في الأمس القريب ,وضعتنا رحى الإقدام في راحلة شارع المتنبي , على أمل التواصل والبحث عن ضالة ثقافية نضع فيها إرهاصات الحياة و فوضويات الأقدار في عراق السائس فوق السياسة والتسييس, هكذا بدأنا المشوار أنا وزميلي علي عبد الزهرة , حيث التشظي فوق سطوح “الدكاكيكن والبسطيات” , بغية العثور على عنوان يروي ظمأ المعرفة, وبين زحام الأقدام وتدافع زبائن المتنبي , وجد زميلي حاجته في غلاف كتيب لقصة قصيرة,تحمل عنوان “خلف السدة” والتي تتناول نزوح اهل الجنوب في أربعينيات القرن المنصرم , نحو العاصمة بغداد, بعد إن وضعت صرائفهم في “الميزرا والشاكرية”, غير إن الرحلة ما تزال في عنفوان شبابها , وبين التقلب فوق أبواب الكتب والمحلات, وجدنا قارب البحث يرسوا في شواطئ مقهى الشابندر, بعد ان تسابقت رائحة التاريخ والشاي معا في جرنا نحو أحضان باحته البغدادية المكتظة بعبق الماضي ووداعة التراث, لنغادر الحاضر ونرتشف كأس السنين بما حملت من موروث سياسي وثقافي واجتماعي بعد أن تأرشفت بصورة معلقة فوق جدران الشابندر , حيث التأريخ المتناثر بين أطلال أروقتها, جلسة قرأت فيها مائة عام غابرة بوقت لم يتجاوز بضع دقائق, لنغادر بعدها دولة المقهى , ونحن نكفكف الآهات بالآهات , ونتناوب في غصة الذكريات, في سؤال ارهق وجد واقعنا ,بغداد أين كانت والأن من تكون, وتستمر القافلة بالمسير , ومابين العيون المتحركة والأصوات المتصاعدة وعلى نغمات صوت المشجع العراقي “مهدي” , “تبرعوا بالدم تبرعوا بالدم لإخوانكم , هنالك من ينتظر منكم قطرة دم, لكي يعود الى الحياة”, ملوحا بيده الى الأمام, ادركت بعدها ان للدم نصيب في خارطة ساعة القشلى”, فذهبنا باتجاه ما نطقت به بوصلة “مهدي”, فالتحضيرات على قدم وساق, بعد إن كنا نشق الصفوف المتجمهرة امام بوابة القشلى بشق الارادة والفضول, وهنا كان الكرنفال, خيام متناثرة هنا وهناك , منها من حمل التبرع بالدم والاخرة من كتب في ديباجة خيمتها , مساعدة الفقراء المتضررين من فيضانات الأمطار, و ثالثة يحمل صاحبها “مايكرفون ” ينادي تكاتفوا من اجل نظافة بغداد, والمراسيم متنوعة , عود يأن بيد عراب اوتاره, و”كيتار ” يصدح أملا بأصابع القائم بأعماله, وحلوى توزع على أفواه الباحثين عن حضارة , ومع الجري والحراك مع عقارب المكان, افضت خطانا عن التوقف امام معرض صوري , تمظهر على شكل سبورات مصطفة وفق شكل تراتيبي متسق, محمل بصور لنساء عراقيات , أسهمن في صناعة التاريخ العراقي المعاصر, ما أن اتفقد ببصري مرايا تلك الصور , فإذا بنقاش يدور بين صاحب المعرض الصوري وبعض الزائرين, حول صورة السيدة الشهيدة امنة الصدر , “زينب العصر”, وكيف تجاورت صورتها مع النائبة ميسون الدملوجي في نفس اللوحة, معترضين ان بنت الصدر , تدور في فلك الفكر والاباء والمعتقد , وكيف جردت قاتلها وقاتل اخيها السيد محمد باقر الصدر من رداء السلطة وأدخلته فيما بعد في حانة النفاية السياسية , وهذا ما لاينسجم منطقيا مع أرشيف الدملوجي, وهنا أتيح لي أن أكون طرفا في السجال والجدل, فكان قولي , أنا لا اختلف معك في ان تضع صورة الاثنين في سبورة واحدة, إذا كان الغاية من المعرض التعريف بالرموز الوطنية من النساء العراقيات, ولكن السؤال الذي لابد من الإجابة عليه ,هل أن الدملوجي باتت عنوانا او رمزا وطنيا لتعتلي منصة التأريخ, ام ان المتنبي أمسى غير قادر في تصنيف الرمز والترميز.