتله والسطو على أمواله التي كانت بحوزته والتي كان من المقرر تسليمها الى صديقه غير اليهودي( ميلاد تمر) مقابل بضاعة، وبعد اجراء التحقيق تبين بأنه قتل قتلة شنيعة بواسطة الحجارة، وبعد معرفة قتلته حاول رئيس العشيرة(سعدي آغا) المكلف بحماية يهوده الانتقام من القتلة ولكن دون جدوى بسبب تطور الامور الى حدوث نزاع قبلي مع الآغا (قاهيدي – قهرو) المسؤول عن القتلة لا تحمد عقباها، ولكن تم تسوية الامور بدفع غرامة مالية تسلمها الآغا، حيث رفض أولاد الضحية استلامها، لانهما كانوا يريدون قتل الرجلين قصاصاً، فكان جواب (سعدي آغا) القول بأنه بمجرد قتل الرجلين قصاصاً ستندلع حرب قبلية كبيرة، وسيقتل فيها رجال كثيرون.
4- في كانون الأول/ ديسمبر عام 1913م، واستناداً إلى أقوال أحد المبشرين(= المنصرين) المحليين،” أن الشيخ البارزاني (= عبدالسلام الثاني) قام بشن غارة على بضع قرى من (=عشيرة نيروه)، ثلاث منها آشورية (= نسطورية)، وست كردية. وأعملوا فيها النهب والسلب، وقتل ستة من اليهود. وكانت تلك الغارة رداً على رفض رجال قبائل(نيروه- ريكان) مساعدته في هجوم تم التخطيط له على قبيلتي (جال) و(تخوما) الآثوريتين والذي كان يستعد له في الربيع (1914م).”.
5- في ربيع سنة 1923م حدث نزاع قبلي بين البارزانيين وبين عشيرة (أركوش) المزورية، وقتل من جرائها المدعو (اسحق) جد عائلة (موشي بنيامين) الساكن في قرية سروكانى في عيد الفصح اليهودي، مما حدا بهم الى الهجرة الى منطقة أخرى أكثر أماناً، حيث التجؤا الى الشيخ احمد البارزاني طالبين حمايته، الذي نقلهم بدوره الى قصبة ميركه سور الخاضعة لنفوذه.
6- في سنة 1930م قتل يهودي يدعى (شفان) وهو خال موشي بنيامين المار الذكر آنفاً الذين كانوا مستقرين في قرية هاوديا(=هاوديان) الواقعة غرب قضاء رواندوز على طريق ميركه سور، بعد أن تجرأ على قول الحق أمام (أسعد شيتنه) أحد أغوات المنطقة، لأن رجاله كانوا قد سرقوا الصوف العائد لاحد أقربائه المدعو (برندار)، ويستطرد المصدر اليهودي قائلاً:” لم يستطع الآغا(سواره) عمل شيء لحمايتنا أو الثأر لنا”.
7- في سنة 1928م قتل ثلاثة من التجار اليهود من أهالي مدينة زاخو وهم كل من: آشر، يوسف، وجمعة، عندما كانوا يتاجرون بالبضاعة عبر القرى الكوردية في المناطق المحيطة بزاخو، وتم تشويه جثثهم، وإثر ذلك توقفت حركة التجارة من قبل التجار اليهود في المنطقة وبدأوا بالتفكير الى الهجرة الى فلسطين ، أو أرض اسرائيل كما يطلق عليها الباحث اليهودي( زاكن).
8- في حوالي 1939-1940م خطفت إمرأة يهودية من قرية أرادن إسلام من قبل أحد أبناء القرية المسلمين، مما جعل أهلها يتركون القرية قاصدين قصبة بامرني(= ناحية بامرنى حالياً) مقر الطريقة النقشبندية للإحتماء بجوار الشيخ بهاء الدين النقشبندي، ولما كان اليهود بحاجة إلى رجال الدين لتمشية أمورهم الحياتية والروحية، لذلك وصل أحد رجال الدين اليهود ( الحاخام – المعلم) قادماً من العمادية إلى بامرني بقصد القيام بعملية الذبح اليهودية (الشوحيطم)، وبعد إتمام الطقوس الخاصة بذلك رجع المعلم اليهودي إلى العمادية برفقة إثنين من اليهود أحدهما يدعى نفتو (نفتالي) والثاني بنو (بنيامين) عن طريق – أرادن نصارى- إينشكى بمحاذاة جبل متينا، وكان أحد الزعماء القبليين المطلوبين آنذاك للحكومة العراقية كان متواجداً في بامرني آنذاك لزيارة أقربائه، رأى هؤلاء اليهود، وقبل خروجهم من بامرنى نصب كميناً لهم وتمكن من خطفهم في منطقة (گرگێ بتێژیك) في السفح الجنوبي لجبل متينا بين بامرني و قرية أرادن نصارى، حيث تم نقلهم إلى (شیڤا گورگا) حيث تم قتلهم جميعاً بدم بارد ربما من أجل ملابسهم الكوردية الراقية التي كان الضحايا اليهود يرتدونها.
9- في سنة 1930م وبينما كان أهالي قريتي: إكمالة، وصندور، غارقين في نومهم أيقظهم نداء إستغاثة من قبل رعاة الغنم في جبل سبيريز المطل على القريتين من الجهة الجنوبية، ولما كانت عادة أهالي المنطقة إستجابة النداء أياً كان مصدره، لذلك حمل الجميع أسلحتهم وتوجهوا نحو مصدرالاستغاثة في الجبل، حيث حدث إطلاق نار أدى إلى جرح المدعو (مصطفى گردي) أحد وجهاء قرية إكمالة، وقام يهود صندور بمحاولة إسعافه دون جدوى حيث فارق الحياة من جرح بسيط في ساقه. وقد إتهم أهالي إكمالة يهود صندور بقتله رغم نفي اليهود ذلك، لذلك صمم أخو القتيل (تيلي گردي) ومعه إبن عمه (رشيد گندل) على أخذ الثأر من يهود صندور، حيث قاموا في إحدى الليالي بالتوجه إلى قرية سندور ودخلوا الكنيست على حين غفلة منهم، ولما رأى اليهود الجالسين في الكنيست الرجلين في مدخل باب الكنيست أطفئوا الأنوار خوفا وهلعاً ، وقام تيلي وإبن عمه رشيد بإطلاق النار بصورة عشوائية عليهم مما أدى إلى مقتل سبعة منهم وجرح آخرين، وعلى إثرها أصبح تيلي گردي وإبن عمه رشيد گندل مطلوبين لدى السلطات الملكية العراقية، وقد أشارت الصحافة اليهودية في فاسطين إلى هذه الحادثة التي جرت ليهود سندور. ومما تجدر الإشارة إليه أن تيلي گردي باعتباره أحدى الشخصيات العشائرية الدوسكية المشهورة كان يعتبر سابقاً أحد حماة يهود صندور من إعتداءات الآخرين.
ويورد تقرير كتبه احد المبشرين اليهود في العام 1945م، يناقش فيه اسباب الهجوم ويقول ” شجار ونزاع قديم بين (موشي) ابن الحاخام(مردخاي) وسكان القرية القريبة المجاورة (= اكماله)، وتصف المصادر اليهودية موشي كونه رجلاً شجاعاً لم يتحمل أن يسرق احد ما اخوانه من قبل الجيران.
ويتحدث تقرير بريطاني عن تلك الظروف التي قادت الى وقوع هذه الحادثة. حاول لصوص في العام 1930م، أكراد قرية مجاورة سرقة الاغنام والماعز والبقر ولكن الحراس اليهود كانوا بالمرصاد، ومنعوهم من السرقة وأطلقوا عليهم النار، وقتل واحد منهم، وظل كرد إكماله يحاولون الانتقام لاحد عشر عاماً بقتلهم (موشي المختار) وأشقائه ساسون ويهودا الذين كانوا رأس الجالية اليهودية ولكن دونما جدوى.
وخلال فترة التوتر ضد اليهود الذي انتشر وعم في كل العراق عام 1941م (= عام الفرهود) اعتبر كرد إكماله، انه ربما حان الوقت الملائم للانتقام. وفي مساء السبت 13 ديسمبر/كانون الاول 1941م اقتحموا القرية(= صندور) وفتحوا نيران بنادقهم على منازل المختار وأخيه. وقتل سبعة رجال وجرح ثلاثة آخرون، جراح بعضهم خطيرة، واستناداً الى تقرير مكتب الشؤون الخارجية حدث الهجوم(يوم الاربعاء 12 شباط) أو(الجمعة 10 كانون الاول 1941م).
وينقل الباحث اليهودي(مُردَخاي زاكن) عن شاهد عيان لتللك المذبحة(= صالح رَحاميم) جميع تفاصيل الحادثة. ففي ليلة السبت(13 كانون الثاني 1941م)، جاء اثنان من رجال القبائل من قرية إكماله(= تيلي گندل وابن عمه رشيد گندل) وانضم اليهم خمسة آخرون من رجال القبائل : ” دخلوا منزل ساسون شقيق موشي المعلم (المختار)، في الواقع لم يدخلوا… ولكنهم اطلقوا الرصاص من النافذة وجرحوا طفلين أحدهما يدعى فريق والثاني صادق… ثم غادروا وتوجهوا الى منزل المختار، موشي ودعاهم للدخول… أجابوه: لا جئنا لنقتلك وبدأوا بالاطلاق النار على كل من كان هناك… لم يقتلوا اسرتي فقط، بل قتلوا الضيوف كذلك… والقتلى هم :الحاخام مُردخاي حِبر الجالية(1870-1941م)، وابنه موشي المعلم(1890-1941م)، موشي من قرية (ميرى)، شيكو، يوسف، شاباتاي، وجمعة…” .
ومن جانب آخرفان الباحث ينقل وجهة نظر أخرى عن شاهد العيان(صالح رَحاميم) من أقرباء المختار القتيل، قوله : ” كان اليهود أقوياء، والمختار(موشي المعلم) كان يضايقهم( = الكرد المجاورون)، ونحن كنا من الفلاحين هناك، وإذا ما سرقوا عنزة، خروفاً، أو بقرة، يلقى اللوم على فلاحي إكماله… وكان للمختار صديق يعمل قاضياً في دهوك، يقوم بكل ما يطلب منه…”. ويستطرد الباحث بأن القتلة هربوا وأختبأوا في الجبال المجاورة خوفاً من ملاحقة السلطات لهم، ولكنهم بين الحين والآخر كانوا يعودون لزيارة منازلهم في قرية إكماله، وكان يرافقهما ايضا ًرجال آخرين منهم (سليم مصطفى بيسفكي) المتهم بقتل المنصر(المبشر) الامريكي المشيخي (كامبرلند- كامبلان) في 12 حزيران1938م، وينقل عن شاهد عيان يهودي قوله:” ذات يوم قابل القتلة الهاربين صدفة عندما كان يعمل مع والده في بستان الكرم(=العنب) وسألهم والده :” لماذا تقتلون الابرياء ! و كانا رشيد(گندل)، وتيلي(گردي) قتلا واقترفا تلك الجريمة. وشرحا لوالدي قائلين : لقد عُدنا مبكراً تلك الليلة ولم نتوقع وجود اناس كثيرين… وطلبا من والدي عدم كشف وجودهما بالمنطقة، وكانا يتسكعان في الجبال أثناء النهار وفي الليل يعودان الى منزلهما… وقال لهما والدي حسناً، لن أبوح بسركما”.
وكان سليم مصطفى بيسفكي دوسكي قد قتل المنصر(المبشر) الامريكي المشيخي كمبرلند(=كامبلان) في 12حزيران 1938م، وإثر ذلك أصبح مطارداً من قبل الحكومة، وعندما قتل تيلي گردي إكمالي دوسكي وابن عمه رشيد گندل اليهود السبعة من قرية سندور، التحق الاثنان بالجبال، واصبح الجانبان يتجولان سوية نظرا لصلة المصاهرة بينهما، وفي تلك الحقبة حاول (سعيد آغا) رئيس عشيرة الدوسكي عمل اللازم لهم من أجل عودتهم الى ديارهما، والقت المصادر اليهودية الضوء على دوره بالقول:” لقد لعب سعيد آغا دوراً حيوياً للصلح بين المجرمين وعوائل الضحايا اليهود في صندور، ويقال ان سعيد آغا قال لهم: هم فعلوا ما فعلوا، وما حدث، حدث لقد أثار مختاركم قلقهم وخلق لهم مشاكل؛ وبذلك القى اللوم كله على عاتق المختار اليهودي(موشي) الذي كان من بين الضحايا السبع”.
وقد حاول سعيد آغا جاهداً عقد صلح بين الجانبين، يتم بموجبها تعويض الضحايا بمبلغ ثلاثين دينارعن كل ضحية من ضحايا يهود صندور، ولكن فلاحي قرية صندور رفضوا العرض، واعتبروها إهانة بحقهم، ولايعلم على وجه التهديد، كيف استطاع سعيدآغا اسقاط التهم عن هؤلاء وعن سليم مصطفى بيسفكي قاتل كمبرلند، حيث يعتقد بأنهم امضوا حوال شهرين في سجن العمادية، بعدها رجعوا الى بيوتهم.
ويبدو ان ذلك الاتفاق قد عمل على استعادة العلاقات بين الجانبين، وقد وصف (اسرائيل ابن يهودا ابن مرخاي) حفيد الحاخام(مُردخاي) الذي قتل، وصف ذلك الموقف الدقيق من وجهة نظر يهودية، بقوله:” اذا كانوا قد قدموا للمحاكمة فالعقوبة هي الشنق… ولكننا آنذاك كنا مجبرين على ترك المكان(= صندور)الذي كان قريتنا للسنوات المائة الاخيرة، ولم نكن ننوي الرحيل، ومع ذلك قررنا عقد الصلح ودفعوا غرامة كبيرة على جرائمهم”.
وهذا التناقض يبدو واضحاً في كلام الباحث اليهودي(مُردخاي زاكن) حول امتناع فلاحي قرية صندور عن استلام مبالغ التعويض، وفي كلام اسرائيل مردخاي عن استلام مبلغ الغرامة. وبعد عقد الصلح بين الجانبين اصبح كرد قرية إكماله اصدقاء جيدين ليهود قرية صندور من جديد، وكأن شيئاً لم يكن، ويقول اسرائيل مردخاي ان آغا إكماله (تيلي گردي) قد ساعد يهود صندور وحماهم خلال فترة نظام رشيد عالي الكيلاني.
ففي شهر حزيران عام 1941م وبعد فشل ثورة رشيد عالي الكيلاني ورفاقه من الضباط الاربعة، هاجت الجماهير العراقية في بغداد وهاجموا محلات وبيوت يهود بغداد بسبب فرحهم بخسارة الثورة وعودة المحتل البريطاني ومعه الوصي على العراق (عبدالاله)، وقد خاف يهود كردستان خوفا شديداً من جراء التبعات المترتبة على ذلك، وحضر آغا قرية إكماله (تيلي گردي) ورجاله لحماية يهود قرية صندورمن مشاكل مرتقبة، ومع ذلك بقي خوف اليهود من رجال القبائل الكوردية الاخرى من غير قبيلة الدوسكي، وأرسل (يهودا ابن الحاخام مردخاي المولود عام1902م) المختار بعد مقتل اخيه موشي، ارسل رسولين الى سعيد آغا كبير آغاوات الدوسكي يطلب منه ارسال رجاله لحماية وحراسة اليهود، وجاء سعيد آغا مع رجاله ومعه قوة من رجال الشرطة وطرد رجال قبائل الكورد الاخرين الذين هاجموا قرية صندور، وترك مفرزة من رجاله لحماية القرية، كما أن الحكومة الملكية العراقية أنشأت هي الاخرى مخفرا للشرطة في القرية اعتباراً من سنة 1941م.
10- في سنة 1940م قتل يهوديين من اهالي زاخو وهما: ناحوم بن يحيى كوهين وابنه ابراهام (= ابراهيم) في القرى المحيطة بزاخو، حيث تم سرقت ما بحوزتهما والقيت جثتهما في حفرة صخرية في احدى الوديان الجبلية، وتمكن احد يهود زاخو (شلومو الياهو سلمان) المعروف ب(شلوموعطية) من معرفة الجناة وأخبر الشرطة المحلية الذين القوا القبض عليهم، لذلك كان (شلومو عطية) يعيش في اوضاع حياتية صعبة خشية انتقام أقرباء القتلة منه، لذلك اتصل مع اخيه المتواجد في مدينة القدس بغية اخراجه من مأزقه عن طريق دعمه مادياً، أو تيسير السبل له بغية هجرته الى فلسطين.
11- في سنة 1945م كان من عادة الكرد آنذاك الذهاب إلى مراعيهم في الجبال (زووم)، لذلك قام أهالي قرية طروانش الواقعة في منطقة برواري بالا شمال شرق العمادية بالذهاب إلى جبل سر العمادية (سلسلة جبل متين) الواقعة جنوب القرية، وعندما طلبوا من مواطنهم اليهودي (رفو) بالذهاب معهم إلى الجبل رفض وأصر على البقاء في القرية، وفي إحدى الليالي صعد بعض اللصوص إلى سطح دار اليهودي حيث كان نائماً برفقة عائلته وقتلوه رغم توسله بأنه يملك خمسة ليرات ذهبية وأنه مستعد لدفعها لهم مقابل الإبقاء على حياته، وهكذا ذهب اليهودي ضحية هؤلاء القتلة، بالاضافة الى عدم مرافقة أهل قريته إلى مراعي القرية في الجبال المجاورة.
12- كان أحد يهود قرية بيتنور(= بيت النور) الواقعة في منطقة برواري بالا شمال العمادية والمدعو( زاوو) تاجراً مشهوراً في المنطقة، حيث كان يتاجر ما بين الموصل ومنطقة جلي ومدينة جولميرك في كوردستان تركيا، لذلك كانت أنظار قطاع الطرق وبعض متنفذي وأغوات المنطقة ترمي للتخلص منه ونهب أمواله الكثيرة التي كان يسيل لها لعاب الكثيرين، ففي إحدى الليالي من سنة 1947-1948م وبعدما رجع بتجارته من الموصل إلى قريته بيتنورعن طريق جبل سرعمادية، نصب له كمين محكم في الجبل الواقع خلف القرية وتم إطلاق النار عليه حيث قتل في الحال، ولكن مرافقه المسيحي المدعو (توما) أصر على التصدي للمغيرين رغم نداءاتهم له بالإستسلام، ولكنه قتل هو الآخر وسيطرت العصابة على محتويات القافلة، والعصابة كانت تضم احد الاغوات المشهورين من منطقة قضاء الشيخان الذي كان مطارداً من قبل سلطات النظام الملكي، فضلاً عن بعض البكوات من قبيلة برواري بالا المجاورة.
13- في صيف سنة1947م قتل الفلاح اليهودي (بيرو) من اهالي قرية صندور على يد اثنان من رفاقه الكورد، عندما كان نائما فوق سطح منزله، ويعزو تقرير يهودي سبب القتل الى أن الضحية كان يتعاون مع اللصوص الكرد في السطو على منازل اليهود، وعندما حدثت بعض المشاكل بينهم قاموا بقتله، وينقل (زاكن) عن أحد الرواة اليهود (صالح رحاميم): تفهمه وتبريره لمقتل اليهودي، الذي كان تصرفه بمثابة خيانة للجالية اليهودية.
ومهما يكن من أمر فإن غالبية مجريات هذه الحوادث جاءت من مصادر يهودية، ولم نسمع من الجانب الآخرأو من مصادر محايدة ما يلقي الضوء الكافي على هذه الحوادث وتحليلها للوصول الى الحقيقة.
وأخيرا فإن هذا هذا لا يقلل من حالات كثيرة دافع فيها بعض الآغوات والشيوخ وعلماء الدين الاسلامي عن اليهود في مدن ومناطق مختلفة وردت أسمائها في ثنايا المقال، وأشاد بها الباحث اليهودي نقلاً عن مصادر غربية أو عن مراجعه من اليهود الذين أجري معهم بحوث ميدانية.