23 ديسمبر، 2024 4:35 ص

أمس، وفي ضحاه ،قتل ضابط في حرس الطلباني (البيش مركه)،زملينا وحبيبنا محمد بديوي الشمري،وترك جثته تسبح بدمائها لاكثرمن ساعتين ولم يطلب هذا القاتل أو فوج البيش مركه الرئاسي سيارة اسعاف لنقل جثته،ومنعوا المواطنين من التقرب منه،واطلقوا النار في الهواء لأبعادهم عنه. وكأن القتيل لاقيمة لحياته ولااحترام لموته عند هذا الضابط ووحدته المليشياوية الكردية!!
حياة الصحفي في عهد مابعد (التحرير) صارت مستباحه  وليس هناك من يحميها، وكأن الذين جاءوا بعد صدام قد قتلوا الحاكم السابق بالخطأ ،فعادوا الى قتل اصحاب الفكر ورموز العراق ومن بينهم الصحفيين،على اعتبار ان هذه مهمتهم الأولى.
منذ نيسان عام 2003 نحر الامريكيون ومن بعدهم ولاتهم على العراق ومثلهم الارهابيون أيضاً،نحروا أكثر من ثلاثين صحفيا ًوغييبوا العشرات  و هجروا الكثيرين من خيرة اهل الصحافة!.
بين قتل على رؤوس الاشهاد أو اغتيال بكواتم فقدنا أحبة كثر،لكن طوال السنوات التي تزيد على  عشر ،لم يقدم أيّ من القتلة امام القضاء أو يعاقب قاتل ،وكانت التهمة تسجل دائماً، دائماًَ، ضد مجهول.
في منصف الثمانينات جاءنا الى جريدة الجمهورية شاب متوهج العقل اسمه محمد بديوي الشمري.. كان وقتها يدرس في كلية الاعلام،وقد سمعنا من أساتذته بأنه شعلة من الذكاء وكانوا صادقين.
عمل معنا (محمد) في قسم الاخبار الدولية،ولم تمرّ أيام على عمله حتى اقنع الجميع بأنه متوهج الذكاء و حرصه لا يقف ان عند حدود عمره.. كان محترفاً لا يتوانى ان يغامر بكتابة خبر أو وضع عنوان يخرجان عن مأ هو مألوف في طاعة حاكم آنذاك،مادام ذلك يندرج ضمن التمسك بالحرفية.
كنا نترك لمحمد إدارة الجريدة في كل ّليلة خفارته.وكان الواحد منا،نحن سكرتيرو التحرير الخفراء ،نكلفه بما لايطاق،وكان محمد اهلا ًلها ،إذ قلما اشتكى وقلما تململ،وقلما اعتذر عن مهمة يكلف بها.. كان العمل مع (محمد) أماناً لجميع سكرتيري التحرير الخافرين.
اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة ،غاب ذلك الذي مازل الشاب وهو في أشدّ حيوية وأبداعاً.. غاب العزيز محمد الصحفي والدكتور والبارع ليلتحق بصفوف الشهداء من زملائه و اخوته في الوطن. غاب بطلقة هوجاء اطلقها عليه ذئب مسعور من البيشمركه المحتلة لبغدادنا من دون ان يخطر بباله،او حتى يفكر بمن قتل.
مات محمد بديوي الشمري العزيز والقريب الى قلب زملائه وطلابه وكل ّمن عرفه وعمل معه.. مات محمد بطلقة أردته صريعاً في الشارع لم يلتفت اليه أحد او ينقل جثته ،وظل القاتل يتفرج على جسد محمد السابح بدمه في وسط الشارع.
آه.. يامحمد.. ياصديقي.. ياصديقنا كلنا.. آه يامحمد.. آه،آه على شبابك والف آه على حياتك التي ماكانت الا متاعب و أوجاعاً.. آه يامحمد فالدمع لايكفي، …آه… يامحمد،أخشى ان يقتولك مرة اخرى ببيع دمك في سوق السياسة العراقية.