لكي تصل إلى السلطة تحتاج لحزب يؤهلك ويفوضك بالتفاعل مع الدولة بآليات وطنية خالصة , وهذا ما يميز أحزاب الدنيا التي يتنافس فيها المرشحون على تقديم أفضل الخدمات للوطن والمواطنين , وإن لم يتمكن من الإيفاء بوعوده والتعبير عن منطلقاته , فأنه سيتهاوى ويغيب وتوجه له الإنتقادات اللاذعة.
فالمقياس الذي يقرر بوصلة المسيرة الحزبية في بلدان الدنيا , هو درجة الخدمة الوطنية والبرامج الصالحة لحياة أفضل.
أما أحزابنا فمعظمها عقائدية وتطارد أوهاما وخيالات , وتريد إحياء ما فات , وتتصف بالفئوية والقبلية والمذهبية والمناطقية , وغيرها من الخصال التي تدوس على رأس الوطن , وبسلوكها السلبي تتسبب بتداعيات خسرانية , وتؤسس لنكران وطني وتمزيق للحمة المجتمع وتحويله إلى كينونات متصارعة.
وعندما تمسك بكرسي السلطة , فأنها تتفرعن وتستخدم الكيد والإنتقام للنيل من الآخرين , ولا تفكر بالوطن ومصالحه ولا تعنيها هموم المواطنين , فما يشغلها كيف تبقى في الحكم , وكيف تردع كل معارض أو صاحب رأي , فالقول قولها والبلاد بأسرها ملكها الخاص , وعليها أن تستحوذ عليها , وتغنم ثرواتها فهي من حقها وأحلت لها لا لغيرها.
أحزابنا عدوانية في سلوكها , وتناحرية مع بعضها , ولا تمتلك مشاريع صالحة للحياة المعاصرة , فرموزها يعبرون عن الأنانية والنرجسية والتفاني في المحق والإجتثاث , فلاحقها يمحق سابقها , والتخوين مذهبها , والتبعية دستورها وعنوان حكمها المبيد.
أحزابنا عقائدها تدمرها , ومناهجها تحطمها , وشعاراتها تفندها , وقولها ينكر أفعالها , وجموعها تدين بالسمع والطاعة , الذي يأخذها إلى جحيمات الوعيد , وأكثرها تهوى الحروب العبثية لكي تقبض على وعي الجماهير وتقودها إلى مصيرها المحتوم.
فهل عندنا أحزاب بالمعنى الحضاري المعاصر , أم فئويات وقبليات وطائفيات , والوطن في بالوعة النسيان , فلكل حزب وطنه المجهول.
أوهامنا تحزبت , أحلامنا تدمرت , أيامنا تعسرت , ببعضنا تعثرت , أوطاننا بجهلنا تدثرت , عن جوهرٍ يجمعنا تباعدت!!