23 ديسمبر، 2024 4:16 ص

اسماؤنا والمهن التي نمارسها

اسماؤنا والمهن التي نمارسها

في الكثير من المجتمعات يلعب اسم الحرفة التي ينفرد المرء او افراد عائلته بمزاولتها دورا كبيرا في تحديد الاسم العائلي ويتوارث هذا الاسم ابا عن جد. فمثلا الاسم العائلي الاكثر انتشارا في المانيا وسويسرا هو “الطحان” فيما ينتشر الاسم العائلي ” الاسكافي” في سلوفاكيا اما في المملكة المتحدة واستراليا ونيوزيلندا وكتدا والولايات المتحدة الاسم العائلي الاكثر شيوعا هو “الحداد” بمختلف انواعه. ويرجع تاريخ هذه الاسماء الى القرون الوسطى عندما تحدد حرفة شخص ما اركان شخصيته وبالاحرى هويته
في عدة حالات يبدو طبيعيا ان نرى مهنة شخص تحدد تفاصيل هويته. كما قد تكون المهنة دليل على قيم الشخص اواهتمامته او خلفيته او انها قد تساعد شخصان غريبان في حفلة كوكتيل لتمضية الوقت في الحديث عن المهنة ولكن العديد منا في الواقع يعرف عن نفسه عن طريق ما يقوم به من عمل. والسؤال الذي يطرح نفسه:
كيف اصبح العمل متوأم مع الهوية او الم يكن الامر متاخر بالنسبة لنا فصل الذات عن الحياة المهنية؟
تاريخيا معظم الناس لايختارون مهنهم كما تقول الاستاذة (آن ويلسون) استاذة علم النفس في جامعة وليفرد لورير في اونتاريو وتضيف ان الامر توارثي : اذا كان ابوك نجار فيصبح اسمك العائلي نجار مهما كان نوع العمل الذي تمارسه و المتوفر لك.
ولكن تزايد توفر التعليم خلال القرن الماضي ادى الى ظهور المزيد من الاعمال المتنوعة كما زادت دخول الافراد ولذلك اصبحت الاعمال مؤشر مهم . فعندما يقول شخص ما انه جراح تظن ان لديه تعليم عال ودخل عال وهذان الامران يقرران موقع الفرد في المجتمع وبالنتيجة يحددان الحكم على الشخص. وبطبييعة الحال يرحب الكثيرون بهذا الحكم لانهم يرغبون ان يقال عنهم اثرياء واصحاب شهادات نتيجة ما تنطوي عليه القابهم المهنية.
وهذا الامر بشكل خاص شائع بين افراد النخبة المثقفة. حيث هكذا غالبا ما يعرف الاشخاص الذين لديهم اعمال معينة وطبقة اجتماعية معية انفسهم وبالطريقة ذاتها يعرفك الناس للاخرين اذا كنت من تلك الطبقة.
الا ان اؤلئك الذين يجعلون اعمالهم تستحوذعلى هواياتهم انما يقومون بذلك على حسابهم. فعندما يقوم الاشخاص بتمضية مقدار كبير من وقتهم وطاقتهم بشكل لايتناسب مع اعمالهم(اي مهوسين باعمالهم) فان ذلك يؤدي الى حالة نفسية تعرف “بحالة الخلط” حيث تكون الحدود بين العمل والحياة الخاصة غير واضحة كما يقول المختصون
وهذا عادة ما يحدث بشكل خاص للاشخاص الذين لهم اعمال بالنسبة لهم اختاروها بانفسهم اي ان الفرد لايبدأ عمله العادي بالتاسعة صباحا وينتهي في الخامسة مساءا بل طيلة وقتهم وهؤلاء الاشخاص هم اشخاص في مناصب تنفيذية عالية مثل المحامون والاطباء والمستثمرون الشباب والاكاديميون وغيرهم الذين يعلمون حسب توقيتاتهم هؤلاء الاشخاص يجعلون اعمالهم تأخذ الكثير بل معظم الوقت في حياتهم.
هناك علامات مشتركة لحالة ا لخلط هذه مثل ا التفكير في امور العمل والشخص خارج نطاق العمل او التحدث عن عمله خلال الدقائق الثلاث من بدء اي حديث. ان هذه الحالة تجعل العمل يهيمن على هوية الشخص تاركا مجال صغير جدا للهوايات والاهتمامات الاخرى مما يصعب الامور على الشخص التفاعل مع الاشخاص الذين ليس لهم علاقة بذلك.
وعندما يكون المرء اكثر انغماسا في عمله يبدأ عمله بتحديد هويته ويمكن ان يصبح هذا العمل يحدد قيمته وهذا الشيء يمكن ان تكون له نتائج كارثية. فاذا ربط المرء نفسه بعمله فان حالات النجاح والفشل التي يمكن ان يمر بها تؤثر على ما يستحقه من قيمة كما تقول الباحثة ويلسون وتضيف فاذا بدل المرء مهنته او اضطر الى تركها فقد يصبح الامر ازمة هوية لاننا نعيش في مجتمع يقلل احتمال استمرار نفس المهنة الى مدى الحياة.
وحالة الخلط التي تحدثنا عنها لاتهدد فقط الطريقة التي نشعر بها حول انفسنا شخصيا . حيث تقول جانا كورتيس المتخصصة في العلاقة بين الصحة العقلية والاعمال ذات الضغط العالى ان ربط القيمة الذاتية بالمهنة قد يحول المهنة الى عقبة يصعب بشكل كبير التغلب عليها. وتقول كورتيس حتما سيحدث شيء ما حيث سيتم تسريح بعض العاملين اويحدث ركود أ وسيتم امتلاك شركتك وفجاءة تتغير ظروف العمل وسيصبح الامر امرا وجوديا وستكون ستراتيجيات مواكبة العمل ضعيفة لان الهزة قوية لذلك سيكون الامر اكتئاب وقلق وحتى سوء معاملة.
ولكن حتى مع وجود مشكلة (حالة الخلط) لا يدرك معظم التاس المياليين الى الولع بمهنهم لايدركون حدوثها. وتواصل الباحثة قولها ومن المصادفات معظم هؤلاء الناس قد يقولون ايضا انهم يقومون بالاعمال التي يعشقونها ويحبونها.
غير انه قد يكون لدينا فرصة نادرة للفصل بين من نحن وبين ما نقوم به
وهذا الانقطاع الذي فرضته الجائحة على كل اركان الحياة وخاصة العمل قد دفع العديد منا لتقييم كل ما هو مهم لنا وضروري لنا والبعض منا اخذ بممارسة بعض الهوايات والبعض الاخر قد آثر علاقته مع العائلة والاصدقاء
عندما نمر بمحن تذكرنا بان وجودنا فان وان المآسي قد تحل دون او بقليل من التحذيرات نميل الى من يحفزنا لتقييم اهمية الحياة هذا ما كتبه كلاي روتيلج استاذ علم النفس في جامعة شمل داكوتا وله العديد من المؤلفات في هذا المجال
فهو احد كتاب دراسة حديثة عن كيفية قيام الامريكان باستخلاص معان من حياتهم .لذلك عندما تكون اعمالنا لا تزال موجودة قد نكون في مرحلة تصبح فيها اعمالنا قطعة مهمة من قطع تركيب الصورة الكاملة لحياتنا.
وتذكر الباحثة ويلسون ان قيام المرء بعمل يحبه ليس بالامر السيء وكذلك ليس بالامر السيء اعتبار ما تقوم به كفرد من اجل العيش جزء من هويتك
وللخوض في مسألة المهن والاسماء العائلية قد يتطلب االامر البدء بالتفكير بها قبل دخول المرء ميدان العمل فقد بينت الابحاث ان الالقاب تجعل الطلبة في ضياع ومكتئبين. حتى الاطفال يعتقدون ان المهنة التي يختارونها ستكون جزءا مما سيصبحون. فنحن نسأل الاطفال مرات عديدة عما يريدون ان يصبحوا في المستقبل عندما يكبرون.
عند مناقشة المهن نرى ان صغار الاطفال وخاصة البنات يمكن ان تساعدهم في اختيار مهتهم المستقبلية حيث سيربطون هويتهم بمستقبلهم
يقول المختصون ان هوية الفرد تتطور بمرور الوقت ويحذرون من اجراء تغييرات سريعة وكبيرة ويشجعون الناس اضافة تسميات تعريفية بشكل بطىء واضافتها بشكل قوي . حيث يشجعون المرء على محاولة مصادقة اعداد قليلة من الناس في فترة وممارسةهوايات قليلة في فترة اخرى وهذا ما يشبه بتنويع المحفظة المالية .
BBC ترجمة بتصرف