18 ديسمبر، 2024 5:56 م

اقتلوا القائد يموت الشعب

اقتلوا القائد يموت الشعب

لا تحتاج لأسلحة نووية او دمار شامل, واموال ضخمة لتمويل حرب ما، لتقتل أمة بأكملها، فكل ما تحتاجه إعلام محترف مأجور، ومجموعة من الجهلة والسُذَج.

زمن الاحتلالات العسكرية قد ولى، وصار الإعلام السلاح الحاضر الأقوى لحسم أي معركة، بخطط مسبوكة بعناية, وإعلاميين للإيجار, وأموال لشراء الذمم.

عادةً ما يركز في الحرب على مقرات القيادة، أو القائد بذاته، لأنه متى ما قتل القائد او دمر مركز القيادة أنهار الجيش.. فحسمت المعركة بأقل مما قدر لها من الوقت.

ان قوة الشيعة تكمن في أمرين هما مرجعيتها الدينية, والإيمان الراسخ لمتبعيها، فالمذهب الشيعي يختلف عن الديانات والطوائف الاخرى، لأن اختيار المرجع لا يأتي بالانتخاب او التنصيب، وانما إعتمادا قوة المرجع العلمية، في القضايا الفقهية والعبادية، فيكون الالتفاف حولها من باب المحافظة على الدين، وهذا هو سر قوتها، التي تستمدها مِنْ إيمان الجمهور بقيادتها لهم، لذلك يصّعب قهرهم او أضعافهم، لذا تجدهم منتصرين في الغالب، وهذا ما ثبت بالدليل القاطع في مناسبات عدة، كما حصل مثلا في ثورة التنباك (التبغ) سنة (١٨٩١)، عندما حرم المرجع الأعلى في إيران السيد (محمد حسن الشيرازي) بيع التبغ للشركة البريطانية التي إحتكرته، فأدى بالأخير لإنهيارها تماماً.

بعدها لا ننسى الفتوى التي اطلقت شرارة ثورة العشرين، في آيار/ مايو ١٩٢0، التي أطلقها المرجع الكبير الميرزا (محمد تقي الشيرازي) ضد الإنكليز، بتحريم إنتخاب غير المسلم لإدارة البلاد، بعد إجبار الاحتلال البريطاني العراقيين على إختيار (السير برسي كوكس) ليكون رئيساً للعراق.

تبعتها فتوى تحريم الإنتماء للحزب الشيوعي، التي أطلقها المرجع الأعلى السيد (محسن الحكيم)، في شباط/ فبراير١٩٦١، بعدما غزى جميع العائلات العراقية.

آخرها فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيد (علي السيستاني)، في حزيران/ يونيو ٢٠١٤، حيث قهرت أكبر عصابة إجرامية في العالم، على مدى التاريخ، المدعومة من قوى الإستكبار العالمي، والتي قدر وقت القضاء عليها بأكثر من عشر سنوات، كما قالت التقارير الامريكية، الا أنها إنتهت في ثلاث سنوات تقريباً.

وجود تلك القيادة الدينية الروحية، يهدد أكبر قوة في العالم، تسعى للسيطرة على العراق، الذي أصبح ساحة لتصفية الحسابات، إضافةً لما يحتويه من ثروات.

لا يمكن بسط اليد على العراق مع وجود المرجعية فيه، إذ يلزم على الدول الطامعة إزاحة تلك القيادة عن طريقها، وهذا الامر ليس من السهل تحقيقه، إذ يتطلب عليهم تقسيم وتضعيف جمهور المرجعية، من خلال صناعة مرجعيات مصطنعة جديدة حسب الطلب، وهذا الأمر لم يجدي نفعاً بعد تجربته، لأن المقلدين الشيعة لا يتبعون كل مدعي، فلديهم شروط متى ما وجدت في العالم الديني جاز إتباعه، ولن يأتي بين يوم وليلة لأنه يحتاج وقتا طويل، فهذا الخيار لم تجنى منه الثمار.

بعد الفشل في صناعة مرجعيات جاهزة، إتخذوا اُسلوباً جديد حسب النظرية القائلة “فرق تسد” من خلال تفريق الجمهور وعزله عن قيادته الروحية، من خلال التخوين والتشكيك بطلبة الحوزة العلمية ورجال الدين، لأنهم حلقة الوصل بين الجمهور ومرجعيته، فهم يوصلون للمرجعية ما يريدونه، وبالعكس يوصلون رسائل المرجعية لجمهورها، فالتشكيك فيهم وتخوينهم زعزع ثقة الناس بهم، وهذا الأمر نجح نسبيا.

لكنه لن يكفي، فمنبر الجمعة أصبح البديل الأقوى, والواسطة الأسرع, والأصدق لإيصال رسائل القيادة الدينية للناس بدون عناء أو مشقّة، مما دفعهم للسعي في زعزعة ثقة الناس بوكلاء ومعتمدي المرجعية، من خلال كيد التهم، وتلفيق الكذب، وإتهامهم بما ليس فيهم، التي تتفنن بها الأقلام المأجورة، أمثال (سليم الحسني) العضو في (حزب الدعوة/جناح المالكي) التي أخذت اثرها في الجمهور.

لم يكتفي الحسني وأمثاله، من أدوات المخابرات البريطانية بهذا القدر، لأن المرجعية ستعمد الى تغيير الوكلاء والمعتمدين إذا ما تطلب الأمر ذلك، لأجل المصلحة العامة.

أخذ الحسني وأمثاله بتوجيه السهام نحو بيوت المراجع، متهمين أبنائهم بالسيطرة على أمور المرجعية، يقودونها من وراء حجاب، عن طريق سرد أحداث غير واقعية، لا صحة لها إطلاقاً، وذكر أسماء شخصيات وحوادث من نسج الخيال، مستغلين بذلك جهل البعض وسذاجة البعض الآخر، باعتمادهم على أعداء المرجعية في الترويج لهذا الأمر، عن طريق أتباع المرجعيات المستوردة خصيصاً للعراق، وعدد من الالحاديين اللذين لا يؤمنون بِاللّه.

لن يهدأ بال المخابرات الأجنبية وعملائهم من الاحزاب التي تدعي التدين، وأقلامهم المأجورة عن مهاجمة المرجعية الدينية، او القيادة الروحية للشيعة، بكل السبل حتى ينالوا منها، ويفرقون الناس من حولها، كي تخلوا لهم الساحة، لتحقيق ما يسعون لتحقيقه، فما دامت المرجعية الشيعية موجودة وقوية، تبقى مصالحهم في خطر دائم، تحت تهديد الفتوى وإصدار التوجيهات.