22 ديسمبر، 2024 8:57 ص

ثورة الاصلاح الديني اللوثري

ثورة الاصلاح الديني اللوثري

لم يكن لوثر في القرن السادس عشر في المانيا هو من فجر ما يعرف بثورة الاصلاح الديني كان هناك ما يجري تحت السطح وفوقه و انببطء.
قبل لوثر بمائة عام ظهر جون هس في بولندا الذي اعترض على الكنيسة و انتقد امورا في العقيدة الكاثوليكية وتعرض للادانة والقتل علىيديها وتكونت بعده جماعة الهسيين نسبة اليه ، كان هناك ايضاً علماء الانسانيات المتنورين الذين تأثر بعضهم بالارث الحضاري الاسلاميوكتابات ابن رشد وقد لعب هؤلاء دوراً كبيراً في نقد العقيدة الدينية و الكنيسة و ترجمة العهدين القديم والجديد الى اللغات المحلية بعد انكانا باللغة اللاتينية التي لا يجيدها الكثيرين.

 

كما ساهم انفتاح التعليم على الاشخاص العاديين بعد ان كان محصوراً برجال الدين بفتح افاق جديدة من التفكير خارج نطاق الدين الذيكان يتحكم بكل مفاصل الحياة ويغّيب اي لحظة تحاول الخروج من هذا الآسار.

 

كان الصراع بين الكنيسة و الامراء و الدوقات على الاراضي والثروات عاملاً مهماً ساهم في ايقاظ روح الثورة و التمرد لدى اولئك المغلوبينعلى امرهم والذين كانوا يدفعون الضرائب للكنيسة و للامراء والملوك .

 

كل ذلك ساهم في ظهور لوثر الذي كان قساً المانياً قام بتسجيل اعتراضه على صكوك الغفران و كتب رداً على العقائد الكاثوليكية المحمية منقبل كنيسة روما و مزق الحرمان الكنسي الذي صدر بحقه وخاض منازعات ونقاشات علنية مع مبعوثي البابا .

 

استمر لوثر بكتابة المقالات و الرسائل و الكتيبات وطباعتها و لقي تفاعلاً شعبياً كبيراً و ساهم ظهوره في تسونامي هز فرنسا و انكلترا وسويسرا و هولندا فضلا عن بعض دول شرق اوربا التي كان بعضها يدين بما دان به جون هس سابق الذكر .

 

توسعت حركة لوثر كثيراً و حدثت نزاعات ولكن لوثر بدأ بشيء و انتهى بنقيضه لقد بدأ بحرية الضمير و انتهى بفرض البروتستانتية علىالكاثوليك المقيمين في مقاطعات تخضع لمذهبه وهكذا فعل كالفن الذي سيطر على جنيف وصنع مملكة بروتستانتية متطرفة ضمت اولئكالمضطهدين الدينيين الهاربين من ايطاليا وفرنسا فضلاً عن السويسريين المؤمنين بالمذهب الجديد.

 

يخيل الى من يقرأ ذلك التاريخ ان بني الانسان حين يثورون ضد الظلم سرعان ما يمارسون ذات الظلم ولكنه هنا سيكون مدفوعا و مشرعناًبقوة الثورة الجديدة ، تلك سنة سيئة تتكرر كلما حانت فرصتها .

 

يقارن ول ديورانت بحذاقة بين منهجية ارازموس وهو عالم انسانيات وجه نقداً للكنيسة وتعرض على اثره الى محاكمات واستدعاءاتومضايقات و لكن البابا كان متعاطفاً معه لأن اسلوبه في النقد كان معتدلاً ، يقارن الكاتب بين منهجية ارازموس هذا و منهجية لوثر المتشددةو المتعنتة التي وجهت سباباً وشتائم مقذعة للبابا و المؤسسة الدينية التابعة له.

 

يبقى ان نقول ان الاصلاح الديني الذي منح السلطة الزمنية للامراء صلاحيات اعلى رتبة من السلطة الدينية دشن عصر الدولة الحديثة كمايقال و كان هذا ما اغرى بعض الامراء بدعم البروتستانتية و تبنيها كما اثرى الاصلاح الديني و عمّق نقاشات حول مفاهيم التسامح الدينيو الضمير الانساني و التعامل مع المختلف و فتح ابواباً لم يكن ليتخيلها كما كان له تأثيرات اقتصادية واجتماعية و حتى تربوية فالفردانيةتدين للاصلاح الديني وحتى الشيوعية ومذاهبها وجدت اولى نقاشاتها لدى ما يعرف بالمعمدانيين الذين ظهروا ابان فترة الاصلاح الديني وتوسعوا و لاقوا مصائر مؤسفة نتيجة عدم التسامح .

 

ان تجربة الاصلاح الديني تجربة مليئة بالعبر و الامة الاسلامية بحاجة الى قراءتها و الاعتبار بدروسها لاعادة ترتيب اوراقها و اخذ مكانهابين الامم التي سارت شوطاً كبيراً في الحضارة ، و ما اكثر العِبر و ما اقل المعتبرين.