في تسعينيات القرن العشرين كان لي زميل صديق مهووس بالآثار العراقية ومتعمق بدراسة حضارات وادي الرافدين , وكلما إلتقينا أمضى حديثه عن الآثار , وكان يردد دائما , الأجانب هم الذين إكتشفوا آثارنا وعرّفوا الدنيا بها , وياليتهم يأخذونها ويضعونها في متاحفهم , لأننا لا نعرف قيمة آثارنا.
وكنت لا أتفق معه على ذلك وأحسبه حق وطني وعليهم أن يعيدوا آثارنا إلى متاحفنا , وكانت هذه نقطة الخلاف بيني وبينه طول الوقت , وحينما حصلت نكبة المتحف العراقي في ألفين وثلاثة , هاتفته معتذرا وقلت له كنتَ مصيبا وأكثر دراية ووعيا مني!!
وكلما شاهدت نكبة تحل بمتاحفنا وآثارنا , أتذكر زميلي المهووس بالآثار , والذي أظنه قد بكى على المتحف العراقي وغيره من المتاحف التي أحيلت إلى دمار.
وعندما أقرأ مقالات تتهم الدول الأجنبية المتقدمة بسرقة آثارنا , أعرف أن كتابها جهلة مثلي عندما كنت أغضب من زميلي , والذي إعتذرت منه مرارا على أميتي التي كانت تعصف في دماغي المبرمج عاطفيا!!
فنحن مجتمعات تتمتع بأمية مكانية مروعة , ولا نعرف ثقافة المكان , ولا نفهم بقيمة الآثار ومعنى أن الحضارات بدأت من ديارنا , وأن في تراب أراضينا الثمين المكنون من معالم المسيرة البشرية منذ عصور ما قبل فجر التأريخ.
نعم نحن لا نفهم ولا نعلم , وقد أعمانا النفط وبلّد رؤوسنا , وأترعنا بما هو سيئ ومبيد.
ولايزال بعض الكتاب يتصورون بأننا أهل لما عندنا من التأريخ والكنوز الحضارية , ونحن ندمر الآثار والديار , ولا نفقه في البناء ومعنى الجمال والحياة!!
علينا أن نواجه أنفسنا ونقر بما نعانيه من عاهات سلوكية وتصورات وأوهام , وما نصدح به من هذيانات ونحسب أننا نستطيع , وما قمنا به هو الخراب المتسبب بألف خراب وخراب.
فليسرق الأجانب آثارنا ويضعونها في متاحفهم , ولتتعرف الدنيا عليها , فنحن أعداء ترابنا وتراثنا , ومن أشد المعادين لذاتنا وموضوعنا , وفي ديننا حدث ولا حرج!!
ومتاحفنا لا قيمة لما فيها ولا معنى , ويمكن لأي أحمق أن يحيلها إلى ركام , لعدم إمتلاكنا الأهلية النفسية والفكرية والعقلية والمادية لحماية ما يمت بصلة إلينا , فدعوهم يأخذون آثارنا ويحمونَها من شرورنا!!