22 ديسمبر، 2024 7:49 م

إصلاحات العبادي إلى أين ..؟

إصلاحات العبادي إلى أين ..؟

ما زالت حركة الإصلاحات في العراق تثير الحيرة والتساؤول عند المواطن البسيط وعند أكبر المحللين للسياسات الدولية ، لأن المشهد العراقي أصبح في غاية التعقيد وليس من السهل الوصول الى الإحتمالات والتكهنات المنطقية ، لأن ما يجري في العراق هو خارج المعقول وبعيدا عن الحسابات العلمية .

لقد وجد العبادي نفسه على قمة موجة عارمة من المطالب الشعبية بالإصلاح وإتخذت بعدا كبيرا عندما ساندتها المرجعية ، وكلنا نعلم بأن الرجل لا يملك عصا سحرية لإيجاد حلول للفساد الضارب في عمق الدولة العراقية ، ومشكلات أصبحت لها بنية تحتية وقوى مؤثرة هم في الأساس شركاء لرئيس الوزراء وحلفاء في العملية السيـــــــاسية ، وهم أيضا المؤثرين في مجلس النواب وفي الحــــــكومة وفي الـــــشارع أيضا ، ولهذا فأن الســــؤال المحير من أين سيبدأ العبادي بالإصلاحات .

إن الإصلاح يحتاج لمستلزمات كثيرة في مقدمتها ستراتيجية يضعها خبراء في المجالات كافة _ الإقتصادية والأمنية والثقافية والإجتماعية _ فمن أين سيأتي رئيس الوزراء بهؤلاء الخبراء الذين يمتلكون الخبرة والجرأة في تشخيص الخلل رغم مخاطر ذلك ، لأن المطلوب من العبادي أن يجتث قيادات كبيرة في الكتل السياسية والحكومة والبرلمان ومسؤولين كبار أغلبهم متهم بالفساد وإستغلال النفوذ ، والمطلوب كما أرادت المرجعية أن يضربهم بيد من حديد ، فهل يستطيع الرجل أن يفعل ذلك وهو لحد الآن ما زال يقاتل لتقليص الحمايات والمخصصات ولا يستطيع أن يقترب من الحيتان الكبيرة التي أكلت الأخضر واليابس لعل الجماهير التي تزداد مطاليبها تريد المزيد وتطالب أيضا بالرفاهية ، ولا يجد العبادي إلا خزينة خاوية سرقها الفاسدون بطرق بهلوانية إمتدت من المشاريع الوهمية الى الصفقات الشبحية ومزاد العملة والهبات العائلية والقبلية وبطرق احتيالية ورواتب ومخصصات خيالية ما أنزل بها الله من سلطان ، فكيف يستطيع الرجل من حل أزمة وأفواه الأجهزة الأمنية مفتوحة تطالب بالمليارات لمحاربة بقايا داعش .

وكنا نأمل أن يبدأ العبادي بخطواته الإصلاحية الأولى بأن يرسل للبرلمان مسودة قانون للإ صلاح الإداري يوصف فيه المناصب وامتيازاتها بشكل دقيق وعادل ويعيد هيكلية الدولة ويلغي الترهل بما في ذلك ما نسميه بالهيئات المستقلة ذات المهمات العابرة ، ولكن للأسف طلب من البرلمان التصويت على أجراء اصلاحات غير معرفة ، وتم التصويت على إجراءات لم تؤطر بقانون يمسكه العبادي مثل السيف يضرب به الفساد والمفسدين .

فما الذي يجبر الحكومة على صرف مليارات لمفضوية الإنتخابات ، وكلنا نعلم أن الإنتخابات تجري مرة واحدة كل أربع سنوات ، وكان من المفروض أن تكلف لجنة تنهي أعمالها خلال ثلاثة أشهر وأغلبهم موظفون منتسبون لدوائر أخرى .

وماذا جنت الدولة العراقية من عشرات المكاتب الخاصة بالمفتشين العامين الذين يحملون ميزانية الدولة عشرات المليارات ، وهــــــناك جهاز متخصص بهذه الأعمال وذو خبرة واسعة وهو ديوان الرقابة المالية .

وهل نحن بحاجة الى هيئة اعلام واتصالات في بلد ديمقراطي لا يحتاج الى الرقابة ، ويمكن أن تؤدي هذه المهمة وزارة الإتصالات .

وهل نحن بحاجة لشبكة إعلام عراقي يقدر عدد منتسبيها خمسة الاف موظف وميزانية تصل الى 170 مليار .

وهل نحن بحاجة لتأسيس مؤسسة ينفق عليها المليارات بأسم السجناء السياسيين ، وكان بالإمكان أن تقوم بهذه المهمة لجنة تنهي اعمالها خلال شهور قليلة بعد أن تمنح المستحقين دفعة واحدة حقوقهم المشروعة .

ويقال ذات الشيء بهيئة نزاع الملكية وهيئات أخرى وجيوش من المستشارين الذين لا يستشارون وما خفي كان أعظم .

وننبه السيد العبادي أن يدقق بالسلف الممنوحة للمصرف التجاري والصناعي والزراعي بأنها لم تحقق أغراضها وعليه أن يطالب الجهات ومن الطرفين أن يقدموا الدليل على إقامة هذه المشاريع الوهمية ، فلو نجحت إقامة هذه المشاريع لوجدنا قطـــــاعا خاصا مزدهر ويستوعب مئـــــات الالاف من العاطـــلين عن العـــــمل ، ولكنها قروض توزع على الحبايب والمقربين ولا وجود لها على أرض الواقع .

ولهذا فان العبادي يحتاج اليوم لإستقطاب الخبرات الحقيقية ، وهو بحاجة ماسة أيضا لمنظومة إعلامية وثقافية توضح للناس والمتظاهرين خاصة الممكن من الإصلاحات والحاجة لأن تكون هذه الحزم متدرجة ومتصاعدة وبحاجة لجهود وخطط ، فضلا ضرورة العقلانية بالمطالب ، بعيدا عن شعارات إسقاط العملية السياسية أو التشويش على العمل العسكري والأمني الجهادي ضد بقايا داعش ، مع أهمية مراعاة الابتعاد عن عمليات التشهير والإسقاط السياسي .

[email protected]