أبو دلامة هو زند بن الجون الشاعر الأسود، كان على اتصاله بأبي جعفر المنصور، كارها ً للصلوات مستهتراً بشرب الخمر، فألزمه المنصور القيام بفرائض العبادات، في شهر رمضان . فقال له أبو دلامة(البلية في شهر أصلح منها في طول الدهر) ثم كان المهدي بن المنصور يبعث إليه في شهر رمضان في كل ليلة أحد حراسه يجيء به للعبادة. وأبو دلامة يرى العبادة ً مهنة ً شاقة ً، فلم يحتمل وفزع إلى الخيزران وإلى غيرها و إلى كل أصحاب المهدي، ليشفعوا له في الاعفاء من فرائض عبادات في الشهر الفضيل، فلم يجبهم المهدي إلى طلبهم. فصادفه أبو عبيد الله الأشعري الكاتب ونصح قائلا : عليك بزوجة المهدي: ريطة بنت أبي العباس السفاح..
(*)
تلك الليلة وصلت إلى ريطة رقعة كتب فيها أبو دلامة:
أبلغا ريطة أني كنت ُ عبداً لأبيها
فمضى يرحمه الله وأوصى بي إليها
وأراها نسيتني مثل نسيان أخيها
جاء شهر الصوم يمشي مشية ما أشتهيها
قائداً لي ليلة القدر كأني أبتغيها
فأطلبي لي فرجا منها وأجري لك ِ فيها
فلما قرأت الرقعة ريطة، ضحكت وأرسلت إليه بجواب تقول فيه
(اصطبر حتى تمضي ليلة القدر) فكتب إليها( أني لم أسألك أن تكلميه في اعفائي عاملاً قابلاً، وإذ مضت ليلة القدر فقد فني الشهر) وكتب تحتها
(خافي إلهك في نفس قد احتضرت قامت قيامتها بين المصلينا
ما ليلة القدر من همي فاطلبها أني أخاف المنايا قبل عشرينا)
فلما قرأت ريطة ما كتبهُ أبو دلامة ضحكت ودخلت إلى المهدي، فشفعت له
إليه وانشدت شعره، فضحك المهدي حتى استلقى ودعا بأبي دلامة، فأخرج المهدي رأسه وقال له :قد شفّعنا ريطة فيك وأمرنا لك بسبعة آلاف درهم، فقال أبو دلامة: أما السبعة آلاف فما أعجبني ما فعلته، أما أن تتمها بثلاثة آلاف فتصير عشرة آلاف، وأما أن تنقصني منها ألفين فتصير خمسة آلاف،
فأني لا أعلم حساب السبعة، فقال المهدي : قد جعلناها خمسة آلاف. قال أبو دلامة: أعيذك بالله أن تختار أدنى الحاليين وأنت أنت ، فعبث به المهدي، ثم كلمته ريطة فيه، فاتمها له عشرة آلاف درهم. فأحيل على الخازن وأخذها
بتصرف من كتاب (أخبار النساء ونوادرهن في كتاب الأغاني للأصفهاني)