17 نوفمبر، 2024 7:34 م
Search
Close this search box.

اقتلوا السيستاني واعلنوا التوبة

اقتلوا السيستاني واعلنوا التوبة

سقط النظام الصدامي وارتحلت معه آلام الماضي، وحلت تباشير الفرح على وجوه الناس، آملين حياة عزيزة وكريمة، من خلال حكومة عادلة، تعوض الناس ما سُرِق من أعمارهم، التي ذهبت مع سنوات حكم صدام كذهاب الذرى مع الريح، وانتهى زمن الانقلابات والأحكام العسكرية، في بلد اعتاد أهله على السيف والعصى، والنار والحديد والمقابر الجماعية، ونصب بعض الوافدين أنفسهم قادة على البلاد.

بعد السقوط توجه غالبية العراقيين الى النجف، مركز التشيع الاسلامي في العالم، ذات التاريخ العميق والمواقف المتنوعة، التي كتبت بماء الذهب على أوراق التاريخ المبعثرة، للاستشراف والانتهال من ذلك النبع الصافي، يسترشدوا طريقهم المعتم، فكانت أبواب مراجع الدين محطاً لأولئك الوافدين، ومن أهمها باب السيد (علي الحسيني السيستاني) باعتباره المرجع الأعلى للشيعة، ليس في العراق فقط وإنما للعالم الاسلامي الشيعي اجمع.

تصدت المرجعية للشأن السياسي العراقي، وصدّرت منها فتاوى ومواقف عدة، اتجاه الاحتلال الامريكي، يصعب ذكرها هنا لضيق المساحة، أهمها موقفه من الدستور الجديد، الذي يعيبه الغالبية العظمى من الشعب العراقي، مع ان الأكثرية لم تقرأ فقرة واحدة منه، واكتفوا بما يصرح به بعض الساسة والاعلاميين اللذين يفسرون ومواده وفقراته حسب اهوائهم وفهمهم لها، وتناسوا ان الدستور هو الدعامة الرئيسيّة للعملية السياسية برمّتها.

وقفت المَرجِعية بكل قوة، بالضد من كتابة دستور العراق بأيادي الاحتلال، لكن مواليد الألفين لم يعلموا بذلك، لصغر سنهم من جهة، وعدم امتلاك المرجعية الوسائل الإعلامية الخاصة بها، لتبيان الحقائق من جهة اخرى، واستمرت المرجعية الدينية بمواقفها العقلانية حيال العملية السياسية.

يلقي كثيراً من الشعب العراقي اللائمة على المرجعية الدينية، لدعمها للقائمة (١٦٩)، وهي اول قائمة شيعية تدخل العملية السياسية الجديدة، لتشكيل الجمعية الوطنية، التي أنيطت بها مهمة كتابة الدستور، وتأسيس مفوضية انتخابات، لإدارة العملية الانتخابية في العراق، مع نِهاية عمل الجمعيّة، وتحديد موعد جديد للإنتخابات البرلمانية الأولى، وإثبات حجم الشيعة الحقيقي من خلالها، بالإضافة تمكينهم من الحكم، وهي المرة الاولى التي يحكم الشيعة فيها العراق، فكانت تلك الانتخابات نقطة البداية.

المرجعية لا تعلم الغيب، ولم تعلم سيرة من اتوا من الخارج، الا أنفاراً كان من بينهم السيد (الحكيم)، وبعض الشخصيات السياسية المعارضة، لا يتعدون عدد الاصابع، مع هذا فلم يتصدى أناس من الداخل للعملية السياسية, ولم ترفض المَرجِعية مشاركة احد تصدى للعملية السياسية، فالمرجعية لا تعلم صلاحهم من فسادهم الا ما يشاع عنهم، فدخولهم في قائمة مغلقة، جعل خيارات الناخبين محدودة جداً.

مع هذا فالمرجعية لم تقف موقف المتفرج على السياسيين، ففي الانتخابات الثانية، دعت الجماهير الى انتخاب الاصلح، باعتبار الناس خلال اربعة سنوات خَبِرَت السياسيين وأحزابهم، وعليه ان يختاروا منهم الاصلح، اما في الانتخابات الثانية كررت دعوتها الى انتخاب النزيه والصالح الذي يبحث عن مصلحة البلاد، لكن الشعب عاد ليختار ذات الشخوص والاحزاب ليضاعف لهم عدد مقاعدهم.

كانتا التجربتين مريرتين لحكومتي (٢٠٠٦ و ٢٠١0)، لما رافقها من الفشل والتراجع في جميع مفاصل الدولة، سياسياً وامنياً اقتصادياً، عندها قالت المرجعية قولها المشهور “المجرب لا يجرب” لكن الجماهير اختارت المجرب الفاشل، كي تعطيه (١٠1) مقعد برلماني في حكومة (2014).

امتعضت المرجعية كثيراً مما حدث في العراق، من تراجع أمني كبير, وهدر للمال العام, وفساد قلَّ نظيره على المستوى العالمي، وأغلقت ابوابها بوجه جميع السياسيين، لكن الشعب العراقي بجميع مكوناته وطبقاته المجتمعية (من وجهاء قبائل وشيوخ عشائر ومثقفين وغيرهم من الأوساط المجتمعية) فتحوا أبوابهم امام السياسيين الفاسدين، ويقفون طوابيراً على أبوابهم في النهار، ويشتمونهم ويلعنونهم في المساء.

كانت جميع الأنظار متوجهة صوب المرجعية الدينية، بانتظار خطبة الجمعة التي سبقت الانتخابات الاخيرة، ينتظرون توجيهاتها وهم في صمتٍ مطبق كأن على رؤوسهم الطير، رسمت المرجعية ملامح الطريق امام الناخبين، وقالت “إن المصلح الحقيقي هو النبي, ثم الامام المعصوم, ثم نائب الامام, (وهو المرجعية الدينية)” الا ان الناس اختارت مدعي الاصلاح لتمنحه المرتبة الاولى, ثم تبعت كلامها “ان لا تنتخبوا المدعومين من الخارج” لكن الناخبين منحوا من يتهمونهم بالولاء للخارج المرتبة الثانية من بين الأعلى للأصوات, ثم قالت “لا تنتخبوا اللذين كانوا على رأس السلط ة طيلة الفترة الماضية ولَم يحققوا غير الفشل” فكان تسلسلهم من بين الفائزين بالمرتبة الثالثة والرابعة.

يبقى السؤال الأهم، هل الخلل بالمرجعية ام في الشعب؟ الذي يعيد انتخاب من يشتمهم ويلعنهم ويتهمهم بالفساد والفشل فهي تضع النقاط الرئيسيّة لخارطة الطريق، وعلى الجماهير ان تختار طريقها بعناية، ولا يحق لأي شخص ان يتهمها بما ليس فيها، ولكل مرحلة ظروفها ومشاكلها ومخرجاتها، الا ان البعض من الشعب يريد ان يكون كالحجارة، لا يفكر ولا يختار بحرية، والبعض الآخر يبرر أخطائه بإلقاء اللوم عليها، فالشعب الذي يختار الفاسدين هو شريك معهم.

أحدث المقالات