27 ديسمبر، 2024 5:42 ص

لماذا نزهدُ في القرضُ الحسن ؟

لماذا نزهدُ في القرضُ الحسن ؟

-1-
تمور سيرةُ (أبي الدحداح) بالعطر الفواّح ، فهو صحابي جليل لم يكن أسيراً للأطماع الدنيوية وانما كان رجلاً مخلصاً توّاقا للوصول الى واحات رضوان الله والنعيم الخالد .
-2-
قال المؤرخون والمفسرون :
لما نزل قوله تعالى ( من ذا الذي يُقرض الله قرضا حسنا ) ، قال ابو الدحداح مخاطباً الرسول (ص) :
فذاك ابي وأمي يارسول الله :
انّ الله يستقرضنا وهو غنيّ عن القرض ؟ قال :
” نعم يريد أنْ يدخلكم الجنّة به “
قال ابو الدحداح :
فناولني يدك فناوله رسول الله (ص) يده فقال :
إنّ لي حديقتين :
احدهما بالسافلة
والاخرى بالعالية
والله لا أملك غيرَهُما
جعلتهما قرضا لله تعالى
قال رسول الله (ص)
 
(اجعل إحداهما لله ، والأخرى دَعْها معيشةً لك ولعيالك ” قال :
فاشهدك يارسول الله أني قد جعلتُ خيرهما لله تعالى ، وهو حائط (اي بستان) فيه ستمائة نخلة ، قال (ص) :
{ اذا يجزيك الله به الجّنة }
فانطلق أبو الدحداح يمشي حتى أتى الحديقة ، وأم الدحداح جالسة فيها مع صبيانها تدور تحت النخل فناداها يا أمّ الدحداح ، قالت :
لبيك
قال :
اخرجي قد أقرضتُ ربي عز وجل هذه الحديقة
قالت ام الدحداح :
ربح بيعُك ،
بارك الله لك فيما اشتريتَ ،
ثم اقبلت على صبيانها تنفض ما في أكمامهم، ودخلت الحديقة الثانية فقال الرسول (ص) :
” وكم عِذْقٍ  رداح ، ودار فيّاح لأبي الدحداح “
وهنا لابد من وقفة قصيرة للتامل:
انّ على المقترض سداد الدين كما هو معلوم، وقد عبّر الله سبحانه وتعالى عن الانفاق في سبيله (بالقرض الحسن) في اشارة الى
أنّ المال المبذول مضمون لا محالة، وهذي بشرى للباذلين
ولن يتوق لذلك الا المؤمنون الصادقون في ايمانهم …
2- لقد هزّت الأريحيّة (أبا الدحداح) وأراد التصدق بكل ما يملك، فمنعه
 من ذلك الرسول (ص)، رحمةً به واشفاقا عليه، فتصدّق بأحسن الحديقتيْن في اشارة لعمق ايمانه وشدّة اشتياقه للحصول على المثوبة الكبرى …
3- والقصة تظهر دور الزوجة الصالحة في تشجيع زوجها على المضي قدما في دروب الخير والبر الاجتماعي والبذل في سبيل الله ، لا ان تقف عائقا أمامه وتصده عما يريد …
4- عمدت (أم الدحداح) الى اخراج ما في جيوب صبيتها من التمر ، بعد أنْ تصدق أبوهم بالحديقة في اشارة الى حرصها الشديد على نصيب الفقراء والبائسين والمستضعفين ..!!
ولقد ضارعت زوجها في نبلها وايمانها .
5- ان هذه الصفقة كانت مباركة عظيمة حيث تمت المقايضة بين (الحديقة) ذات الستمائة نخلة التي قدمّها (أبو الدحداح) في الدنيا، وبين (الجنة) التي مافيها ماتشتهي الأنفس وتلذ الأعين والخلود في النعيم والسؤال الآن :
هل الاية المباركة محصورة النطاق بزمن معين أو بجيل معين ؟
والجواب :
لا
انها تخاطب الأجيال المؤمنة جيلا بعد جيل اينما كانوا
ومن هنا :
فبمقدور كلّ واحد منا ان يكون (كأبي الدحداح) .
وبمقدور كلّ امرأة مؤمنة صالحة ان تكون (كأم الدحداح) في روحها واخلاصها وتجاوبها مع المبادرات الكريمة ، فتفوز كما فازت …
 
وبمقدور الابناء جميعا ان يكونوا كأبنائها ….
والتعلق الشديد بالدنيا، والانشداد الى ما فيها من زينة ومتع واموال وبهارج، يقيمان السدود والحواجز أمام الانسان ويصدانِهِ عن مشاريع البر والخير والاحسان .
وان الشيطان هو اللاعب الأكبر في هذا الميدان ، حيث يَعِدُ الانسانَ بالفقر، ويجعله مغلول اليد ليقوده في النهاية الى المصير البائس ، فلا بد من طرده وكسر شوكته والافلات من مخالِبِهِ .