27 ديسمبر، 2024 3:13 ص

العراق في ضوء جريمة الحويجة الدامية

العراق في ضوء جريمة الحويجة الدامية

أيام مضت تجمد فيها قلمي لهول الفاجعة، وعزفت عن الكتابة مغلوبا على أمري، جريمة الحويجة البشعة التي سقط فيها عشرات الشهداء جريمة ثقيلة بحق الإنسانية، تهتز لها الضمائر الحية عن بعد، فكيف بمن تعنيه شخصيا؟ وتجري على أرضه وضحاياها من شعبه؟ ولا أنكر أني عربي سني متعاطف مع إخوتي إلى حد أدمى قلبي، وشعرت بالذنب، إذ لم أكن مع أهلي في الحويجة مع أني من الأنبار، لا أقول هذا تعصبا وتطرفا، ولكنني ارفض الكلام بأسلوب التقية وتعليب الكلمات كما يفعل السياسيون من هنا وهناك، والاعتزاز بالانتماء ليس عيبا ولا منقصة، الشعور بالانتماء أحد الحاجات الإنسانية الأساسية، وعنصر قوة في حياة الأفراد والمجتمعات، تنميه الدول الراقية وتعده ركيزة لبناء الشخصية الوطنية تغذي الإبداع والتفوق والإخلاص والتجرد والضحية.
لقد تعلمنا على يد شيوخ وأساتذة علمونا ولاء الإنسان الأول بحكم عقيدتنا ينبغي أن يكون للمعاني الإنسانية حياة وكرامة، *مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا* المائدة 32، ونحن المسلمون نؤمن بالله وكتبه ورسله، ومن عقيدتنا الولاء لعروبتنا أمة ووطنا فهما عنوان الهوية والوجود، وما الولاء للبلد والأهل إلا جزء من الولاء للعقيدة والوطن والأمة، إن انتماءنا هذا وولاءنا يعزز إنسانيتنا وإخلاصنا وصدقنا وحرصنا على الحق. ولطالما حرصت ألا أناقش أحداث العراق لكي لا أتعرض لأبناء وطني شعبا وحكومة بسوء، ولكن ما يكون لي السكوت على الظلم وأنا أرى قومي يسامون الخسف ويعانون مظالم التصفية والتهميش الرخيص. وسأكتب بصراحة وأمانة تفرضها الثوابت.
كيف تطلب الحكومة من المناطق العربية السنية الولاء والسكوت وهي ترتكب بحقهم الإبادة الجماعية؟ ألا يسأل السيد المالكي نفسه ماذا يفعل المعتصمون سلميا في ست محافظات طيلة أربعة أشهر حين لا يستجاب لهم؟ ولماذا كل المحكومين بالإعدام من السنة العرب، ولماذا 99 % من مئات آلاف المعتقلين والمسجونين من السنة العرب فحسب؟ ولماذا 90 % من المهاجرين والمهجرين هم من العرب السنة؟ ولماذا باعتقاد الحكومة أن كل انتحاري أو تفجير من تدبير القاعدة السنية أو فعل أهل السنة. ولماذا لا تكون المداهمات الليلية إلا على دورهم؟ وحتى لو افترضنا جدلا أن هذه الظواهر صحيحة، وأن المحكومين مجرمون نالوا الجزاء بمحاكمات عادلة، ألا يسأل السيد المالكي نفسه كأي إنسان عاقل ما الذي دفع العرب السنة إلى هذا السلوك والمسلك على غير عادتهم؟.
إذا تغافل السيد المالكي ومن معه وعجز عن إدراك العلة والسبب، يعرف الحقيقة المرة بالإجابة على ما أطرح من أسئلة، يا سيدي كم هي مساجد وجوامع السنة التي سلبت وصودرت وتحولت إلى حسينيات ومآتم؟ وهل بادرت الحكومة بإعادتها كما يفرض عليها الشرع والواجب؟ ومن اغتال مئات العلماء والفقهاء والمفكرين والأساتذة والأطباء السنة بالرصاص؟ ولماذا لم تتوصل لجان التحقيق المشكلة باغتيالهم إلى نتيجة، ولم تكشف جريمة واحدة؟ ولماذا يجتث العربي السني إذا كان عضوا بحزب البعث ولاسيما العسكري ويفقد وظيفته ولا يجتث نظيره الشيعي وقانون الاجتثاث واحد؟ ولماذا تسحب جنسية العراقي من أصول عربية ويمنح ملايين الإيرانيين الجنسية العراقية بيسر؟ ولو كان المعتصمون في الحويجة أكرادا أكان يجرؤ السيد المالكي على فض اعتصامهم بوحشية قوات سوات (الفرقة القذرة) ويقتل عشرات الشهداء بهذه الغلظة والقسوة؟ وهل يستطيع المالكي طرد نائبه الكردي ومنعه من ممارسة عمله كما فعل مع السيد صالح المطلق؟ أو كما فعل مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي؟ – فلا نامت أعين الجبناء – وهل يستطيع السيد المالكي التطاول على السيد السيستاني أو احدى المرجعيات الشيعية كما تطاول جهارا على الشيوخ وعلماء الدين السنة؟ هل يخبرنا السيد المالكي كم بعثيا أو مسؤولا شيعيا في عهد النظام السابق استولى المسؤولون بحكومته على بيته وأملاكه أم اقتصر الاستيلاء على دور العرب السنة فقط؟ هل يخبرني المالكي كم عربيا سنيا في حكومته سرق وأفسد واستطاع الهرب كما هُرب السراق والمفسدون من أبناء طائفته وحزبه؟ وكم مات منهم في السجن والمعتقل جراء التعذيب كما عذب ومات أبناء السنة الأبرياء؟ وكم امرأة اغتصبت من فتيات أبناء السنة؟ اعتقد ان الإجابة على هذه الأسئلة واضحة، ولدي المزيد من التساؤلات، وما قدمته يكفي للبرهنة أن العراق لن يكون دولة، ولن يكون السيد المالكي رئيسا، ولن تستقر له الأوضاع وتستتب، في ظل التهميش والإقصاء والتصفيات الجسدية والفكرية وسلب الحقوق لأهل السنة، وما لم يتوقف التعسف الطائفي، وتتغير سريرة السياسيين المتنفذين ويصلحوا أنفسهم لن يتغير الحال *إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ* الرعد11.