لماذا أحرق مسؤولون، تولوا مسؤولياتهم في ظل المحاصصة التي جاء بها الاحتلال ومن جاء معه، مخازن الكتب الثقافية، بعد أن خفت الممارسات التي نسبت إلى الغوغاء؟!
يوم كتبت عمودي الثقافي “الموصل وإنسانها الحضاري” المنشور في صحيفة ” العرب” بتاريخ 18 مارس 2017، كان الدافع إلى كتابته، ما قرأت وما سمعت، بشأن تنادي أبناء مدينة الموصل، وإقدام كثيرين منهم، على التبرع إلى مكتبة جامعة الموصل بمكتباتهم الخاصة، واستجابة عدد غير قليل من العراقيين، في مدن عراقية أخرى لدعم هذه المكتبة بما يتوفرون عليه من كتب ودوريات.
وبعد نشر “الموصل وإنسانها الحضاري” هاتفني وكتب إلي مواطنون من عدد من البلدان العربية، يبدون رغبتهم في المشاركة بدعم حملة التبرع هذه، ثم علمت أن أوضاع مدينة الموصل ما زالت تتسم بالارتباك وعدم الاستقرار، لكن الذي فاجأني في هذا الأمر، حين اطلعت على تصريح أدلى به النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، إذ لحظة قرأت العنوان الخاص بهذا التصريح، توقعت أن مجلس النواب، أو من أطلق هذا التصريح، ولو من باب الدجل السياسي، وهو باب مفتوح على مصراعيه في العراق الآن، يعلن تبرعاً يعضد مكتبة جامعة الموصل، سواء بالمراجع والأجهزة المكتبية، أم بالمال، الذي يخصص لاقتنائها، لكن تبين لي أنه يدعو، نعم يدعو فقط، المؤسسات الثقافية للتبرع بإصداراتها، وكذلك دور النشر الخارجية -هكذا جاء وصفها في التصريح-.
ويكتفي مجلس النواب، والنائب الأول لرئيسه، بهذه الدعوة، التي من المؤكد أن الذين وجهت إليهم لم يقرأوها ولم يسمعوا بها، ولو قرأوها أو سمعوا بها لما تجاوزت استجابتهم لها التجاهل، أعني تجاهلها.
إن هذا التصريح أعادني إلى الشهور الأولى من الاحتلال الأميركي-الإيراني، حين حرقت ونهبت ودمرت، ليست جميع المكتبات في العراق فحسب، بل جميع المؤسسات الثقافية ومراكز البحث العلمي، بما فيها الجامعات ودور العلم، بكل ما كانت تتوفر عليه من تجهيزات ثمينة ومختبرات متقدمة وحقول تجريب، وكانت الجرائم الكبرى على هذا الصعيد، في ما تعرض له المتحف العراقي ومركز المخطوطات وبيت الحكمة والمتحف التشكيلي من تخريب ونهب.
وأستطيع التأكيد أن ممارسات التخريب الثقافي، التي رافقت الاحتلال واقترنت به، لم تكن عشوائية أو مجرد أعمال غوغائية، هدفها السرقة فقط، بل كانت مصممة، وكان قد خطط لها، وإنْ تداخل مع هذا التخطيط، السلوك الغوغائي لبعض من شارك فيها ونفذها.
وإلاّ كيف وصلت الغوغاء إلى مخازن الكتب التعليمية، التابعة لوزارتي التربية والتعليم العالي، ولماذا دخلوا إليها، ومعهم وسائل الحرق وأنواع المحروقات، وأشعلوا النيران فيها؟ ولماذا استمروا لأسابيع يبحثون عن مخازن الكتب التي لم يصلوا إليها في البداية فأحرقوها؟
والسؤال الأكثر أهمية هو : لماذا أحرق مسؤولون، تولوا مسؤولياتهم في ظل المحاصصة التي جاء بها الاحتلال ومن جاء معه، مخازن الكتب الثقافية، بعد أن خفت الممارسات التي نسبت إلى الغوغاء؟!
وبعد كل هذه الجرائم الثقافية التي ستلاحق الاحتلال الأميركي-الإيراني ومن تعاون معه، باقترافها، إلى يوم الدين، أسألُ، إنْ كان قد صدر اعتراض عليها من أيٍّ من رموز الاحتلال ومؤيديه والمدافعين عنه، ممن أطلقوا عليه وصف التحرير! أو أطلق أي من أطراف العملية السياسية تصريحاً يستنكرها ويعدّها أعمالاً تخريبية، ينبغي أن توقف ويحاسب الذين ارتكبوها، ويُغرَّموا ويستعاد ما يمكن استعادته من المواد الثقافية التي نهبت وصارت تباع بأبخس الأثمان؟
بل لقد قرأنا في صحف الاحتلال، واستمعنا من منابره، إلى من يدافع عن هذه الجرائم ويبحث لها عن مبررات لا تصمد في مواجهة المنطق وتتهاوى في مواجهة الحقيقة، أو كانت تواجه بالصمت والمواقف السلبية، وقد استمر هذا الصمت إلى يوم الناس هذا.
نقلا عن العرب