22 ديسمبر، 2024 7:10 م

إغمض عينيك حتى تراني!!

إغمض عينيك حتى تراني!!

“أراه طريق الصواب: عرّفه به وأطلعه عليه , جعله ينظر إليه”
رأى: أبصر بالعين
ولرأى معانٍ متنوعة ومستفيضة وفقا لما يُراد منها.
ترى هل نبصر بعيوننا ما حولنا , أم ترانا نرى غير ذلك , ونتوهم بأننا نرى؟
لا أريد للقلم أن يتفلسف ويتعمق , لكنها ظاهرة سلوكية تتسبب بمواقف وتفاعلات خطيرة ينجم عنها تطورات وتداعيات مريرة.
فالبشر في معظم ما يعبر عنه لا يتفق مع المشهد الذي حوله , وإنما يتوافق مع ما فيه من تصورات وصور ذهنية وأحكام مسبقة , تضع غشاوة سميكة على عيونه فلا يرى الأشياء كما هي بل كما تبدو له , وقد لا يتفق إثنان على ما يشاهدانه رغم تقارب التوصيف , لكن الذي رأى غير الذي رأى , وما هو الذي رأى , فأين هو الذي رأى؟!!
فعلى سبيل المثال , لا يمكن رؤية الجالس على الكرسي السلطوي كما هو , بل مقرونا بذلك الكرسي بكل ما يضفيه ويمليه من إعتبارات ومواصفات وأوهام وتصورات وغيرها من المميزات , فالشخص نفسه يمكن رؤيته بصور متنوعة وفقا للموضع الذي هو فيه.
فلو جلس عالم حاذق على قارعة الطريق وبدا كمتسولٍ , فأننا نراه كذلك ولا نراه كعالم , وهو نفسه لو وجدناه في قاعة محاضرات يلقى على الطلبة علمه , لتلقيناه بحالة أخرى.
وهذه المشكلة تجعل الناس ينخدعون ويتوهمون ويفعلون ما لا يتفق ومصالحهم , خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمسؤولين والحكام والمتسلطين على الناس , فأن الدماغ البشري يستقبلهم على هيئات وكينونات خارجة عنهم , وبسبب ذلك يتحقق سلوك التقديس والتأليه والتعظيم , وعدم القدرة على إحتسابهم من البشر بل البعض يراهم فوق البشر , وذلك واضح في الحضارات القديمة التي كان الملوك فيها آلهة ولهم معابد , وصاروا بعد ذلك أنصاف آلهة ومن ثم يحكمون بإسم الآلهة , ولا تزال الحالة كما هي حتى يومنا هذا وإن إقتربنا منها بشيئ من التردد والخجل , لكن الواضح أن الكثير من البشر الذي يتظاهر بمظاهر الدين ويحوز على مواقع ومسؤولية يراه الناس في كينونة أخرى غير بشرية , أو فوق بشرية.
ولذلك فأن الطغاة يزدادون طغيانا , والدجالون يمعنون بدجلهم , وقس على ذلك ما يقوم به البشر من سلوكيات , خارجة عن منفعة البشر.
وتلك مصيبة سلوكية وعاهة نفسية فائقة التعقيد وعصية على الشفاء , وربما تكون من ضرورات التواصل مع الحياة!!