أتصفح كتابات المفكرين العرب منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم , ولا أجد سوى الدوران في أفلاك “لماذا” , وما وجدت مفكرا واحدا قال “كيف”!!
منهمكون في ” لماذا تأخرنا” , وما من أحدٍ قال : ” كيف نتقدم”!!
وهذه عجيبة سلوكية يصعب تفسيرها وفهمها , وكأن الأمة معتقلة بأصفاد “لماذا”!!
“لماذا” مفردة سلبية مشحونة بالإنفعالات الضارة والغضب الشديد , وهي تهكمية في طبعها وذات عواطف نابية , تتسبب بتداعيات وتقهقرات مريرة.
ويمكن تميز المجتمعات المتقدمة عن المتأخرة من تقدير النسبة ما بين لماذا وكيف.
المجتمعات التي تتقدم مشغولة بآليات كيف , والمتأخرة منغمسة في مستنقعات لماذا , التي تزيدها وجيعا وإنحدارا إلى أسفل سافلين.
ويبدو أن مجتمعاتنا ترتعب من ” كيف” , وتستلطف الغوص في نواكب “لماذا” , فهي التي تدفعها للطم وذرف الدموع وجلد الذات بعصى الذنب وتأنيب الضمير.
وأعود إلى المفكرين العرب , وأقف مندهشا أمام تمحنهم بأوحال ” لماذا” وفقدانهم لقدرات التفاعل مع ” كيف” , وأحتار في الأمر الذي فيه يجتهدون ويؤولون , وما توصلوا إلى ما ينفع الأجيال ويطبب بعض الجراح , وعندما تواجههم بالحال يرمون بالأسباب على الغير القريب والبعيد.
إن العقل المعاصر عندما يقف أمام غزارة الإنتاج الفكري المتصل بلماذا يُصاب بالذهول والغضب , ويكتشف أن أسباب تعثر خطوات الأمة هو منهج المفكرين الخارجين عن مسارات الجد والإجتهاد بالعمل , والمصدحين بالتصورات الفارغة والنظريات الباهتة التي ما أطعمت من جوع , وتجدهم في نأي عن إرادة “كيف” ومعطياتها العملية اللازمة لنهوض الأجيال وتفاعلهم والإستثمار في قدراتهم.
ويبدو أن الأمة ستتواصل في تداعياتها إذا لم تستفيق وتغادر معاقل ” لماذا” وتنطلق في رحاب “كيف” لتستعيد قدرات حياتها الحضارية الناصعة.
فهل لنا أن نرفع رايات ” كيفَ”؟!!