18 ديسمبر، 2024 9:07 م

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد(8)

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد(8)

مسألة (1):ـ يجبُ على كلِ مكلفٍ لمْ يبلغْ رتبةَ الاجتهادِ، أنْ يكونَ في جميعِ عباداتِه ومعاملاتِه وسائرِ أفعالِهِ وتروكِهِ مقلِداً إلاّ أنْ يحصلَ لهُ علمٌ بالحكمِ لضرورةٍ وغيرها. كما في بعضِ الواجباتِ وكثيرٍ منَ المستحباتِ والمباحاتِ.

رتبة الاجتهاد
—————–
سيأتي الحديث عنها في مسألة رقم (5) إن شاء الله وهي تمثل درجة علمية رفيعة؛ بها يستطيع الفرد معرفة الأحكام الشرعية من الأدلّة التفصيلية (الأدلّة المحرزة والأصول العملية),وبطبيعة الحال فإن من يبلغ رتبة الإجتهاد فسوف ينتفي عنه وجوب التقليد(سالبة بإنتفاء الموضوع), ، بل ولا يجوزله التقليد أصلاً؛ لأنه سوف يعمل طبقاً لعلمه وإجتهاده وفتواه، وهو في غنى عن تقليد غيره.

س/ ما هي العبادات والمعاملات؟
ج/ العبادات جمع عبادة، وكذلك المعاملات جمع معاملة, والعبادة والمعاملة يمثلان عملاً مركّباً من أجزاء وشرائط , وتفترق العبادة عن المعاملة بأنها متقوّمة بالنية؛ فهي عمل مقترن بنيّة القربة, وفي حال الإخلال بالنيّة، فإن العبادة تبطل…
أمّا المعاملة فهي غير متقوّمة بالنية، ومن أمثلة العبادات الوضوء والغُسل والصلاة والصوم والزكاة والاعتكاف والحج…الخ
ومن أمثلة المعاملات البيع والنكاح والزراعة والإجارة والمُضاربة والوكالة…الخ.
وقد يتوهم البعض فيعتقد أن أحكام الشريعة إمّا عبادات أو معاملات، وهذا غير صحيح؛ فإن هناك أحكام تتعلق بغير العبادة أو المعاملة، وهذا ما دلت عليه عبارة(…وسائر أفعاله وتروكه…).
وخير مثال على الأفعال والتروك التدخين ونحوه، فإن هناك مّنْ يفعل ذلك، يعني يُدخّن، وهناك مَنْ يترُك التدخين، وليس التدخين عبادة ولا معاملة، ومع ذلك فإنَّ للتدخين حكمه الشرعي…

س/ ما هي الأفعال والتروك؟
ج/ الأفعال جمع فعل، والتروك جمع ترك. وما ذكرته قبل قليل كافٍ لشرح الأفعال والتروك.
فالمقصود منها كلُّ فعلٍ أو ترك ، وقد عرفنا من خلال المدخل أن عملية الاستنباط تتكفل تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة، والفعل والترك هو أحد مصاديق الموقف العملي الذي لابد من تحديده تجاه الشريعة، سواء كان هذا التحديد بصورة غير مباشرة أو بصورة مباشرة.
وهناك فرق واضح بين الأفعال والتروك من جهة، والعبادات والمعاملات من جهةٍ أخرى, فالأفعال والتروك لا تتعلق بالحكم الوضعي كالصحة والبطلان، على العكس من العبادات والمعاملات، فإنها تتعلق بالحكم الوضعي فقد تصح العبادة وقد تبطل، وكذلك الأمر بالنسبة للمعاملة فقد تصح وقد تبطل.
وقبل الختام والفراغ من شرح هذه المسألة أود تسليط الضوء على أقسام الواجب في الشريعة مستعيناً على ذلك بعد الله على ما ذكره الشهيد محمد الصدر(قدس سره) في أحد مؤلفاته حيث جاء فيه ما نصه:-
((تنقسم الواجبات في الشريعة المقدّسة إلى عدّة تقسيمات نذكر أهمها:
أولاً: واجب توصلي وواجب تعبدي، فالتوصلي ما لا يشترط فيه قصد القربة، والتعبدي ما يُشتَرَط فيه ذلك.
ثانياً: واجب نفسي وغيري، فالنفسي هو الذي أُمِرَ به لذاته، والغيري هو الذي أُمِرَ به مقدِّمةً لغيره.
ثالثاً: الواجب العيني والكفائي، فالعيني ما كان أمراً متوجهاً إلى الأفراد بأعيانهم، مع عدم سقوطه بعمل الآخرين، والكفائي ما كان المطلوب فيه هو النتيجة، فإذا قام به ما يكفي من الناس سقط عن الآخرين، وإذا لم يقم به أحد عوقب الجميع.
رابعاً: الواجب التعييني والتخييري، فالتعييني هو الواجب بعنوانه وحده لا يعوّض عنه غيره من الأعمال، والتخييري هو الأمر المتوجه إلى عدد من الأشياء (اثنين أو أكثر) بحيث يكون الفرد مخيّراً في الإتيان بأحدهما مع إمكان تركه للباقي. وتوجد انقسامات أخرى للواجب الموسّع والمضيّق وكالمنجّز والمعلّق وغيرها…))(المصدر:ماوراء الفقه الجزء الأول القسم الأول).
ومن خلال هذه الأقسام الأربعة تحصّل لنا ستة عشر صورة نذكرها للفائدة:
1ـ الواجب توصّلي نفسي عيني تعييني.
2ـ الواجب تعبّدي نفسي عيني تعييني.
3ـ الواجب توصّلي غيري عيني تعييني.
4ـ الواجب تعبّدي غيري عيني تعييني.
5ـ الواجب توصّلي نفسي كفائي تعييني.
6ـ الواجب تعبّدي نفسي كفائي تعييني.
7ـ الواجب توصّلي غيري كفائي تعييني.
8ـ الواجب تعبّدي غيري كفائي تعييني.
9ـ الواجب توصّلي نفسي عيني تخييري.
10-الواجب تعبّدي نفسي عيني تخييري.
11ـالواجب توصّلي غيري عيني تخييري.
12ـ الواجب تعبّدي غيري عيني تخييري.
13ـ الواجب توصّلي نفسي كفائي تخييري.
14ـ الواجب تعبّدي نفسي كفائي تخييري.
15ـ الواجب توصّلي غيري كفائي تخييري.
16ـ الواجب تعبّدي غيري كفائي تخييري.
ولِنـــُطبــّق هذا الكلام على وجوب التقليد في هذه المسألة، فإنَّ التقليد واجب توصلي غيري عيني تعييني.وقد يكون التقليد واجباً تخييرياً بناءاً على ما ذهب إليه مشهور الفقهاء الذين أفتوا بجواز العمل بطريق الإحتياط ولم يوافق السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) المشهور على ذلك كما هو واضح من خلال هذه المسألة ومسألة(3) التي سوف يأتي شرحها في محله إن شاء الله تعالى, وبناءاً على عدم جواز العمل بطريق الإحتياط أصبح طريق التقليد واجباً تعيينياً.
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة..