22 ديسمبر، 2024 10:35 م

أبحثوا عن وردة أخرى في مكان آخر

أبحثوا عن وردة أخرى في مكان آخر

وردة النيل نبات مائي يعيش طافياً على المسطحات المائية ويتكاثر بسرعة ويستهلك كميات هائلة من المياه ، اضافة الى انه يقوم بامتصاص كميات كبيرة من الاوكسجين المذاب في الماء مما يغير من طعم المياه ويجعل رائحتها كريهة ، فيكون بذلك ملوثاً للبيئة ومشكلاً تهديداً حقيقياً للثروة المائية في البلد الذي ينتشر فيه. انا لست أستاذاً بعلم النبات ، لكني وددت تعريف القارئ الكريم بشئ عما سمعته عن هذه النبتة التي تمتاز بأسوا الصفات لأطرح التساؤل التالي : مالحكمة من اطلاق تلك التسمية على الاستراتيجية الاميركية الجديدة في العراق تحت يافطة محاربة تنظيم داعش ؟؟ كيف تم اختيار هذا الاسم ، وهل خلا بحر الاسماء الذي لا ينفذ كي يتم أختيار هذا الاسم ؟؟؟؟

لقد ارادت اميركا من خلال هذه التسمية ان تترجم نواياه التي تتطابق مع طبيعة ما تقوم به وردة النيل وفق خصائصها التي أشرت اليها آنفاً ، فها هي مرة أخرى تحاول الدخول الى العراق و فرض وصايتها عليه من خلال نافذة وردة النيل تحت ذريعة أسعاف العراق من خطر داعش وتقديم كل ما يمكنها من مساعدات تمهيداً للقضاء عليها، فعدد القوات الامريكية العاملة على الارض يتكاثر بشكل كبير كتكاثر وردة النيل مع اعلان الرئيس باراك اوباما ارسال 450 خبيرا عسكريا اضافيا ليصبح عدد القوات الاميركية الموجودة في العراق حوالي 8000 شخص تحت عناوين ومسميات كثيرة . فالاستراتيجية الامريكية الجديدة تقوم على مجموعة خطوات تتناقض كليا مع قرار الادارة الاميركية بسحب قواتها من العراق عام 2011 ، وها هي الان تلوَح الى ضرورة بناء قواعد عسكرية في بعض المدن العراقية ، وهذا هو حال السياسة الاميركية ازاء قضايا الشرق الاوسط تلك السياسة التي لا تخلو مطلقا من التسويف و المماطلة بل تتعدى ذلك احيانا لتصل الى مراتب الكذب الفاضح والتضليل المتعمد بعيدا عن التفكير في مصالح الشعوب. فتدريب وتسليح ابناء العشائر ما هو إلا عملية صب الزيت على النار، فأضافة مليشيا جديدة من طائفة أخرى تضاف لقائمة المليشيات المتنفذة في العراق تحت عنوان المشاركة في المعركة القادمة لـتحرير الرمادي والموصل ما هو الا بداية لمشروع تفكيك العراق وتمزيقه وامتصاص كل طاقاته كامتصاص وردة النيل لكل الاوكسجين المذاب في الماء، وبالتالي سيكون لنا عوضا عن جيش وطني موحد ، جيوشا من المليشيات المتنفذة في وطن أريق دمه بالكامل ولايحتمل العنف والدمار والصراعات المليشياوية بعد ان تنتهي صفحة داعش . لقد كان الأجدر بحكومة السيد العبادي بذل كل ما في وسعها لتوحيد كل الصفوف الوطنية وعلى اختلاف مشاربها وتوجهاتها للعمل على بناء القدرات لجيش عراقي قوي يمتلك روح الارادة الحية على المواجهة وترسيخ مفاهيم الانتماء والولاء الوطنيين بين افراده وجعلها في المقام الاول . لقد نجحت السياسة الاميركية في احداث انقسام كبير بين المكونات العراقية الرئيسية الثلاث، اي الشيعة، والسنة، والاكراد، وتحريضها

ضد بعضها البعض، واغراقها في حروب طائفية واثنية ، مما أدى بالنزعة الطائفية أن تطفو على الساحتين الاجتماعية و السياسية في العراق ، كما هو الحال بوردة النيل التي تخترق المياه لتطفو على السطح ، فالعلاقات بين هذه المكونات العراقية الثلاثة أصبحت متوترة وهذه حقيقة علينا ان لا نهرب منها وهي من نتاج السياسة الاميركية في العراق الدموي الجديد ، ، بل هناك تنافر وتصادم وانعدام للثقة بين تلك المكونات ، ومثل هذه الاجواء تناسب الولايات المتحدة لانها تضعف الاطراف الثلاثة، وتجعلها تعتمد على القوات العسكرية الاميركية لتأمين الحماية لها، والمساعدة في خوض حروبها ضد الآخرين. وعندما نقول ان الادارة الاميركية استخدمت ورقة محاربة داعش لتنفيذ مخطط الوصاية الذي فرضته، والذي تعمل على تعزيزه في العراق، فاننا نعني بذلك ان الحرب الاميركية ضد داعش وبعد دخولها العام الثاني، لم تحقق اي نتائج ملموسة على الارض، بدليل ان داعش تتوسع وتتمدد كل يوم ولا تنكمش . للاسف بات العراق خاضعا وبشكل مباشر للوصاية الاميركية التي تتسع دائرتها وتترسخ بحيث باتت السيطرة كاملة على اجوائه ومياهه وثرواته النفطية، وخيراته الاخرى، ومثل هذه الوصاية ، تصب في مصلحة داعش لانها ستعتبر حربها في العراق، حرب تحرير ومقاومة ضد الاحتلال الاميركي العائد الى العراق مرة ثانية ولكن من النافذة هذه المرة تحت شعار محاربة داعش وليس تحت شعار ترسيخ الديمقراطية وحقوق الانسان تلك الاكذوبة التي روجوا لها في المرة الاولى وهذا ما أكدنا عليه مرارا ، أن لا إستراتيجية حقيقية لدى اميركا ازاء تنظيم داعش بل هي سياسة الأحتواء فقط لهذا الفيروس خوفاً من ان ينفلت ليطال المصالح الاميركية في المنطقة ، وليعلم صبية السياسة في العراق ان المشكلة العراقية المستعصية مع داعش لن تنفعها وردة النيل التي ستشكل تهديدا حقيقيا لوحدة المجتمع العراقي وعما قريب ستفوح رائحتها النتنة بعد ان تستهلك كل طاقاتنا ومواردنا وهذا ما ستثبته قوادم الايام وعليهم ان يبحثوا عن وردة أخرى في مكان آخر.