1-من هم إخوان الصفاء؟!
إخوان الصفا وخلان الوفا هم مجموعة سرَّية من الفلاسفة المسلمين العرب من القرن الرابع الهجري،الذين حاولوا أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة في تلك الأيام. ويقال إن جماعة إخوان الصفا انبثقت من الفكر الإسماعيلي، وتحديدًا في البصرة لكن الأرجح هو أن الإسماعيليين قد تبنو فكر هذه المجموعة.
كل ما وصل إلينا عن جماعة إخوان الصفاء من خلال رسائلهم، أنهم أشخاص عديدون، من مختلف الفئات والطبقات، دون تحديد أسماء لهم، فيقولون في الرسالة الثامنة والأربعين “إن لنا إخوانا وأصدقاء من كل كرام الناس، وفضلائهم، متفرقين في البلاد، فمنهم طائفة من أولاد الملوك والأمراء والوزراء والعمال والكتاب، ومنهم طائفة من أولاد الأشراف والدهاقين والتجار، ومنهم طائفة من أولاد العلماء، والأدباء والفقهاء وحملة الدين، ومنهم طائفة من أولاد الصناع والمتصرفين وأمناء الناس” (رسائل إخوان الصفاء 4/165).
2-كما لا يحددون عدد أعضاء جماعتهم، وإذا كانت هناك خلافات كثيرة حول ماهية إخوان الصفاء وعددهم وقيادتهم من خلال رسائلهم، فلا نملك وثائق تؤكد على وجودهم وهويتهم إلا رسائلهم وما قاله عنهم أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة، أن عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان وزير صمصام الدولة البويهي، وكان مهتما بالفلسفة ومجالس الفلاسفة وتولى الوزارة عام (372هـ)، وقد أقام بالبصرة زمانًا طويلا، وصادف بها جماعة جامعة لأصناف العلم وأنواع الصناعة، منهم أبو سليمان محمد بن معشر البستي، ويعرف بالمقدسي، و أبو الحسن علي بن هارون الزنجاني، وأبو أحمد المهرجاني، والعوقي وغيرهم، فصحبهم وخدمهم.
3- وأبو حيان التوحيدي سواء أكان منتميًا إلى هذه الجماعة أم لم يكن، فإن لكلامه قيمته التاريخية والموضوعية، ذلك أنه كان متصلًا بالجماعات الفلسفية والحركات السرية، يدل على ذلك كتبه، وبالأخص “المقابسات” و “الإمتاع والمؤانسة” وقلقه وسخطه على الأوضاع السائدة في عصره وقد كتب لزيد بن رفاعة، أي كناسخ ينسخ له كتبه ورسائله، وصلته به كانت حميمة، كما يدل على ذلك كلام الوزير.
وعندما نتصفح ونبحث عن تاريخ هؤلاء الخمسة من كبار إخوان الصفاء وأشهرهم، نجد هنا وهناك نتفًا عن حياتهم ونشاطهم العلمي، ولا شك أن ذلك يساعدنا على تكوين فكرة عنهم:
أولا- زيد بن رفاعة:
لقد أبدى التوحيدي شديد إعجابه به، ووصفه بمديح الصفات، قلما تتوفر في شخص واحد، ولكن رجال الأحاديث كانت لهم آراء مختلفة حول الرجل وما يهمنا في هذا المقام أن زيد بن رفاعة كانت له كتب منها:
كتاب “جوامع إصلاح المنطق لابن السكيت”، كتاب “الأمثال” الذي طبع في حيدر آباد
ثانيا- أبو سليمان محمد بن معشر البستي، ويعرف بالمقدسي.
هكذا ذكره التوحيدي، وكذلك الشهرزوري والبيهقي وقد وضعه الشهرستاني بين فلاسفة الإسلام من طبقة الكندي والفارابي
ثالثا- أبو الحسن علي بن هارون الزنجاني:
هناك بعض الاختلاف في اسم والده، ونسبته، ففي بعض النسخ من الإمتاع والمؤانسة جاء “الريحاني” بدل الزنجاني.
رابعا- أبو أحمد المهرجاني
خامسا- العوقي.
مكان إخوان الصفاء:
لا نجد في رسائل إخوان الصفاء ما يدل صريحًا على تحديد مقر هذه الجماعة ومكان تأسيس جمعيتهم، فكل ما لدينا هو كلام أبي حيان التوحيدي، وإذ كنا مطمئنين إليه في معرفة مؤلفي الرسائل وزمانهم، فسنطمئن إلى قوله: إنها نشأت في البصرة، فقد جاء في كلامه عن زيد بن رفاعة أنه “أقام بالبصرة زمانًا طويلًا، وصادف هذه الجماعة” وهذا ليس بغريب على البصرة، فهي بحكم موقعها الجغرافي، كانت ملتقى رجال الشرق من العرب والفرس والهنود والزرادشتين والنصارى واليهود والدهريين والصابئة، فمنذ تأسيسها أيام عمر بن الخطاب باتت أكبر ملتقى لمختلف الفروع الثقافية، ليس هذا فقط بل كانت أيضًا متحررة نوعا ما من قيود السلطة وعيونها، نظرًا لبعدها عن مركز الخلافة، ورقابتها الشديدة المباشرة.
مراتب إخوان الصفاء:
من خلال دراسة تنظيم هذه الجماعة في رسائلهم نجد أن للعمر دوره في التسلسل الهرمي داخل تنظيمهم، حيث إن عمر الإنسان عبارة عن مراحل، ولكل مرحلة متطلباتها وقابلياتها لذلك فقد حددوا لكل مرحلة ما يتفق وطبيعتها، وعلى الأخ أن يبدأ بالمرحلة الأولى، فإذا نجح فيرتقي إلى الثانية، وهكذا إلى الأخيرة، ومراتب جمعيتهم أربعة:
المرتبة الأولى: وهي خاصة بالأعضاء المبتدئين الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والثلاثين ويسمونهم “الإخوان الأبرار الرحماء” و “هي مرتبة ذوي الصنايع” وهي تمثل قاعدة التنظيم.
المرتبة الثانية: وهي خاصة بالأعضاء الذين أكملوا الثلاثين إلى الأربعين، ويسمونهم “الإخوان الأخيار الفضلاء” وهي مرتبة الرؤساء ذوي السياسات، ويتلقون في هذه المرحلة الفلسفة.
المرتبة الثالثة: خاصة بالأعضاء الذين أتموا الأربعين إلى الخمسين ويسمونهم “الإخوان الفضلاء الكرام” وهؤلاء هم “أصحاب الرأي والنهي” يحلون المشاكل والخلافات التي تظهر بين الإخوان باللطف وحسن التصرف والإدارة.
المرتبة الرابعة: خاصة بالأعضاء الذين أكملوا الخمسين من العمر، وهم الذين “يشاهدون الحق عيانا” وهي مرتبة الحكماء، وكل الإخوان مدعوون إلى هذه المرتبة، وهي أعلى المراتب في نظرهم، ومن يصل اليها يكون من “الواصلين” حسب التعبير الصوفي.
الدعوة:
كان إخوان الصفاء حريصين على نشر دعوتهم بين الشباب دون الشيوخ لقناعتهم أن نفوس الشباب مثل ورق أبيض نقي لم يكتب عليه شيء، فتستقر الدعوة في نفوسهم وتتمكن “.. فينبغي لك أيها الأخ ألا تشغل بإصلاح المشايخ الهرمة الذين اعتقدوا من الصبا آراء فاسدة، وعادات رديئة، وأخلاقا وحشية، فإنهم يتبعونك ثم لا ينصلحون، وإن صلحوا قليلا فلا يفلحون، ولكن عليك بالشباب السالمي الصدور، الراغبين في الآداب، المبتدئين بالنظر في العلوم” إذ يكون بذلك خلق جيلًا جديدًا لا يعرف الهوى والجدل، غير متعصب على المذهب، ويستدل الإخوان لوجهة نظرهم هذه، بأن الله تعالى “ما بعث نبيًا إلا وهو شاب، ولا أعطى لعبد حكمة إلا وهو شاب، كما ذكرهم ومدحهم فقال عز وجل “إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى”.
وعلى الأخ المسئول عن التنظيم أن يتفرس في الشخص ويتبع أخباره، ويراقبه بدقة، فإذا توسم فيه الاستعداد للانضمام، والاستفادة منه كعضو أو كمؤيد عليه أن يكتب تقريرًا حول ذلك ويرفعه إلى الجهة التي يتبعها تنظيميًا، لتقرر وتبت في الأمر “فإذا عرفت منهم أحدا، وآنست منه رشدا، عرفنا حاله وما هو بسبيله من أمر دنياه وطلب معاشه، وتصرفه في حالاته، لكي نعرف ذلك ونعاونه على ما يليق به من المعاونة “وهذه المعاونة تكون من وراء الشخص، ودون أن يعرف مصدرها في أول الأمر”.
وبعد ذلك يأتي دور الاتصال المباشر ومفاتحة الشخص، فإن لكل طائفة أو طبقة “داعية” أو “منظم” أعد إعدادًا خاصًا لهذا الأمر، فإن كان الشخص المراد ضمه إلى الجماعة من الولاة وكبار موظفي الدولة، فعلى الداعي أن يفاتحه في الأمر بعد أن يتفرغ ذلك الشخص من أعماله اليومية، وأن يكون في حالة نفسية مرضية، وأن تكون المفاتحة في خلوة. واذا استجاب الرجل لدعوة الإخوان، ووافق على الدخول في صفوف هذه الجماعة، وتعهد بالمطلوب، يحضر المجلس ويقرأ خطبة الجماعة، ويخاطب إخوان الصفاء كل طائفة بما تقبله قلوبهم، وتحتمله عقولهم، وتتسع له نفوسهم فإذا كان المدعو ملكًا أو سلطانًا فلابد أن يأخذوه من حيث يسهل أخذه، فالملك والسلطان يحب أن تتسع رقعة مملكته، ويضم إليها بلاد أخرى.
يستخدم الإخوان الأسلوب الاقناعي في أول الأمر، ثم يستخدمون القوة في بث الدعوة في المراحل الأخيرة، وأن هذه الطريقة أقرها الأنبياء، فكانوا في بدء دعوتهم يذكرون الناس ما قد نسوه من أمر الأخرة والمعاد، وتنبيههم من نوم الجهالة.
نظام الخلايا.
يبدو أن إخوان الصفاء كانوا يأخذون بنظام الخلايا المعروف لدى الأحزاب المعاصرة، حيث تلتقي أعضاء كل خلية بصورة دورية بإشراف مسئول الخلية ويتداولون الأوضاع العامة، ويدرسون التوجيهات الصادرة، والرسائل والتوضيحات الواردة اليهم من الجهة الأعلى رتبة من الخلية.
والاجتماع الدوري هو دليل الالتزام التنظيمي، فالإخوان اينما كانوا لابد أن يقوموا بهذا الواجب “ينبغي لإخواننا أيدهم الله حيث كانوا في البلاد أن يكون لهم مجلس يجتمعون فيه في أوقات معلومة، لا يداخلهم فيه غيرهم، يتذاكرون فيه علومهم، ويتحاورون فيه أسرارهم” فواجبات كل خلية:
1- أن تجتمع كل اثني عشر يومًا مرة.
2- أن يكون الاجتماع في مكان يأمنون فيه على أنفسهم، بعيدا عن أعين الرقابة.
3- أن يتطهروا ويتنظفوا، ويكونوا في كامل أناقتهم للاجتماع.
4- الحضور ضروري، ولا يتغيب العضو إلا لعذر قهري.
رسائل إخوان الصفا.
اهتمامات هذه الجماعة كانت متنوعة وامتدت من العلم والرياضيات إلى الفلك والسياسة. فقاموا بكتابة فلسفتهم عن طريق 52 رسالة مشهورة ذاع صيتها. أما الهدف المعلن من هذه الحركة فكان “التظافر للسعي إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التي تطهر النفس”. فما هي هذه الرسائل؟
تقسم رسائل إخوان الصفا، التي تعبر عن فلسفتهم، إلى أربعة أقسام هي:
1-الرسائل التعليمية الرياضية وتتضمن 14 رسالة في العدد والهندسة وعلم النجوم والجغرافيا والموسيقى والنسبية والأخلاق… الخ.
2-تليها، وتابعة لنفس التصنيف التعليمي، 17 رسالة في الصورة والحركة والسماء والعالم والكون والفساد والآثار العلوية والمعادن والطبيعة والنبات والحيوان والجسد ومختلف المعارف. ثم…
3-الرسائل النفسانية والعقلية وتشتمل على 10 رسائل في مبادىء الموجودات العقلية والفلسفة والعقل والأدوار والعشق… الخ. وأخيرًا
4-الرسائل الناموسية الإلهية والشرعية الدينية، وتتضمن 11 رسالة في هذه الأمور وما يعتقدون.
فلسفتهم:
تأثر إخوان الصفا بالفلسفة اليونانية والفارسية والهندية، وكانوا يأخذون من كل مذهب بطرف، ولكنهم لم يتأثروا على الإطلاق بفكر الكندي. واشتركوا مع فكر الفارابي والإسماعيليين في نقطة الأصل السماوي للأنفس وعودتها إلى الله. وكانت فكرتهم عن منشأ الكون أنه يبدأ من الله ثم إلى العقل، ثم إلى النفس، ثم إلى المادة الأولى، ثم الأجسام والأفلاك و العناصر والمعادن والنبات والحيوان. فكانت نفس الإنسان، من وجهة نظرهم، جزءًا من النفس الكلية التي بدورها سترجع إلى الله ثانية يوم المعاد. والموت عند إخوان الصفاء يسمى “البعث الأصغر”، بينما تسمى عودة النفس الكلية إلى الله “البعث الأكبر”. وكان إخوان الصفا على قناعة بأن الهدف المشترك بين الأديان والفلسفات المختلفة هو أن تتشبه النفس بالله بقدر ما يستطيعه الإنسان.
كانت كتابات إخوان الصفا، ولا تزال، مصدر خلاف بين علماء الاسلام، وشمل الجدل التساؤل حول الإنتماء المذهبي للجماعة، فالبعض اعتبرهم من أتباع المدرسة المعتزلية والبعض الآخر اعتبرهم من نتاج المدرسة الباطنية وذهب البعض الآخر إلى حد وصفهم بالإلحاد والزندقة، ولكن إخوان الصفا أنفسهم قسموا العضوية في حركتهم إلى 4 مراتب:
1.مَن يملكون صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول وسرعة التصور. ولا يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عامًا؛ ويُسمَّوْن بالأبرار والرحماء، وينتمون إلى طبقة أرباب الصنائع.
2.مَن يملكون الشفقة والرحمة على الأخوان. وأعضاؤها من عمر ثلاثين فما فوق؛ ويُسمَّوْن بالأخيار الفضلاء، وطبقتهم ذوو السياسات.
3.مَن يملكون القدرة على دفع العناد والخلاف بالرفق واللطف المؤدِّي إلى إصلاحه. ويمثل هؤلاء القوة الناموسية الواردة بعد بلوغ الإنسان الأربعين من العمر، ويُسمَّوْن بالفضلاء الكرام، وهم الملوك والسلاطين.
4.المرتبة الأعلى هي التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عيانًا. وهي قوة الملكية الواردة بعد بلوغ الخمسين من العمر، وهي الممهِّدة للصعود إلى ملكوت السماء؛ وإليها ينتمي الأنبياء.
أهدافهم
كانت غاية إخوان الصفا التقريب بين الدين والفلسفة في عصر ساد فيه الاعتقاد أن الدين والفلسفة لايتفقان. وقد قيل (من تمنطق فقد تزندق). لهذا فهم يعرِّفون الفيلسوف على أنه الحكيم، وأن الفلسفة هي التشبُّه بالإله على قدر الطاقة البشرية، وبالاستشهاد بأقوال الفلاسفة، كسقراط وأرسطوطاليس وأفلاطون وفيثاغوراس وغيرهم، والتي تصبُّ في نهر الحكمة الواحد الدافق، بما يتوافق مع أقوال الأنبياء كافة، التي استهانت بأمر الجسد ودَعَتْ إلى خلاص النفس من أسْر الطبيعة وبحر الهيولى بالعلوم وأولها علم الإنسان بنفسه، ثم علمه بحقائق الأشياء. وقد أكدوا أن علومهم التي طرحوها في الرسائل هي مفاتيح للمعرفة، لا ينبغي التوقف عندها، بل الترقِّي في سلََّم الصعود إلى الحالة الأخيرة الملكية. وهذا ما يقولون:
(هل لك، يا أخي، أن تصنع ما عمل فيه القوم كي يُنفَخ فيك الروح، فيذهب عنك اللوم، حتى لا ترى إلا يسوع عن ميمنة عرش الربِّ قد قرَّب مثواه كما يُقرِّب ابن الأب، أو ترى مَن حوله من الناظرين. أو هل لك أن تخرج من ظلمة أهرمن حتى ترى اليزدان قد أشرق منه النور في فسحة أفريحون. أو هل لك أن تدخل إلى هيكل عاديمون حتى ترى الأفلاك يحيكها أفلاطون وإنما هي أفلاك روحانية، لا ما يشير إليه المنجِّمون.)