(من البحر الوافر)
الإهداء : إلى روح صديقنا وزميلنا الراحل الأستاذ زاحم جهاد مطر رحمه الله، كاتب المقامات المجدد ، نظمت في حياته، وكان قد كتب عني مقامتين رائعتين.
وَضَعْنا الشّمسَ مرتكزاً مدارا *** أبــــتْ إلاّ يهيمُ بها الغَيارى
فراحتْ تُشْبعُ الآفـاقَ نوراً **** وما جحـدتْ يمينـاً أو يسارا!
وسارتْ بينَ ديجورٍ وجورٍ **** فشعشعَ عـدلـُها يلـجُ الدًيـارا
وقالتْ شيـمتي تأبى ومجدي * “سحائبُ ليس تنتظمُ” القفارا(1)
فمـدّتْ ترفدُ الصحرا بجــارٍ ** وقد جابتْ جواريها الجـوارا(2)
وكانتْ خصْـبة ًضوءًا وماءً *** فما قحـلتْ ولا غبرتْ غبارا
لها رأدُ الضحى وأصيلُ شمسٍ ** فمدّتْ في بسيـطتها النوارا
ألا لله يا بغـــــدادُ مجــــــــداً **** تعثّرَ بيـــنَ تيمـــــورٍ عِثارا
فهمّـتْ عتمة ٌ تعلو علاهـــا ****ومـا ذاقــت لياليها النهـــارا!
ترومُ ســـيادة ً للظلمِ عسْفاً ** وإنْ رسمتْ على الجيلِ افتقارا
وتنهـشُ في لحومِ الفكرِ خسْفاً *ومَنْ خَصِم العقولَ هفَ انهيارا
فمــــــا عيش الفتى إلاّ هباءً **** وما فكرُ الفتـــــــى إلاّ بحارا
فولّتْ في حشى الأيّامِ صغراً **** وكلُّ صغيـــرةٍ تلُدُ الصغـــارا
****************************************
ألا يا زاحمُ : الدّنــيا توالـــتْ ****يزاحمُ بعضها بعضاً دمــارا
فكم برجٍ ســــــتزرعُ للبرايـا ****مقامتُكَ الرفيعة ُكي تُـــدارى!
وجـــــرأتكَ التـي أدمغتَ فيها ***نفـاقّ الدّهرِ،هل تجدي شعارا؟
فمَن نظرَ الحياةَ بعمرِ فــــردٍ ****أضـلَّ خلـــــــودَ أمّتهِ عَوارا
فيــــــــأتي غيثهُ غضباً عليهِ ***ولا يُبقي ولا يــــذرُ اخضرارا
إذا مـــــــا النفسُ ما قرّتْ بعينٍ ***فلا ركدتْ ولا قــــرّتْ قرارا
ألا يا زاحمُ: الأشـواقُ عمــــرٌ ****قضينـاهُ اغتراباً واجتــرارا
فلا جدَّ الجديدُ سـوى جهــــــادٍ ****لنفـــسٍ جُرّعتْ منهُ مرارا
حللّتُ بموطني أمــــلاً بظــنٍ ****يراودني ، زهوتُ بهِ افتخارا
فرشتُ الأرضَ بعد النأي طوراً *”أقبّلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا”(3)
وطوراً ذابَ في نفسي هيـــاجٌ ****يؤجّجني بمــــا أمّـلتُ طارا
فكمْ من ْ (مريمٍ) خلدتْ بخلدٍ ***ولم تألفْ شراراً أو عــــرارا!(4)
فحاورها الجبانُ بلغمِ غـــــدرٍ****ومــا ذاقتْ براءتُها الحوارا
بأيِّ مشيئةٍ جرمَ بْنَ حقـــــــدٍ ****تشتتَ شـــملَ وادينا فجـارا
ألمْ تكُ (مريمُ الفيحاءِ) يومــاً ****لفــــاطمةٍ وعائشـــةٍ جوارا ؟!
****************************************
رأيتُ بسـاحتي حجراً لئيمـــــاً *****يُعدُّ لمثــمرٍ يَهدِ الثمــــارا
ولمّا زانهُ ســهرُ الليالـــي ******وشبَّ يـراعُهُ يملي اقتدارا
أضــــاعوهُ وأيّ فتىً أضاعوا*****لـــــعمركَ والأنامُ تُدكّ ُعـارا
فللخلدِ البقاءُ لمـــــن تغاضى ****سيجعلُ أمـــــرَ جاحدهُ اندثـارا
فغيُّ الجـــــهلِ ســــرٌّ يزدريهِ ****ونورُ العلمِ يفضحهُ جـــــهارا
ومَنْ مـــــــرّتْ تجاربهُ مـراراً ****ولمْ ترشـدْهُ ، قلْ عنــهُ حمارا
ومربدنا إذا ما كـــــــــــان غثّاً ****يثيـرُ بنثرهِ هــــــــــــذا الدوارا
فلا أرضى بــهِ شرفاً وشــــعراً****إذا ما العصــرُ أنجبــــهُ عصارا
ومَنْ ظـــنَّ العراقَ بلا شــــموعٍ ****ستهديهِ ، وإنْ خفقـتْ مـرارا
فـــإنْ جُمِعَ العراقُ بعزم حزمٍ *****يكـــــــــنْ في رافديهِ أعزّ دارا
فعشـــــــــــــتارٌ ستحييهِ نخيلٌ**** لتســـدلَ فــوقَ هـــــولاكو ستارا !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إشارة وتضمين لبيت أبي العلاء المعري :
فلا هطلتْ عليَّ ولا بأرضي *** سحائبُ ليس تنتظمُ البلادا
(2) بجارٍ : يعني براتب شهري ، كان في العصر الأموي والعباسي يطلق على الراتب : الجاري . ، وجواري الكنس للشمس وهي : زحل والمشتري وعطارد والمريخ والزهرة ، استعارة عن الولايات التابعة للدولة العباسية ، أبان ازدهارها .
(3) عجز لبيت مجنون ليلى :
امرّ على الديار ديار ليلى *** اقبل ذا الجدار وذا الجدارا.
(4) (مريم علي) طفلة عراقية ، لا يتجاوز عمرها ست سنوات ، قتلت ضحية التفجيرات الإرهابية في أحد مساجد الحلة الفيحاء ، عرّجت إلى بارئها كملائكة الجنان تشكو لربها ظلم الإنسان الشرير لأخيه الإنسان