22 ديسمبر، 2024 2:17 م

PKK ومثلث الازمات بين بغداد وانقرة واربيل

PKK ومثلث الازمات بين بغداد وانقرة واربيل

خلال الشهور القلائل الماضية، لم يتوقف قصف سلاح الطيران التركي لعدد من المدن والقصبات العراقية الحدودية ضمن اقليم كردستان بشمال العراق، وقد خلف ذلك القصف المتواصل خسائر بشرية ومادية غير قليلة، واربك الاوضاع الحياتية لاعداد لايستهان بها المواطنين العراقيين الاكراد، حتى انه ارغم البعض منهم على الهجرة والنزوح الى اماكن اخرى اكثر امانا وهدوءا وبعدا عن مرمى نيران الجيش التركي.

وكالمعتاد، تبرر تركيا عملياتها العسكرية في الاراضي العراقية بملاحقة خلايا وتشكيلات حزب العمال الكردستاني التركي المعارض(PKK ) التي تتمركز في مناطق مختلفة من اقليم كردستان العراق وحتى خارج حدود الاقليم.

وقد تزامنت عمليات القصف التركي مع اجراءات اخرى، من قبيل تعليق رحلات الخطوط الجوية التركية من والى مطار السليمانية الدولي، بحجة استخدامه في تحركات بعض من قيادات حزب العمال وحركات اخرى قريبة منه، مثل قوات سوريا الديمقراطية(قسد)، في اشارة الى الزيارة التي قام بها قائد (قسد) مظلوم عبدي الى السليمانية بتنسيق مع رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل الطالباني مطلع شهر نيسان-ابريل الماضي، حيث تعرض عبدي في حينه لمحاولة اغتيال قرب المطار.

وعلى مدى اعوام طويلة يواجه العراق اشكالية او عقدة الصراع العسكري المسلح على اراضية بين تركيا وحزب العمال، وبحكم الكثير من التراكمات السلبية والظروف الاستثنائية والسياسات الخاطئة، تفاقمت المشاكل والازمات وازدادت الامور سوءا. وبينما كانت ساحة الصراع والمواجهة محصورة بجبال قنديل عند المثلت الحدودي العراقي-التركي-الايراني ومناطق حدودية اخرى، فأنه في الاعوام الاخيرة توسع وتمدد الوجود العسكري والاستخباراتي التركي ليصل الى تخوم محافظتي نينوى وكركوك، وربما الى اعماقهما، ليتوسع ويتمدد معه وجود حزب العمال.

واذا كانت هناك اسباب وعوامل مختلفة وراء استمرار التوتر والاضطراب السياسي والامني في اقليم كردستان، فأن السبب الرئيسي يتمثل بالصراع بين تركيا وحزب الـ(PKK)، ففي الوقت الذي يرتبط الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بعلاقات ايجابية جيدة مع انقرة، في مقابل علاقاته المتأزمة مع حزب العمال، وهو واقع حكمته ظروف جغرافية بالدرجة الاساس، فأن نفس تلك الظروف قد جعلت الاتحاد الوطني الكردستاني قريبا من حزب العمال وبعيدا عن الحكومة التركية، فضلا عن قربه من ايران.

وعلى ضوء هذه المعادلات توزعت مساحات النفوذ والتواجد لكل من انقرة وحزب العمال في مناطق اقليم كردستان، فعلى سبيل المثال، استغل الـ(PKK)، اجتياح تنظيم داعش الارهابي لمدينة الموصل ومدن عراقية اخرى في صيف عام 2014، ليؤسس له وجودا دائما في مدينة سنجار غرب الموصل، في الوقت الذي كانت تركيا قد انشات قاعدة عسكرية كبيرة وثابتة لها في ناحية بعشيقة شمال الموصل ضمت اكثر من خمسة الاف عنصر عسكري وامني وكميات كبيرة من الاسلحة المتطورة، عرفت بمعسكر (زليكان)، ناهيك عن اكثر من عشر قواعد عسكرية اخرى في مناطق متفرقة.

واذا كانت الحكومة الاتحادية في بغداد تلقي باللوم دائما على القوى الكردية العراقية لتنامي الوجود والصراع بين الطرفين التركيين، الحكومي والمعارض، فأن القوى الكردية، وبتحديد اكبر حكومة الاقليم، ترى ان الحكومة في بغداد، سواء في عهد نظام حزب البعث السابق، او بالنسبة للحكومات التي تبعتها بعد سقوط نظام صدام في ربيع عام 2003، هي التي سمحت او تغاضت او تهاونت في التعاطي الجاد مع الانتهاكات والتجاوزات الفاضحة للسيادة الوطنية. وهكذا بالنسبة للحكومة التركية التي تدعي ان المحافظة على امنها القومي يحتم عليها ملاحقة العناصر والتشكيلات المخربة وراء حدودها الجغرافية.

ومما لاشك فيه ان حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، ساهم بشكل او باخر في تعميق الخلافات والتقاطعات بين الحزب الديمقراطي وغريمه الاتحاد الوطني، وقلص فرص التفاهم والتوافق فيما بينهما، واكثر من ذلك، جعل الامور تتجه شيئا فشيئا الى تشكل ادارتين للاقليم، احداهما في اربيل والثانية في السليمانية، ولتنسحب الخلافات والتقاطعات الى قضايا وملفات عديدة، من بينها الموقف من الموازنة المالية الاتحادية، والانتخابات البرلمانية في الاقليم التي لم يتحدد موعدها النهائي حتى الان، وقبل ذلك الخلافات حول منصب رئيس الجمهورية.

ولعل اسقاطات وتداعيات وجود حزب العمال، اتسعت بمرور الوقت مع اتساع دائرة وجوده الميداني، لتخلق اوضاعا مضطربة ومرتبكة وقلقة امنيا واجتماعيا في مناطق تتميز بتنوعها القومي والديني والحزبي والسياسي، كقضاء سنجار مثلا، والذي كانت الحكومة الاتحادية قد ابرمت اتفاقا مع حكومة اقليم كردستان برعاية الامم المتحدة في التاسع من شهر تشرين الاول-اكتوبر 2020 لتطبيع الاوضاع فيه من خلال اخراج الجماعات المسلحة منه-المقصود هنا حزب العمال بالتحديد-تمهيدا لعودة النازحين اليه، بيد ان ذلك الاتفاق ولد ميتا ولم ير النور بسبب استحالة التوصل الى صيغة عملية لانهاء الوجود العسكري المسلح في القضاء المذكور.

ولايختلف اثنان على حقيقة ان الخيار العسكري لانقرة فشل فشلا ذريعا في القضاء على حزب العمال، ولا حتى تحييده، مثلما فشل خيار اعتقال زعيمه عبد الله اوجلان ووضعه في سجن منفرد بجزيرة امرالي منذ عام 1999 وحتى الان. وكذلك فأن التجربة اثبتت ان حزب العمال مهما بلغت قوته ومهما كان حجم الدعم الذي من الممكن ان يتلقاه من اطراف اقليمية ودولية، فانه لن يتمكن من الاطاحة بالنظام السياسي الحاكم في تركيا، وفي افضل الاحوال لن تتجاوز مديات وجوده وتأثيره مساحات هامشية في جنوب شرق تركيا.

بيد ان العراق في الاطار العام الشامل-واقليم كردستان تحديدا-يعد الطرف الاكثر تضررا، سياسيا وامنيا واقتصاديا، من استمرار ذلك الصراع العبثي غير المجدي.

ولاشك ان الزيارة المرتقبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان للعراق ستتضمن جدول اعمال حافل بجملة موضوعات وقضايا محورية مهمة، من قبيل تعزيز التعاون الاقتصادي، علما ان حجم التبادلات التجارية ربما تعدى الخمسة عشر مليار دولار العام الماضي، وازمة المياه والية معالجتها، وخصوصا بالنسبة للعراق المتضرر كثيرا، ومشروع طريق التنمية الاستراتيجي ومدى وحدود مشاركة تركيا فيه، وملف تصدير النفط العراقي عبر الاراضي التركية وسبل معالجة النقاط العالقة فيه. وزيارة اردوغان الى بغداد تأتي بعد شهور قليلة على فوزه في الانتخابات الرئاسية وتشكيله حكومة جديدة بدت مختلفة كثيرا عن سابقتها، لاسيما وان ملف الدبلوماسية والسياسية الخارجية التركية اصبح بيد هاكان فيدان رجل المخابرات القوي وكاتم اسرار الرئيس، والقريب من اوساط وشخصيات سياسية عراقية عديدة.

وفي كل هذه القضايا والملفات، فأن ملف حزب العمال سيكون حاضرا بقوة، مثلما كان حاضرا في كل الاوقات سابقا، مع اهمية التفكير بالحلول والمعالجات السياسية وعدم الاستغراق بالخيارات العسكرية، وضرورة اشراك كل الاطراف المعنية في بلورة الحلول، خصوصا القوى الكردية العراقية الرئيسية، التي كان لمواقفها المتباينة حيال حزب العمال والعلاقات مع تركيا، اثرا كبيرا في اتساع هوة الخلافات والتقاطعات فيما بينها، وفي توسع مساحات التواجد والصدام بين انقرة والـ(PKK) في العراق، وبالتالي في بقاء مجمل الملفات مفتوحة، والقضايا معلقة، والخلافات قائمة.
—————————–
*كاتب وصحافي عراقي