18 ديسمبر، 2024 11:57 م

أضواء على كتاب الإجتهاد والتقليد(3)

أضواء على كتاب الإجتهاد والتقليد(3)

عملية الاستنباط:
من خلال تعريف علم الفقه (وهو العلم الذي يتكفل بيان الأحكام في الشريعة الأسلامية والإستدلال عليها) يتبين إن معرفة الأحكام هي معرفة استدلالية ويدل على ذلك عبارة ((والاستدلال عليها)) ،وعملية الاستدلال هي عملية الاستنباط.

س/ ما هي عملية الاستنباط؟
ج/ عملية الاستنباط : هي تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديداً استدلالياً( المصدر:دروس في علم الأصول الحلقة الأولى للسيد محمد باقر الصدر”قدس”)

س/ ما المراد من الموقف العملي؟
ج/ إن المهم من معرفة أحكام الشريعة هو الامتثال والتطبيق فمعرفة الحكم ليست هي الغاية النهائية؛ بل الغاية هي اتخاذ الموقف العملي طبقاً لما يقتضيه الحكم الشرعي .

فمثلاً حرمة شرب الخمر فإن هذهِ الحرمة تعلّقت بشرب الخمر فالموقف العملي تجاه حكم الحرمة هو ترك شرب الخمر والكف عنه…
إن استحقاق العذاب العقاب يكون سبباً لعصيان الأحكام الإلزامية إمّا بفعل الحرام أو بترك الواجب, إن الطاعة والامتثال يكمن في اتخاذ الموقف العملي المناسب تجاه كل حكم شرعي.

س/ ما هو الموقف العملي المناسب تجاه الاحكام الشرعية التكليفية؟
ج/ فيه تفصيل:
أولاً: حكم الوجوب يكون الموقف العملي تجاهه هو الفعل والإتيان ولا توجد رخصة في الترك.

ثانياً: حكم الحرمة يكون الموقف العملي تجاهه هو الكف والترك ولا توجد رخصة في الفعل.

ثالثاً: حكم الاستحباب يكون الموقف العملي هو التخيير بين الفعل والترك ويكون الفعل راجحاً موجباً للثواب، إلا أنَّ ترك المستحب يكون مرجوحاً ولكن لا يستلزم استحقاق العذاب.

رابعاً: حكم الكراهة يكون الموقف العملي التخيير بين الترك والفعل، وترك المكروه راجح وفيه ثواب، وفعل المكروه مرجوحاً لكن ليس عليه عقاب.

خامساً: الإباحة يكون الموقف العملي تجاهه هو التخيير بين الترك والفعل على نحو التساوي بينهما.
نلاحظ إن استحقاق العقاب يكون في عصيان حكمي الوجوب والحرمة…

من خلال هذا البيان يتّضح أن تحديد الموقف العملي كان بصورة غير مباشرة؛

يعني أن عملية الاستنباط قامت بتحديد نوع الحكم
الشرعي أولاً ومن ثمَّ تم تحديد الموقف العملي ثانياً, يعني أن التحديد كان بواسطة الحكم الشرعي ,

وهناك تحديد آخر للموقف العملي ولكن بصورة مباشرة؛ يعني بدون توسط الحكم الشرعي، وهذا يحصل عند عدم وجود الأدلّة المعتبرة التي تكشف عن نوع الحكم الشرعي،

وهنا يأتي دور عملية الاستنباط في تحديد الموقف العملي سواء عرفنا الحكم الشرعي أم لم نعرفه!
ومن خلال هذا التحديد للموقف العملي تنقسم عملية الاستنباط إلى قسمين:
أولاً: عملية الاستنباط القائمة على أساس الدليل المحرز.
ثانياً: عملية الاستنباط القائمة على أساس الأصل العملي.

س/ ما هو الدليل المُحرز؟
ج/ هو الدليل الذي يُحرز نوع الحكم الشرعي وبالتالي يتم تحديد الموقف العملي بصورة غير مباشرة.
والدليل المُحرز ينقسم إلى نوعين:
الأول: الدليل الشرعي: وهو الكتاب والسنّة وسيرة المتشرعة وإرتكاز المتشرعة والسيرة العقلائية والإجماع.
الثاني: الدليل العقلي.

س/ ما هو الأصل العملي؟
ج/ هو سنخ آخر من الأدلة التي لا تُحرز نوع الحكم الشرعي بل تحدد الوظيفة العملية تجاه الحكم الشرعي المجهول (غير المحرز).

إن تحديد الموقف العملي يكون بصورة مباشرة ,وللأصول العملية أربعة أنواع:

1ـ البراءة.

2ـ الاحتياط.
3ـ الاستصحاب.
4ـ التخيير.
إن المجتهد حينما يُريد استنباط الحكم الشرعي لمسألة ما, فإنه يطرح على نفسه هذا السؤال:
ما نوع الحكم الشرعي الذي تعلق بــــ…….؟
ويكون الجواب عن طريق عملية الاستنباط القائمة على أساس الدليل المُحرز,

ولكن في حال عدم وجود دليل مُحرز معتبر فإنَّ المجتهد يستبدل السؤال الأول بسؤالٍ آخر هو:
ما هو الموقف العملي تجاه حكم ……المجهول؟
ويكون الجواب عن طريق عملية الاستنباط القائمة على أساس الأصل العملي.
وهذا يعني بوضوح أن الأدلّة المُحرزة متقدمة على الأصول العملية,

والفتوى التي تصدر من المجتهد إمّا أن يكون دليلها مُحرزا وأمّا أن يكون دليلها أصلا عمليا,

وعلى هذا الأساس عُرفَت الفتوى بأنها ((بيان الأحكام الكلية المُستَنبطة من أدلتها التفصيلية))(المصدر:منهج الصالحين/ الجزء الخامس/ كتاب القضاء للسيد محمد الصدر”قدس” )
والأدلّة التفصيلية تشمل:

1- الأدلّة المحرزة(الأدلة الإجتهادية).

2- الأصول العملية(الأدلة الفقاهية).
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة…