21 ديسمبر، 2024 5:20 م

التطور التاريخي لمفهوم الثقافة

التطور التاريخي لمفهوم الثقافة

إذا أردنا فهم المعنى الحالي لمفهوم الثقافة واستعماله في العلوم الاجتماعية من الضروري أن ندرس تطورها التاريخي وأصلها الاجتماعي و تسلسل نسبها عبر التاريخ, وبالتالي فإنّ ما نقوم به ليس تحليل لغوي للكلمة ,وإنّما محاولة أن نعرف كيف تكونت هذه الكلمة وكيف تطورت فكرتها من خلال المراحل التاريخية التي مرت بها والأفكار التي ارتبطت بها حتى تمّ الوصول إلى ابتداع المفهوم العلمي الذي هي عليه الآن والذي تحول أيضاً عبر تاريخها من تعريف معياري إلى تعريف وصفي  .

ماهي مراحل تطور كلمة ثقافة عبر التاريخ؟

تطور الكلمة في اللسان الفرنسي منذ القرون الوسطى إلى القرن التاسع عشر:

1/ في أواخر القرن الثالث عشر.. ظهرت منحدره من كلمة لاتينية.. تعني العناية بالحقل والماشية ..أمّا في اللسان الفرنسي تشير إلى حالة الأرض المحروثة.

2/ بداية القرن السادس عشر: تطورت الكلمة فبعد أن كانت تدل على حالة الأرض المحروثة أصبحت تدل على الفعل وهو فلاحة الأرض.  

3/ منتصف القرن السادس عشر: تكون المعنى المجازي للكلمة فأصبحت كلمة ثقافة تشير إلى تطوير كفاءة.. أي الاشتغال بإنمائها. ولم يكن المعنى المجازي دارجا بكثرة.

4/ القرن الثامن عشر:

أ / بدأت كلمة ثقافة تفرض نفسها في معناها المجازي أي المعنى الدال على ثقافة الفكر. (وتحول المعنى من تهذيب الأرض إلى تهذيب العقل) ودخلت بمعناها هذا معجم الأكاديمية الفرنسية.. حيث أفرد ت مقالة كاملة عن معنى من معانيها القديمة وهي “فلاحة الأرض” ولم يُهمل معناها المجازي في مقالات أخرى وأخذت العناوين التالية: ” تربية , فكر , آداب , علوم ” حيث كانت تُتبع كلمة ثقافة بمضاف يدل على موضوع الفعل فيقال: ثقافة الآداب.. ثقافة الفنون.. ثقافة العلوم وهكذا.

ب/ تحررت كلمة ثقافة تدريجياً من علاقتها بالمضاف لينتهي بها الأمر لاستعمالها منفردة لتدّل على تكوين الفكر وتربيته .

ظلت “الثقافة” في القرن الثامن عشر مستخدمة بصيغة المفرد بدون إضافة وتأثرت بأيدلوجية  عصر الأنوار حيث اقترنت  ” الثقافة ” بأفكار التقدم والتطور والعقل ” وكانت تحتل مكان الصدارة في فكر ذلك العصر ويعتبر القرن الثامن عشر فترة تشكل المعنى الحديث لكلمة ثقافة ,وقد برز هذا التشكل في اللغة الفرنسية منذ عصر الأنوار  وأصبحت كلمة ثقافة من مفردات لغة ذلك العصر .

5/في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين:

 في هذه الفترة حازت كلمة الثقافة نجاحاً كبيراً اقتربت به من كلمة أخرى  أكثر نجاحاً منها وهي كلمة حضارة ,ورغم أنّهما تنتميان إلى نفس الحقل الدلالي إلا أنّهما ليستا مترادفتين تماماً وإن كان يُجمع بينهما أحياناً, فإذا افترقتا تستخدم الثقافة للدلالة على التقدم الفكري للفرد , والحضارة للدلالة على التقدم الفكري للجماعة , حيث كانت تطلق على الصيرورة التي تخلص الإنسانية من الجهل واللاعقلانية , وبناء على هذا المفهوم الجديد للحضارة قامت الطبقة البرجوازية  الإصلاحية بفرض تصورها للحكم في المجتمع إذ يرون أنّه ينبغي أن يرتكز على القوة والمعرفة , وينبغي أن تمتد الحضارة لكل الشعوب حتى البربرية وهذا واجب على الشعوب المتقدمة , وخالفهم في ذلك فولتير وروسو.