مسألة (5): الاجتهاد هو مَلَكَة الاستنباط أو القدرة الراسخة على معرفة جميع الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيلية، سواء مارس ذلك أم لا. والأعلمية هي صفة من كان أقوى في المَلَكَة وأدق في النظر والاستدلال ولا دخل لسعة الاطلاع على المصادر في ذلك.
إن أغلب موضوعات الفقه يكون المدار في تحديدها الصدق العُرفي، بمعنى أنه يتم اللجوء الى العُرف في تحديدها..
ولكن الأمر مختلف في بعض الموضوعات كالتقليد والإجتهاد والسحر وغيرها من الموضوعات التي تحتاج الى تعريف منطقي بالحد أو الرسم..
فقد عرّف السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) الإجتهاد تعريفاً حقيقياً منطقياً.
إن هذه المسألة أقصد مسألة(5) تسلط الضوء على الإجتهاد ثبوتاً وليس إثباتاً..
س/ ما هو الثبوت؟وما هو الإثبات؟
ج/ الثبوت هو الواقع.
والإثبات هو التعرف على الواقع.
ومحل الشاهد إنَّ هذه المسألة تُحدد الإجتهاد من ناحية واقعية وتكوينية(ثبوتية)، وليس من ناحية إثباتية، فالمراد من الناحية الإثباتية للإجتهاد هو التعرف على الإجتهاد وإحرازه في شخص ما، والناحية الإثباتية للإجتهاد تتكفلها مسألة(22), أما الناحية الثبوتية للإجتهاد فإن مسألة(5) تتكفلها.
إن الاجتهاد أحد أهم طرق الامتثال لأحكام الشريعة؛ لأنه الطريق المتاح والمشروع لمعرفة الأحكام الشرعية وتحديد الوظيفة العملية.
والاجتهاد جائز شرعاً على نحو الوجوب الكفائي، وفي حال عدم التصدي للاجتهاد، بحيث لا يوجد مجتهد، عندها يستحق الجميع العقاب.
إن السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره) في هذه المسألة قد عرّف الاجتهاد بأنه مَلَكَة الإستنباط أو القدرة الراسخة، ومن المعلوم أنَّ المَلكَة أو القدرة هما صفتان نفسيتان، وهذا ما عبّر عنه (قدس سره) بالمنحى النظري في تعريف الاجتهاد كما سمعنا في المسألة السابقة, فالتقليد يُعرّفه السيد الشهيد محمدالصدر(قدس سره) بأنه: عمل، وهو يمثل المنحى العملي.
أمّا الاجتهاد فهو مَلَكَة، وهو يمثل المنحى النظري.
وهذا يؤدي الى أن العمل، أي ـ ممارسة أستنباط الحكم الشرعي ـ ليس لها دخل في تحقق الاجتهاد، وهذا ما عبّر عنه بصراحة في نفس المسألة، عندما قال: ((سواء مارس ذلك أم لا) وهي عبارة واضحة الدلالة، على أن ممارسة الاستنتاج الفقهي وعدمها، ليست دخيلة في تعريف وحقيقة الإجتهاد، وعلى هذا الأساس يمكن تصوير ذلك على هذا النحو:
1ـ مجتهد ممارس للاستنباط.
2ـ مجتهد غير ممارس للاستنباط.
وكِلا الصورتين تندرجان تحت تعريف الاجتهاد.
إن هذا المنحى النظري لتعريف الاجتهاد يمثل رأي السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره)، وكذلك رأي مشهور الفقهاء،
أمّا المنحى العملي لتعريف الاجتهاد، أي تعريف الاجتهاد بأنه: بذل الوسع والطاقة, فقد ذهب إليه المحقق الخوئي(قدس سره)، وهذا الاتجاه في تفسير الاجتهاد يلزم منه عدم ثبوت الاجتهاد للفرد الذي لا يمارس الاستنتاج الفقهي.
والمَلَكَةَ هي صفة نفسية راسخة, ولا يخفى أن الملكات كثيرة ومتعددة، ومَلَكة الاستنباط أو القدرة الراسخة هي مرتبة علمية عالية، بها يعرف الفقيه الأحكام الشرعية.
وقد قلتُ فيما سبق أن الأحكام الشرعية من حيث معرفتها تنقسم إلى أحكام ضرورية (وهي لا تحتاج إلى نظر واستدلال وبالتالي فهي ليست موضوعاً لمَلَكَة الاستنباط) وأحكام نظرية، يعني تحتاج في معرفتها إلى عملية استنباط، والأحكام النظرية تمثل الأعم الأغلب من أحكام الشريعة.
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة….