23 ديسمبر، 2024 3:00 ص

اتصالية التتام والتكامل

اتصالية التتام والتكامل

(لماذا تكرهين ريمارك ؟) للروائي محمد علوان جبر
يا محمد علوان
نم بسلام
علي غيمة ٍ
مِن هديل الحمام.
مقداد مسعود

9/5/ 2017 قاعة الشهيد هندال، ملتقى جيكور الثقافي،يقيم أمسية ً للقاص والروائي محمد علوان جبر، حول روايته (أورنجا) كانت الأمسية من تقديم القاص حسن الضفيري، تحدث الروائي محمد علوان جبر عن تجربته الروائية، وتناول القاص الكبير محمد خضير،التجربة القصصية والروائية لمحمد علون جبر، ثم تحدث القاص والروائي جابر خليفة ، كما تحدث عن الرواية الشاعر عبد السادة البصري،وكانت مشاركتي ورقتي النقدية (أنادي هوبي عبد الرزاق وأعني حسن كنهير).. في 9/12/ 2018 يهديني نسخة ً،كتبَ محمد علوان جبر على الصفحة الأولى من روايته (لماذا تكرهين ريمارك) بالقلم السوفت الأزرق
: صديق المسرات والاوجاع مبدعاً شاعراً مقداد مسعود
انها المحبة على هيئة ريمارك ..
البصرة
(*)
منذ أيام وأنا الملم ُ، ماخطهُ قلمي الرصاص على حافات صفحات (لماذا تكرهين ريمارك) فرأيتُ محمد علوان جبر، في معرض للكتب، ضمن مهرجان المربد الشعري 1994، تعارفنا واشترينا كتباً، ولم نحضر الجلسة النقدية أو الشعرية، تركتُ كتبي التي اشتريتها في عهدة مجيد الموسوي ومحمود عبد الوهاب، وغادرنا محمد علوان وأنا فندق المنصور ميليا، وتنزهنا بأقدام نشيطة،في بغداد هادئة، تعوم في دجلة الخير، شعرنا محمد وأنا : نحن أصدقاء قبل 1994 فالكلام عن الكتب والروايات والقصص القصيرة، وضحايا مسغبة الحصار، هذا المشترك الثقافي وتقارب الفكر الحذر في كلانا، سيدفع صداقتنا نحو سعة المحبة.. قبل أيام أخبرني عبر الواتساب صديقي الحميم القاص والروائي محمد عبد حسن : …………………………………………………………………………..
حل بيننا صمتٌ متربٌ مظلمٌ أحدب كصخر جهم، في مزرعة ترابها محدودب، تتناسل حدبات بدأب قاس ..تلك الليلة تنزهت عيناي في الذكر الحكيم ثم اغمضتُ عيني على اسم محمد علوان جبر. في الفجر الجديد : صرتُ أصغي لأصوات محمد علوان جبر، وأرى بسماته، رأيتُ في برهان نوري عبد العزيز وفي أكرم عبد الرحمن وتعاطفت مع ثريا، وتأملت هالة وخالدية وسميرة اليعقوبي… ثم رأيتني في غرفة واسعة جدرانها بصلية اللون والضوء أخضر خافت، ومنضدة مدورة تجمعنا محمد علوان وأنا وبينا محبرة زرقاء وأوراق لها صفرة زهرة الصفاف، وموبايل يبث أغاني منيرة الهوزوز..
(*)
تتشكل رواية (لماذا تكرهين ريمارك)، من المكونات النصية التالية :
النص الحاضن للفضاء الروائي
النص الثاني المتفرع من الأول ويختلف إجناسيا (سيناريو الساق)
النص الثالث الذي يتم انجازه داخل النص الأول، ويتجاور مع النص الثاني إجناسيا
(*)
محرك الرواية : تعديد الساردين : السارد النسبي / برهان/ أكرم/ سميرة اليعقوبي
(*)
نساء برهان نوري عبد العزيز
: ثريا – خالدية –هالة – سميرة
(*)
التتام والتكامل يوحدهما: برهان نوري/ أكرم عبد الرحمن
الأثنان اقتسما طفولة ً واحدة رغم التمايز الطبقي بينهما
وكلاهما يسرد بالفرشاة ثم تميّز أكرم بسرد السيناريو
التتام والتكامل بينهم : ثريا / برهان / أكرم
ثريا شقيقة برهان، أكبر منهما سنا، توصلهما كل يوم للمدرسة وكل يوم تعيدهما من المدرسة إلى البيت، وغالبا ما يكون غداء أكرم معهما، وتتجذر هذه الآصرة الدفيئة في مستقبل الثلاثة (اللوحات، وأنت، وثريا، كل ماتبقى لي/ 13) هكذا يخاطب برهان صديقه الحميم أكرم.
وهناك التتام والتكامل النصي ، فالمؤلف يحيلنا إلى نصين من جنس السيناريو (الرجل والعكاز) للمؤلف محمد علوان جبر، وسيناريو ثان ( )
التواصل المشوش بين : برهان / هالة
(*)
زمن الرواية ما قبل وما بعد 2003
(*)
أفضّل القول بالسارد المطلق والسارد النسبي، السارد الأول هو ما تعارفنا عليه بالسارد العليم، رأيتُ ثمة تجاور بين العليم والمطلق بالصفة: عليم / مطلق، لكنني صرتُ أميّز بينهما بسعة حرية الشخوص، حين يمنح السارد العليم حيزا من الحرية، للشخوص، ليكونوا وكلاءه في السرد، أما السارد المطلق كما هو الحال في(تبليط البحر) رواية رشيد الضعيف، فأن هذا السارد يصادر حريات وعقول الشخوص، وينوب عن الجميع، إلاّ ذلك الحيز الضئيل الذي تكلمنا فيه أحدى الشخصيات قبل نهاية الرواية، هكذا رواية لولا مهارة الروائي رشيد الضعيف وخبراته الروائية، لقطع القارىء نزهته الروائية.
(*)
القول بالسارد النسبي فالمقصود منه أن حصة هذا السارد غير المشارك بصناعة الأحداث، لا تتجاوز الفصل الروائي أو الفصلين، ثم ينسحب لتظهر سرود الشخوص المشاركين بصناعة أحداث الرواية
(*)
ثريا الرواية بصيغة سؤال مسدد نحو إمرأة (لماذا تكرهين ريمارك؟) لا يخلو السؤال من استغراب، لأن ريماك من أعظم الروائيين في العالم وليس في ألمانيا فقط.شخصيا أشتاق روايته أشياقي لصديق حميم، فهو كتبَ روايته عني أنا مقداد مسعود وعن جيلي الذي تجلبب بالخاكي أكثر من عشرة سنوات تشظت فيها أحلامنا وأجسادنا.جيل عاقبه النظام حين نبذه في خطوط التماس،أو خلف القضبان.وحين طالب بثمن الرصاصات التي نخرت صدورالشباب العراقي
(*)
نلتقط حين نتوغل في فضاء الرواية: مفتاح العنونة: لوحة رسمها برهان وأهداها إلى حبيبته هالة /ص129.. المكروه هنا ليس ريمارك فهو (أفضل من كتب عن الحب وسط الحرب التي شكلت ثيمات رواياته ../70).. المكروهة هي الحرب بجرائمها .
(*)
يستأنف السرد طوافه حول ثريا الرواية في الصفحات الأخيرة لتكتمل الدائرة لدى برهان وهالة عبد المحسن(ها نحن الآن أمام اللوحة: لوحتها،، لماذا تكرهين ريمارك؟،، ذلك الاسم المستفهم، الذي يشكل في الأيام الأولى لتواصلنا معا في المرسم، حينما حدثتني يوما عن،، ريمارك،، بكراهية تتساقط ككرات من ضوء حولها، وهي تواصل حديثها عن كرهها للحرب،فأنبثق اسم اللوحة التي تحيلني إلى صور وكوابيس الأيام التي كنت محاصرا بها،الأساليب البوليسية اليومية التي تواصلت حتى بعد أن تركت العمل في المخازن،.أكرم وضع اللوحة في إطار عملاق أضاف إليها جمالا مهذبا تساهم بتعاظمه كمية الضوء المتساقطة عليه من أعلى وأمام اللوحة بزوايا حسبها أكرم كفنان ديكور محترف،فبدت هالة بمظهر يشبه إلهة وصلت توا من الفردوس../ 174) هنا يتمازج السردان : سرد الرواية وسرد الفرشاة فالفرشاة تسرد الرواية بمشيئة الضوء والظل وتوزيع الألوان، وسردها في حيز جمالي يتخاصب بالتأويل، حيز مطوق بإطار،وهذا الإطار رفضه الفنان التشكيلي اللبناني سعيد.أ. عقل وجعلُ لوحاته بلا إطر كواقعية بلا ضفاف.
(*)
من جانب آخر يعيدني عنوان (لماذا تكرهين ريمارك؟) رواية صغيرة أنيقة (هل تحبين برامز؟) للروائية فرانسوا ساغان.
(*)
الفصل الأول(ص7- 14) هو من أجمل فصول الرواية، بل هو أجمل فصول الرواية، ويمتلك استقلالية سردية ويمنحنا حق القراءة بإجناسية قصة قصيرة متماسكة دفيئة، تجسد شخصية نسوية ننحني لها حين تمر أمامنا، مثال أعلى بمنزلة ظاهرة عراقية : وحيدة وليس وحدها: معها روائح تنتشر في كل زاوية من زواياه، تضع رأسها على الكتل الصماء للجدران المشبعة بهذه الروائح، بيتها بستان حكايات الغائبين/ الحاضرين، ثريا ترى رائحة أمها، رائحة سكائر والدها، تجسده أمام ذاكرتها، هو جالس بمواجهة الغرفتين والباب الذي تساقط طلاءه، كما تساقطت الأيام والأحلام، وشجرة الرمان في الحوش، ثمة زاوية في أحدى الغرفتين تستضيء برائحة أختها الصغرى المتزوجة في محافظة أخرى، آخر كلماتها : ثريا أخاف عليك وأنت وحيدة!! هل خوفها فعل استباقي لرحيلها هي الأخت الصغرى!! لن يسقط سقف بيتك ياثريا العراقيين النشامى لن (يسقط السقف الذي عاشت تحته عائلة نوري عبد العزيز) مازالت روائحهم ضوء البيت وسقفه المتين.
(*)
نقديا نحن هنا أمام سارد نسبي، يجمع بين حكيين :
*حكي الأحداث : فهو يحكي لنا وجيز سيرة عائلة نوري عبد العزيز، من خلال تبئير الزمن النفسي المتدفق من ذاكرة ثريا، وهذا يعني أننا إزاء محكي مبأر داخليا يعتمد على أثنية تضاد بين موقف ثريا الحميمي مع بيت العائلة وكلام الآخرين (أيتها المجنونة، كيف تعيشين في هذا البيت المتآكل ؟ /10) إذن ثريا ثابتة في زمن آفل، بل مقرفصة فيه قرفصة الجنين في الرحِم، هل هذا هو النكوص، أم قسوة الزمن، المدعومة بقوة عنف الحكومة : شقيقها تسلل خارج الوطن، لينقذ نفسه من طامورات السلطة
* حكي الأقوال : نقتطف محاورة بين أم سمير وثريا(مرات عديدة تصاب بالخيبة، حينما تطلب من أم سمير أن تزورها فيه،لتناول الشاي معها، فتعتذر منها بصوت خافت : أخاف ،،خيّة،،!!
تضحك : مم تخافين ؟
قد يسقط السقف على رأسي..
فتطمئنها بسرعة موشكة على البكاء: هل من المعقول أن يسقط السقف الذي عاشت تحته عائلة نوري عبد العزيز؟ يا أم سمير أيتها المعتوهة../11)
(*)
الفصل الثاني : يتم حراكه بالتتام والتكامل السردي بين السارد النسبي والمسرود في دفتر برهان .. يبدأ الفصل بحيلة تقنية رثة لا تمل السينما المصرية من استعمالها لليوم، أعني سرد الجريدة، عن جريمة، أو حفلة زواج مباغت،أو فضيحة، في السطر الأول من الفصل الثاني : (منذ تلك اللحظة التي وقعت عيناه على الصورة في الجريدة، شعر بأن أمراً كبيراً سيحدث، لم يستطع أن يعرف ماهو،لكنه متأكد من حدوثه بشكل من الأشكال! فهذه الصورة التي في الجريدة ! لها ملامح قالت ما كان مخبوءاً في طيات قلبه ../15) نحن هنا لا نقرأ سرد الجريدة، لكن السليم النسبي يخبرنا عن مؤثرية الصورة على الشخص الرائي، الذي لم يذكره اسمه، السارد النسبي.. ثم يخبرنا السارد عن هذا الشخص
(توجسه من غموض العلامات كان يزداد دون أن يعرف له مبرر) ثم يخرنا السارد ، عن سرد ينتج هذا الشخص، (في دفتر يومياته ذي الغلاف الأحمر السميك) وسنعرف أن هذا السرد، هو بالأساس تدوير سرديات القنوات الفضائية
(ملخصات بوبها تحت عنوان،، بغداد بعد الطوفان،، إنجازات استقاها من القنوات الفضائية التي تناولت حوادث مدينته..) ثم يحدث تدوير سردي آخر
فحين يخبرنا السارد النسبي عن (عن منظر حمامة بيضاء وجدها ميتة في الشرفة الصغيرة…/16) ويسهب السارد النسبي على سعة صفحة ونصف الصفحة عن مؤثرية موت الحمامة على برهان، ثم يخبرنا السارد النسبي
(قد دخلت مدونة ً في دفتر يومياته الأحمر..) هنا ينسحب السارد النسبي
وندخل كقراء إلى ما يسرده الدفتر الأحمر لبرهان (حين فتحت باب شرفة شفتي، هذا الصباح،رأيت حمامة ذات بياض،ناصع../ 17) ويستمر سرد الدفتر ولم يتوقف إلاّ في الثلث الثالث من ص18 وبتوقيت عودة السارد النسبي وفي ص19 يعيدنا السارد إلى السطر الأول من القسم الثاني من الرواية وبرهان يتذكر(يتذكر صورتها التي رآها في جريدة المستقبل، ثمة خبر فوقها،، إفتتاح مكتب لوزارة التجارة العراقية في بيروت،، / 19) ويعيدنا السارد النسبي إلى سنوات الهجمة الشرسة في 1979 على الحركة الوطنية العراقية،وإلى ذلك المخزن المنزوي في محطة الشالجية، وإلى صاحبة الصورة زميلته هالة.