مسألة (3) الأحوط ترك طريق الاحتياط في عموم المسائل والاختصاص بطريقي الاجتهاد والتقليد، لكن الاحتياط في بعض المسائل جائز سواء اقتضى التكرار أم لا لكن يلزم المكلف معرفة ما هو الأحوط شرعاً.
إنَّ طريق الاحتياط شأنه شأن أي واقعة ، بمعنى أنَّ الفقيه المجتهد عندما يُريد تحديد حكمه الشرعي، فإنه يطرح هذا السؤال:
ما نوع الحكم الشرعي الذي تعلّق بطريق الاحتياط؟
وقد ذكرتُ في المدخل أن الجواب عن هذا السؤال يكون في حال وجود دليل محرز معتبر, وفي حال عدم وجود الدليل المعتبر، يُستبدَل هذا السؤال بسؤال آخر :
ما هو الموقف العملي تجاه حكم طريق الاحتياط المجهول (غير المحرز)؟
ويكون الجواب عن هذا السؤال بالاعتماد على نوع آخر من الأدلّة تُسمى الأصول العملية.
وقد اختلف السيد محمد الصدر (قدس سره) في هذهِ المسألة مع الكثير من الفقهاء حيث قال “قدس الله نفسه الزكية في هذه المسألة أعني مسألة(3) ((الاحوط ترك طريق الاحتياط في عموم المسائل)) وهنا يتضح أن دليل السيد محمد الصدر (قدس سره) في هذهِ الفتوى هو الأصل العملي؛
وقبل الخوض في شرح تفاصيل هذه المسألة لابد أن أشير إلى شبهة إشكال قد تخطر في البال،
وهو كيف يُترَك الاحتياط بالاحتياط؟
أليسَ الذي يُطبّق هذه الفتوى فقد عمل بالاحتياط في ترك طريق الإحتياط؟
أليس يلزم من هذه الفتوى إجتماع الفعل والترك وهو من قبيل إجتماع النقيضين؟
وهو مستحيل عقلاً وبالتالي فهو ساقط تكليفاً وذلك لأشتراط القدرة في التكليف وإستحالة تكليف العاجز والفعل المستحيل خارج عن نطاق قدرة المكلف!!!
إن هذا الإشكال إشكالٌ ساذج وبسيط، بمعنى أنَّ مَنْ لم يستطعْ الجواب عليه، فإن هذا يكشف عن المستوى العلمي الساذج والمتدني لهذا المستشكل!.
إن ما يصلح جواب على هذه الشبهة عدّة أمور نذكر منها:
أولاً: إن كلمة الاحوط في هذه المسألة هي فتوى بالإحتياط، وهذه الفتوى تمثل أحد نتائج طريق الإجتهاد وبالتالي فهي لا تُمثل طريق الإحتياط, وقد علمنا فيما سبق أن طريق الاحتياط هو صورةخاصة من صور الاحتياط العديدة، وليس كل احتياط يمثّل طريق الاحتياط ,فإن الأحوط شئ وطريق الإحتياط شئ آخر.
ثانياً: إنه لو تنزلنا جدلاً وقبِلنا أن يكون الاحوط وطريق الاحتياط واحدا(مترادفين)، فإنه لا يوجد تناقض؛ لأن ترك طريق الاحتياط يكون في عموم المسائل، ويكون الإحتياط في بعض المسائل جائز.
ومن جملة هذه المسائل (مسألة 3) أي أن الاحوط غير مشمول بهذا العموم، وقد قالوا في علم أصول الفقه: أنه ما من عام إلا وقد خص.
و يدل على ذلك أمران:
الأمر الأول:ـ عبارة “عموم المسائل”.
الأمرالثاني:ـ كلمة “لكن” الاحتياط في بعض المسائل جائز.
وهذا كافٍ في الجواب، إلا أنه جوابٌ تنزلي؛ لأن طريق الاحتياط ليس المُراد منه كل مصاديق وصور الاحتياط بما فيه الفتوى بالأحتياط التي يكون دليلها إصالة الاحتياط (أصل عملي).
ولا حاجة أن تكون كلمة “الاحوط “إرشادية، بل إنه من الغريب أن نسمع ذلك من بعض أساتذة الفقه، لأن الاحوط فتوى وليست طريق الاحتياط.
((الاحوط ترك طريق الاحتياط في عموم المسائل)) يعني لا يجوز العمل بطريق الاحتياط، فإن هذه الفتوى تغلق باب العمل بطريق الاحتياط في عموم المسائل.
************************************
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة…..