مسألة (29): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهدٍ آخر حتى مع العلم بمخالفته للواقع، إذا كان بنحو الولاية أو الحكم القضائي. أما الفتوى فمنوطة بعدم العلم بمخالفة الواقع.
——————————————————–
بقيَّ الحديث عن الفتوى وعلاقتها بالواقع، إن المجتهد بمقدار ما يحصل له كشف عن الواقع يُفتي ولذلك قد تكون فتواه مطابقة للواقع وقد تكون مخالفة للواقع وبالتالي هو لا يعلم أن فتواه مخالفة للواقع بل هو خارج اختياره.
نعم هو بمقدار ما يتوفر إليه من أدلة وحجج يبني فتواه وهو يقطع بفراغ الذمة بهذه الفتوى.
ومن خلال مطابقة الفتوى للواقع وعدمه كانت هناك اصطلاحات عند الفقهاء وددتُ عرضها توخياً لفائدة طلاب العلم.
إن فتوى المجتهد إما أن تكون فتوى بالحكم الإلزامي الحرمة (الحرمة ، الوجوب) وإما تكون نافية للحكم الإلزامي (كالاستحباب والإباحة والكراهة والبراءة واستصحاب عدم الوجوب وعدم الحرمة) فتكون النتيجة أربعة صور:
1ـ فتوى بالحكم الإلزامي وتكون مطابقة للواقع.
2ـ فتوى بالحكم الإلزامي مخالفة للواقع.
3ـ فتوى بنفي الحكم الإلزامي مطابقة للواقع.
4ـ فتوى بنفي الحكم الإلزامي مخالفة للواقع.
وأوكدُ هذه الصور هي احتمالات، لأن الفتوى أما تطابق الواقع أو تخالفه والفتوى أما إلزامية أو ترخيصية فتكون النتيجة أربعة صور كما سبق.
والمكلف في حال الامتثال وعدم الامتثال على ضوء الاحتمالات الأربعة يكون:
1ـ على ضوء الاحتمال الأول يكون المكلف عاصياً في حال عدم الامتثال ويكون مطيعاً في حال الامتثال.
2ـ على ضوء الاحتمال الثاني يكون المكلف متجريّاً في حال عدم الامتثال ويكون منقاداً في حال الامتثال.
3ـ لا شيءَ عليه في حال الترك وقد يثاب وكذلك في حال الفعل وقد يثاب طبعاً إذا ترك المكروه أو فعل المستحب.
4ـ على ضوء الاحتمال الرابع في حال الامتثال يكون معذوراً بمعنى أنه تصرف على حريته وكان في الواقع أنه واجب أو حرام فإنه معذور.
إن المكلف إذا أطاع الحكم الإلزامي يعني: لو أطاع فتوى الوجوب بالاتيان بمتعلقه أو أطاع فتوى الحرمة بترك متعلقها وكانت الفتوى مخالفة للواقع فإن المكلف يُثاب على الانقياد.
أما لو عصى فتوى الحرمة أو فتوى الوجوب وكانت الفتوى مخالفة للواقع فإنه يعاقب على تجريه.
وعلى ضوء ما تقدم، أن المكلف لا يخلو من أربعة:
1ـ طاعة ما طابق الواقع من فتوى.(الطاعة الحقيقية)
2ـ عصيان ما طابق الواقع من فتوى.(المعصية الحقيقة)
3ـ طاعة ما خالف الواقع من فتوى (انقياد)
4ـ عصيان ما خالف الواقع من فتوى (تجري)
والمكلف في الانقياد يُـثاب وفي التجري يستحق العقاب.
وللحديث بقية