الأعوام تتواكب والأجيال تتعاقب ، وفي مطلع كل عام ينهض سؤال حائر عنوانه ، هل أن الأجيال تتكاتف؟
فهذا السؤال في محنة صعبة ، فهو الموؤد في أوحال التفاعلات الضارة بوجودنا والمدمرة لصيرورتنا الحضارية المثلى.
فالمتفحص لأحوالنا ومآلاتنا ، وما نقوم به ، يرى بوضوح أن الأجيال تتصارع وتتعاوق , ولا تعرف آليات ومهارات التكاتف والتآلف والتفاعل الإيجابي النافع.
فكل جيل يريد أن يستأثر بالحياة على حساب أجيال , كما في الواقع السياسي حيث تنتهي معضلة الإستحواذ على الأجيال إلى مأساة مروعة ومدمرة.
وهذا الموقف الغريب يجعلنا نتساءل ، لماذا تغتصب الأجيال حقوق بعضها؟
ولماذا يأخذ جيل حقوق الأجيال ويثرى، ويسرق وينهب ، ويتحول إلى رمز للثراء الفاحش والظلم القاهر، ولماذا يتلذذ بإذلال الأجيال وتحويلها إلى قطيع.
يبدو أن غياب الدستور الوطني الصالح ، وإنعدام الشعور الوطني ، هما من أهم أركان هذا التفاعل الصراعي الضار بالجميع.
وفي ذلك تتميز المجتمعات المتأخرة عن المتقدمة ، فالأخيرة تدرك أن لا بد لنهر الأجيال أن يجري ، ولكل موجة أن تساهم في حركة التيار، ولا يمكنها , بأي حال من الأحوال , أن ترتضي لنفسها أن تكون سدا أو مانعا بوجه حركة الحياة.
حتى في الصين ، عندما حصل تعثر الجريان ، أسرعت القيادة إلى البحث عن الحلول اللازمة وتوفير المنافذ الضرورية لتأمين إنسياب الأجيال بسلاسة وهدوء وعطاء أكبر.
أما في مجتمعاتنا ، فلا زلنا لا نعي هذه الحقيقة الحضارية ، وهناك الكثير من الأدلة والممارسات التي تعبّر عن ذلك , فما يجري في المجتمعات العربية هو قهر للأجيال وغياب الفهم الموضوعي الحضاري المعاصر لأهمية تفاعلها وتكاتفها ، لكي يأخذ كل جيل فرصته ودوره في العطاء والبناء وبذلك تتقدم الشعوب.
ومن المعروف أن المجتمع عندما يعيش محنة الصراعات القاسية ، يدخل في تفاعلات إنفعالية إنتقامية ذات تداعيات خطيرة ، حيث الخراب والدمار وسفك الدماء.
ولهذا فأن المطلوب من المجتمع ، وعي حقيقة تواكب الأجيال وكيفيات إمتلاكها لفرصة التعبير عن طاقاتها وتأثيرها في جريان نهر الوجود الوطني.
ولا يضمن ذلك إلا دستور وطني سامي أصيل وإيمان بأن الوطن وعاء صيرورة لا بد من صيانته والحفاظ على سلامته وتأمين أسباب السعادة والأمن فيه.
فهل لنا أن نتكاتف ولا نتقاطع ونتناسف؟!!