3 أكتوبر، 2024 7:12 م
Search
Close this search box.

السلامة الوطنية والضحك على الذقون ؟

السلامة الوطنية والضحك على الذقون ؟

فى العراق الذي يعانى أهله كل صنوف المعاناة وتتفاقم مشاكله يوما بعد يوم، فى بلد على وشك الإفلاس وتنخره الحرب الطائفية البغيضة ، فى بلد يتصاعد الصراع السياسى فيه وتنتهك حقوق الانسان ويقترب من أزمات اقتصادية كبرى بالإضافة إلى أزمة الطاقة القادمة ومأساة انقطاع الكهرباء المستمرة، فى بلد يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر ويعيش عشرات الآلاف منهم فى عشوائيات غير آدمية يرفع مجلس الوزراء مسودة مشروع للبرلمان تحت مسمى السلامة الوطنية والمقصود هو توجيه الرأى العام وصرفه عن مشاكله الحقيقية من خلال إثارة موضوع ما والحشد الاعلامى له لجعل الرأى العام ينتقل من القضايا التى كان مشغولا بها إلى قضية أخرى تشتت انتباهه فى الاتجاه الذى يريده المسيطرون على العملية السياسية لضمان بقاء مصالحهم الشخصية المريضة والدنيئة.يقول ناعوم تشومسكى المفكر الأمريكى الشهير ( إن السلطة لا ترضى بغير السيطرة التامة على اتجاهات الجماهير وإذا ضمنت هذه السيطرة عبر التغييب المستمر فلا أهمية للرأى العام الذى تتلاعب به الأنظمة كما تريد فى اتجاه مصالحها وإخفاء فشلها).
أن من بين هذه الاستراتيجيات:

أولا: إستراتيجية الإلهاء بالتفاهة

عبر إغراق النّاس بوابل متواصل من الاخبار والقضايا التافهة فى مقابل شحّ المعلومات وندرتها وهى استراتيجية ضرورية لمنع العامة من الوصول إلى المعرفة الأساسية كما جاء فى وثيقة الأسلحة الصامتة (حافظوا على اهتمام الرأى العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية اجعلوه مفتونا بمسائل لا أهمية حقيقية لها، أبقوا الجمهور مشغولا، لا وقت لديه للتفكير).

ثانيا: إستراتيجية إغراق الجمهور فى الجهل والغباء والخرافة

لابدّ من إبقاء الجمهور غير قادر على فهم التقنيات والأساليب المستعملة من أجل السيطرة عليه واستعباده بحيث يفقد القدرة على التفكير المنهجى ويتحلى بعشوائية التفكير والحكم على الأشياء وهذا عبر التعليم الذى يجب أن تكون نوعيته السائدة متدنية بحيث تحافظ على الفجوة التى تفصل بين النخبة المتحكمة والعامّة وأن تبقى أسباب الفجوة مجهولة لدى المستويات الأقل.

ثالثا: تحويل مشاعر التمرّد والرغبة فى الغضب إلى إحساس بالذّنب

عبر دفع كلّ فرد فى المجتمع إلى الاعتقاد بأنّه هو المسؤول الوحيد عن تعاسته، وذلك بسبب محدوديّة ذكائه وضعف قدرته أو جهوده وكسله وتقاعسه وهكذا بدلا من أن يثور ويطالب بحقوقه يحطّ الفرد من ذاته ويغرق نفسه فى الشّعور بالذنب، ممّا يخلق لديه حالة اكتئاب تؤثر سلبا على النشاط، ودون نشاط أو فاعليّة لا تتغير المجتمعات ولا تنشأ الثورات.
ويبقى السؤال الأهم عن دورنا فى مواجهة هذا التغييب الذى يضر بلا شك بمصالح الوطن ومستقبله.
•••
إن دور النخب الوطنيةهو توجه الجماهير إلى قضاياها الحقيقية ومشاكلها التى تمثل أولوية مع ترتيب هذه الأولويات والتركيز على كيفية مواجهتها بشكل إيجابى وبناء،، لأن المشاركة فى تغييب وعى الجماهير خطيئة لا تغتفر لأنها لا تضر جيلا واحدا بل تدمر أجيالا وأجيالًا،
•••
تمر كل الشعوب والأمم بفترات مظلمة من تاريخها ينتشر فيها الجهل وتسود العشوائية وينحط الذوق العام وتتدنى الاهتمامات وتختل الأولويات ولا تخرج هذه الشعوب من كبوتها إلا إذا تمسكت قلة واعية بعقلها وأبت الرضوخ ومسايرة الاتجاه العام وناضلت من أجل أن تنير الظلام لتبصر العيون وتسلحت بالعلم والمعرفة والضمير لتنتشل المجتمع مما أصابه.

حين يفيق الناس من سكرتهم ويتمردون على تغييبهم سيعرفون من صدقهم ومن كذبهم ومن عمل لصالحهم ومن أضرهم، اليأس قد يداهمك وأنت تتصدى لطوفان التغييب لكن تذكر أن هذا واجبك تجاه الناس والوطن فلا تمّل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات