17 نوفمبر، 2024 9:57 م
Search
Close this search box.

إحتلال و إختلال!!

هل العراق كان بلدا مُحتلا أم مُختلا؟

لا تستغربون من السؤال , فقد جاءت القِوى إلى العراق وأستصدرت قرارا من الأمم المتحدة بإعتباره بلدا مُحتلا, لكي تقوم بواجباتها وتكون أمام مسؤولياتها , لكن أحدهم فوّض لنفسه الكلام بإسم العراقيين , وحسب تصريحه في برنامج أحد القنوات التلفزيونية , قد عمل ما بوسعه لإلغاء ذلك القرار وتم له ذلك , وحسبه إنجازا وطنيا كبيرا , وفي حقيقته كان جريمة بحق الوطن , أدت إلى تداعيات السنوات العجاف القاسيات الماضيات الدائمات.

كيف يكون ذلك؟!

العراق ليس بلدا مُحتلا قانونيا حسب ما موجود على الورق , لكن ذلك لم يمنع الإحتلال الفعلي والعملي وإنما أدامه وأيّده , وجرّد القِوى المُحتلة من أية مسؤولية تجاه الشعب العراقي حسب قرارات الأمم المتحدة.

فالعراق ليس بلدا مُحتلا بعد أن تم إزالة كلمة بلد مُحتل من ملفات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن , وأصبح منذ ذلك الوقت يتعامل مع القوات الموجودة على أرضه , وفقا لطلبه ورضاه وسيادته العصماء.

هل تعلمون ذلك؟!

وهل تساءلتم خلال السنوات الداميات عن حقيقة ما يجري؟!

إن الذي فعل ما فعل بالعراق ربما شخص واحد , أوهم المحافل الدولية بأنه يمثل العراق , فإستصدر قرارا بتحرير مَن دمر العراق من تبعات أية مسؤولية قانونية وإنسانية.

نعم إن الذي حصل هو كذلك , وكل قوة في العراق هي قوة موجودة بموافقة الحكومة وحسب.

فالمسؤولية أصبحت ملقاة على عاتق جهات وفئات أخرى , والحكومة بريئة تماما من كل الذي حصل وسيحصل.

إن ما جرى هو إختلال في المسؤولية وتجريد منها , فما أن تشكل مجلس الحكم الإنتقالي حتى تحرك بعض أعضائه , ووفقا لرؤاهم الشخصية وتقديراتهم الكرسوية للحديث بإسم أبناء العراق وتقرير مصيرهم العنيف.

فمن الناحية القانونية العراق لم يكن بلدا مُحتلا!!

ولا تناقشون في الواقع اليومي والعملي وما جرى , فالمهم ما هو على الورق.

ومن حق العراقيين أن يستحضروا الوثائق والمستندات من الأمم المتحدة وينظرون مَن الذي وقع عليها , وسعى لإقرار عدم الإحتلال على الورق وتأكيده فوق الأرض , لأن في ذلك مسؤولية تأريخية , ومطالبة تستدعي المواجهة والتحقيق.

فالذي وقّع على الورق في حينها أسقط حقوق العراقيين كاملةً ونسف وجودهم , وأخرجهم من دائرة الإنسانية ومواثيق الأمم المتحدة , التي تقضي بمسؤولية القوة المُحتلة لأي بلد بحماية أبنائه , والحفاظ على حقوقهم الإنسانية والقانونية , وعدم الإضرار بهم وبممتلكاتهم وأرواحهم وغير ذلك من الحقوق .

نعم لقد أخرج , الذي وقّع على الأوراق التي تبريئ أية قوة في العراق من أية مسؤولية , جميع العراقيين من دائرة الإنسانية ومواثيقها , ورمى بهم في متاهات شرائع الغاب والدمار والخراب.

هذه المعادلة القاسية لم تكن حاضرة في أذهان العراقيين , ولا زالت غائبة وبعيدة عن الفهم والإدراك , لأن الناس مسحوقة بالحاجات والويلات والمعاناة اليومية الضارية.

مَن المسؤول عن التداعيات التي يمر بها العراق؟

القِوى التي تواجدت في العراق تحمل صكوك البراءة , التي وقّع عليها مَن فوّض لنفسه تمثيل العراق , وإقناع الآخرين بإسقاط كلمة “بلد مُحتل” من مواثيق الأمم المتحدة وقراراتها.

ومَن في الحكم يلقون باللوم على الآخرين من الفئات والتكتلات المتطرفة.

والعراقيون بين التي واللتيا , في قهرٍ شديد وعناءٍ متراكم.

فالعراق لم يكن بلدا مُحتلا ولكنه بلد مُختل!!

والإختلال من “الخَلَل: الفساد والوَهْن في الأَمر .

وأَمر مُخْتَلٌّ: واهن.

وأَخَلَّ بالشيء: أَجْحَف.

وأَخَلَّ به: لم يَفِ له.

والخَلَلُ: الانْتِشارُ، والتَّفَرُّقُ في الرأيِ.

وأمْرٌ مُخْتَلٌّ: واهٍ.

وأخلّ بالرجُلِ: لم يَفِ له.

والخَلَّةُ: الحاجَةُ، والفَقْرُ، والخَصاصَةُ، وفي المَثَلِ:”الخَلَّهْ تَدْعو إلى السَّلَّهْ”، أي: إلى السَّرِقَةِ”.

وسيمضي مختلا في كل ما يجري على أرضه , فالنفط سلطان وكل كرسي يحكم بأمره ولا يحتاج إلى برهان.

والإختلال من أنجع سياسات نهب الثروات وتحقيق الإنتصارات , و”سعيد مَن إكتفى بغيره” , وتلك مختصر حكاية الويلات.

وأعانكم الله على الآتيات!!

فهل أدركتم بعد أكثر من عشرة سنوات على كتابة هذا المقال , أن الإحتلال الرسمي القانوني أرحم وأفضل من أي تحرير , أو مُسمى آخر يمكن إطلاقه وفقا لهوى النفوس الممعنة بالغفلة والتيهان؟!!

ويا ليت العراق بقي مُحتلا قانونيا من قبل القِوى الأمريكية والبريطانية والإسبانية والبولونية والقوى الأخرى , التي دخلته وألغت الدولة في التاسع من نيسان عام ألفين وثلاثة!!!

فالإحتلال القانوني أرحم ألف مرة ومرة من هذا الإختلال الفتاك!!!

*(يمكن الرجوع إلى قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن , فكل شيئ موثق ومحفوظ , بعيدا عن التصورات والأوهام والتهيؤات , فالوثائق حقائق دامغة وبراهين قاطعة).

أحدث المقالات