منذ صغرنا ونحن نسمع أمثلة تعكس تجربة تأخذ بتعاقب الأزمان مكانة الموعظة والدرس لمن يتعظ ويسترشد، منها المثل القائل؛ (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)، وقطعا لنا في سنين حياتنا كعراقيين أعظم أرشيف، يوضح لنا بالتفصيل فحوى هذا المثل، إذ هو يتجسد في ساستنا الذين يعتلون صهوة القيادة في مفاصل البلد، فهم لايبرحون إثارة النزاعات فيما بينهم بين الفينة والأخرى، فكأنهم (شرايج) او ضرائر يستحيل الانسجام بينهم. كذلك من أمثلتنا القديمة التي كان أهلونا يرددونها على مسامعنا مرارا وتكرارا، هو المثل؛ (الحايط إذا مال يوگع على أهله).. وقطعا ماكانوا يريدون من تكراره على مسامعنا إلا حثنا على درء المخاطر التي تحيق بنا، ذلك أن الضرر إذا وقع يصيبنا حتما، وإن لم يصبنا يطالنا شرره وشره. فترعرعنا على مبدأ الوقاية من المخاطر البعيدة والقريبة منا على حد سواء، وليس على مبدأ ابي فراس الحمداني:
“إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر”
اليوم يمر عراقنا بظرف عصيب خطير، إذ تتكالب عليه قوى ضالة بأهداف لاتخدم فردا واحدا يعد نفسه عراقيا، هي قوى لايمكن التقليل من شرها او الاستهانة بها، لاسيما وقد تعاونت فيها من الداخل أحزاب وأشخاص ومن الخارج دول وجهات، بغية إيصال العراق الى وضع لاتحمد عقباه، وله تداعيات ونتائج وخيمة، إذا لم نأخذ جميعنا بعين الاعتبار الأمثلة التي ذكرتها، ونطبقها في حياتنا الخاصة مع كل من يعايشوننا، في البيت.. في الشارع.. في أماكن عملنا، وكذلك علينا العمل بجد وبجهد واحد يفضي بنا الى النجاح والفلاح في حياتنا. وعلينا توقع السيئ ممن يضمرون السوء لنا، فكما معتاد.. “تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن”. إذ هناك من يتعمد السير عكس التيار، ويحتكم لخيارات نفسه التي تنحى منحى الشر، وتسعى في طريق الخراب من دون النظر الى عائدية الخراب عليه او على أهله. ومن هؤلاء اليوم نجد الكثيرين ممن يتصيدون في عكر المياه، دون أن يأبهوا لمستقبل البلاد وبالتالي هو مستقبلهم أيضا.
إن في عراقنا الجديد تراكمات من عقود سابقة، بل قرون جاءت بسبب الاحتلالات التي تعاقبت على حكمه، ومن غير المعقول ان نبلغ من القوة ما يمكننا من التغلب على تجاوز كل تلك العقبات، مضافا اليها العقبات التي خلفها لنا النظام السابق، فضلا عن التي استحدثها ساسة مابعد عام 2003، ومن غير المعقول والمقبول أيضا أن نضيف ونجدد بشكل يومي مشاكل وعقبات أكثر من التي ورثناه، فنكون كما يقول المثل: (فوگ الحمل تعلاوة). ويكفينا مايواجهنا اليوم من شرور أتت من دول وجهات من كل فج عميق، تريد الدمار وتبغي الخراب بالعراق من شماله الى جنوبه، وإن كانت السعودية أولها، فلن تكون تركيا آخرها. أما الحل الناجع في حال كهذه، فلايمكن استيراده من دولة شرقية او غربية، فعلينا وعلينا فقط استحداث الحلول للوقوف أمام تيارات كثيرة تعاكس مسار سفينتنا، وقد آن الأوان -إن لم يفت بعد- للملمة جراحنا وهندمتها وتطبيبها بالعلاج الشافي بشكل جذري، لابترتيقها سطحيا وترقيعها شكليا، فحينها يكون الحال كما قال الشاعر:
إذا ما الجرح رُمّ على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب