22 ديسمبر، 2024 5:15 م

إلى مَن لا يهمهم الأمر!!

إلى مَن لا يهمهم الأمر!!

نقرأ العديد من الرسائل الموجهة إلى مَن يهمهم الأمر من الذين وكأن الأمر لا يهمهم , ولا يُعرف مَن هم الذين يهمهم الأمر فتوجه الرسائل إليهم , وتتحير في الأمر , وتتفحص الحالة , وتتعجب بأن الذين يكتبون هذه الرسائل هم الذين يهمهم ويعنيهم الأمر ويمس حياتهم اليومية بتفاصيلها.
فأهل المدينة يكتبون رسائل عنوانها إلى مَن يهمه الأمر , المدينة تعاني من كذا وكذا وبحاجة إلى قائمة طويلة من الطلبات.
وعندما تتأملها تجدها حاجات تستدعي تظافر جهود أبناء المدينة لإرضائها وإبتكار الحلول الللازمة لها , فهم الذين يهمهم الأمر ولا يهم غيرهم على الإطلاق , فلماذا يتهربون من المواجهة والعمل المتفاعل لتذليل صعاب أيامهم , بدلا من الإتكال على الآخر وهو في هذه الحالة الدولة أو الحكومة أو المسؤول أيا كان نوعه.
فالسلوك يخلو من العمل الجاد المفيد , ويزدحم بالأقوال والتصريحات والتبريرات وإلقاء اللوم على الغير , الذي يهمه الأمر , وكأنه فعل ماضٍ مبني للمجهول , أو إسم نكرة لا تسبقه أداة تعريف , وهو من أخوات مَن الإستفهامية التي لا يمكن العثور على جواب لها.
وهذه ظاهرة سلوكية تتميز بها مجتمعاتنا عن سواها من مجتمعات الدنيا قاطبة , فالمدن في المجتمعات المتقدمة نظيفة ومستوفية للشروط والمواصفات اللازمة للحياة المعاصرة , لأن أبناءها يهمهم أمرها ويبذلون الجهود للحفاظ على جمالها وسهولة العيش فيها , ويقررون في مجالسهم وإجتماعتهم ما ينفع المدينة ويساهم في تطويرها ومعاصرتها وجذب الزائرين إليها , وتنمية إقتصادها وتأهيلها للمستقبل وما يتطلبه من مستجدات وإنشاءات.
وأبناء المدينة هو أحرض الناس على مدينتهم وأشد غيرة من غيرهم في البلاد , فمثلما يغار الإنسان على بيته ويحافظ عليه فأنه يفعل كذلك مع مدينته.
فعلى سبيل المثال مدن الدنيا ترفل بالجمال ومدننا ترزخ تحت أكداس النفايات وتغرق في مياه المجاري والقاذورات , وما نهض أبناء مدننا وأخذتهم الحمية للإنطلاق بمشاريع معاصرة لحل هذه المشكلة , وإنما يقومون بإرسال رسائل إلى مَن يهمه الأمر وحسب , ولا يُعرف مَن هو الذي يهمه الأمر إن لم يهمهم أولا.
وفي هذه الدوامة التعجيزية تعيش معظم مدننا وتصاب بالخراب والتدهور على كافة المستويات العمرانية والبنى التحتية إن وجدت , فهي تأسست بدون بنى تحتية , كأنظمة تصريف المياه والمجاري والتخلص من النفايات , وهذه من بديهيات إنشاء المدن منذ أقدم الأزمان , لكننا أغفلناها , وأسسنا مدننا على التراب وما تحسبنا للعيش ومعطياته , وكيف يجب أن تُدام النظافة والصحة وتكون الحياة.
وما دام كل ما نريده نلقيه على مَن يهمه الأمر , فلن يتحقق أمل , ولن تتقدم المدن , لأن أهلها يلقون بما يهمهم على الذي يسمونه “مَن يهمه الأمر” , وكأنهم يوجهون الطلب إلى أنفسهم ولكنهم لا يشعرون , وتلك مصيبة حضارية ذات تداعيات قاسية.
فهل سيهمنا الأمر لكي نكون؟!!