27 ديسمبر، 2024 1:03 ص

مع بيان المرجعية في 6 كانون الأول 1/2

مع بيان المرجعية في 6 كانون الأول 1/2

بالرغم من أني كنت منذ 2003 وحتى يومنا هذا أرفض تدخل المؤسسة الدينية في الشأن السياسي، لكني ضد من يكيل الشتائم للمرجعية، كما إني ضد من يضفي عليها القداسة المبالغ بها، إما إيمانا منه بهذه القداسة، وإما نفاقا ومتاجرة بالمرجعية، كما يفعل معظم السياسيين. وأقول هنا لعل المرجعية قد أسست نفسها للفصل بين الدين والسياسة للمرحلة القادمة في حياتها، وما بعد ذلك، عندما قالت في خطبة التاسع والعشرين من الشهر المنصرم «ليس لنا إلا النصح والإرشاد إلى ما نرى إنه في مصلحة الشعب، ويبقى للشعب أن يختار ما يرتئي أنه الأصلح لحاضره ومستقبله، بلا وصاية لأحد عليه». إذن المرجعية نفسها تنفي عن نفسها الوصاية والولاية على الشعب، وهذا بتقديري، كما بينت في مقالتي ذات العلاقة، بيان تاريخي مهم تشكر عليه.

والآن لنمر على الفقرات المهمة من بيان المرجعية الجمعة السادس من كانون الأول.

«لا شك في أنّ الحراك الشعبي إذا اتسع مداه وشمل مختلف الفئات يكون وسيلة فاعلة»:

بناءً على ما مر من نفي المرجعية وصايتها على الشعب، فهذه ليست بفتوى، وما يؤيد ذلك، كونها موجهة إلى جميع فئات الشعب، بما في ذلك، غير الملتزمين بفتوى المرجعية، بحكم انتمائهم إلى مذهب آخر، أو دين آخر، أو عدم التزام حتى الكثيرين من الشيعة أنفسهم بالتقليد، وعدم إيمانهم بوجوب الالتزام بفتوى المرجع. لكنها نصيحة في محلها، ومهمة جدا، مما يعني ترجيح المرجعية لمشاركة مناطق السنة ومناطق الكرد في هذا الحراك، وهذا سيعطي زخما وطنيا شاملا، ولو إني أستبعد حتى الآن حصول ذلك، لأسباب سبق وبينتها، ولكن لو حصل، عندما تحين لحظته المناسبة، لسيكون خيرا للعراق، ولشعب العراق بكل أديانه وقومياته ومذاهبه.

«يكون [هذا الاتساع] وسيلة فاعلة للضغط على من بيدهم السلطة لإفساح المجال لإجراء إصلاحات حقيقية في إدارة البلد»:

وهذا يدل إن من بيدهم السلطة بما فيهم المدعين اتباع المرجعية، لا يملكون إرادة الإصلاح، فوحده الضغط الشعبي، هو الذي يمكن أن يضطرهم إلى الاستجابة لدعوة الإصلاح. ومن شروط الإصلاح أن تقوم به شرائح أخرى غير الطبقة السياسية التي لا تستجيب لدعوة الإصلاح إلا بالضغط الذي يمارس عليها من جماهير الشعب بكل فئاته، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن هنا يكون من أهم شروط الإصلاح تنحي هذه الطبقة السياسية عن المسؤولية لتناط إلى حكومة موقتة من ذوي الكفاءة والنزاهة غير الحزبيين، يقودون المرحلة الانتقالية.

«ولكن الشرط الأساس لذلك هو عدم انجراره إلى أعمال العنف والفوضى والتخريب»:

فإن اللجوء إلى العنف والفوضى والتخريب أشد خطرا على الثورة من السلطة والأحزاب والميليشيات المعادية لها ومن قوى الثورة المضادة، ولذا على المتظاهرين أن يعملوا بأقصى ما في وسعهم على عزل العنفيين والتخريبيين والفوضويين، أو نصح من يستمع منهم إلى النصيحة.

«فإنه بالإضافة إلى عدم المسوغ لهذه الأعمال شرعاً وقانوناً ستكون لها ارتدادات عكسية على الحركة الإصلاحية»:

المسوغ القانوني هو الجامع المشترك، والمسوغ الشرعي للمتدينين الملتزمين بأحكام الشرع، لاسيما المقلدين للمرجع، وهم ليسوا قليلين في المجتمع العراقي. والعنف يمكن أن يؤدي لا قدرت الأقدار إلى إجهاض الثورة بعد كل هذه التضحيات وكل هذه الدماء، فإيانا إيانا أن نفوت علينا فرصة ثورة 2019، كما فوتنا علينا كشعب فرصة سقوط الديكتاتورية عام 2003، التي كانت فرصة ذهبية تاريخية نادرة، ضيعتها الطبقة السياسية القائمة الثورة اليوم ضدها، وبسبب غياب الوعي السياسي عند غالبية الشعب العراقي آنذاك، مما يعد معذورا عنه، لغياب التجربة، ولهيمنة واحدة من أبشع الديكتاتوريات على مقدرات الشعب العراقي، لما يقارب الأربعة عقود.

«ويؤدي إلى انحسار التضامن معها شيئاً فشيئاً»:

لأن العقلاء والواعين النابذين للعنف المشاركين في الاحتجاجات أو المتضامنين معها، إذا ما طغت، لا قدر الله ظاهرة العنف، سيعزفون عنها، والشعب العراقي يكون هو الخاسر مرة أخرى، إذا ما وئدت هذه الثورة التاريخية العظيمة، لكنها لن توأد بتصميم الثائرين.

«بالرغم من كل الدماء الغالية التي أريقت في سبيل تحقيق أهدافها المشروعة»:

وبما إن من أهم أهدافها إنهاء تسييس الدين واستخدامه مطية لتحقيق النفوذ والثروة، ومنها إنهاء الطائفية السياسية، والمحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، واستئصال الفساد المالي وسرقة أو هدر المال العام واسترجاع الأموال المسروقة، وإنهاء النفوذ الإيراني، فهذه بالنسبة لنا سواء قالتها المرجعية أو لم تقلها، عنتها أو لم تعنها، وظني إنها عنتها، أهداف مشروعة، وليست الثورة عبارة عن مؤامرة (أمريكية سعودية إسرائيلية بعثية)، كما يدعي خامنئي وعدد من رموز الطبقة السياسية المتنفذة، وتأكيد المرجعية لمشروعيتها أمر مهم، بالنسبة لمن لا يدركون ما هو الأصلح للوطن، إلا بقول من مرجع ديني، حتى تكون عليهم حجة دينية، علاوة على إنها حجة وطنية وإنسانية.

«فلا بد من التنبه إلى ذلك والحذر من منح الذريعة لمن لا يريدون الإصلاح بأن يمانعوا من تحقيقه من هذه الجهة»:

ونحن نعرف والمرجعية تعرف من هم الممانعون لتحقيق الإصلاح، فإذا كان من المتفهم والمحترم بأنه ليس من المناسب للمرجعية أن تذكر تلك الأطراف الممانعة بالاسم، فنحن نعلم إن أسماءها «دعوة» و«أعلى» و«حكمة» و«فضيلة» و«بدر» و«عصائب» وأخواتها، كما إن الممانعين لتحقيق الإصلاح هم خامنئي وسليماني وروحاني.

«إنّ المحافظة على سلمية المظاهرات وخلوها من أعمال العنف والتخريب تحظى بأهمية بالغة، وهي مسؤولية تضامنية يتحملها الجميع، فإنها كما تقع على عاتق القوات الأمنية بأن تحمي المتظاهرين السلميين وتفسح المجال لهم للتعبير عن مطالباتهم بكل حرية، تقع أيضاً على عاتق المتظاهرين أنفسهم بأن لا يسمحوا للمخربين بأن يتقمصوا هذا العنوان ويندسوا في صفوفهم ويقوموا بالاعتداء على قوى الأمن أو على الممتلكات العامة أو الخاصة ويتسببوا في الإضرار بمصالح المواطنين»:

وهذا تشخيص دقيق غني عن الشرح والتعليق، فهو تحميل للقوات الأمنية مسؤولية حماية المتظاهرين، لا استخدام العنف القاتل تجاههم، كما هو تأكيد مسؤولية المتظاهرين على الحفاظ على سلمية الثورة.

«إنّ مساندة القوات الأمنية واحترامها وتعزيز معنوياتها وتشجيعها على القيام بدورها في حفظ الأمن والاستقرار على الوجه المطلوب واجب الجميع»:

فالثورات الشعبية التي نجحت، كان من أسباب نجاحها، إما اصطفاف قوات الأمن والدفاع إلى جانب الشعب دعما وإسنادا، وإما من حيث عدم تنفيذها لأوامر قمع الثورة. وكلما اشتدت أواصر الأخوة الوطنية والمحبة والتعاون من أجل الوطن بين الشعب وقواته الأمنية والدفاعية، كان هذا عاملا أكيدا لإنجاح الثورة، وقد شاهدنا بعض مظاهر التضامن والتعاون أثناء ثورة تشرين.