خاص : ترجمة – آية حسين علي :
قد لا يفهم الأطفال بعض الأمور، لكنهم يشعرون بكل ما يدور حولهم، قد يدخلوا في نوبات بكاء بمجرد رؤية شخص غريب أو سماع صوت عالي بشكل مفاجيء، وقد يتأثرون برؤية شخص يبكي، ومن المؤكد أنهم سوف يضحكون عندما يفسرون تعبيرات الوجه الباسم، ورغم عدم قدرتهم على التعبير إلا أن الإدراك لديهم يصل إلى مستويات لا ندركها نحن الكبار، لذا فهم يدركون من خلال ما يجري على لسان الكبار معاني كبيرة مثل “الحرب” و”الموت” ويفهمون أنها أمور سيئة، ويفرحون بكلمة “عيد سعيد”؛ وكل هذه الأمور تحفر في ذاكرتهم حتى وإن لم يتذكروها فيما بعد.
لم يكن أغلبية الأطفال في “يوغسلافيا” يعرفون معنى كلمة “حرب”؛ حتى شنت طائرات “حلف شمال الأطلسي”، (ناتو)، قصفًا استهدف عدة مناطق بالبلاد، استمر لمدة شهرين ونصف، (24 آذار/مارس 1999 – 11 حزيران/يونيو1999)، لكن هذا لم يقف حائلًا أمام تعرضهم لقنابل وصواريخ التحالف؛ فقتل منهم من قتل أما من نجوا فظلت الحرب عالقة في أذهانهم، وحتى الآن لا يعرف على وجه الدقة أعداد الأطفال الذين قتلوا خلال القصف، بينما ذكرت مصادر صربية أن عددهم 89 طفلًا، في حين وصف قائدو الحلف الخسائر المدنية بأنها؛ “خسائر جانبية”.
ووصفت عمليات (الناتو)، التي تمت بدعم دولي في “يوغسلافيا”؛ بأنها لم تكن دقيقة بالدرجة الكافية، إذ بدأت باستهداف مؤسسات عسكرية من أجل ثني الحكومة اليوغسلافية عن قمع الألبانيين في “كوسوفو”، خلال “حرب كوسوفو”، لكن طائرات التحالف ضربت فيما بعد مواقع اقتصادية وأحياء سكنية بعيدة عن أهداف عسكرية، وقتل المئات من المدنيين وأصيب آلاف.
من بين الأطفال الذين نجوا من قنابل الـ (ناتو)؛ الصحافية بوكالة أنباء (سبوتنيك) الروسية، “ماسا رادوفيتش”، التي قررت نشر قصتها مع القصف ومعانتها بعده، وقالت: “عندما بدأ القصف كان عمري بالكاد 8 أعوام، كنت في الصف الثاني الدراسي، لقد كنت صغيرة لدرجة أنني لم استطع فهم ما يحدث حولي، ومع ذلك كنت كبيرة بحيث أشعر بالخوف وأتذكر كل التفاصيل دائمًا”.
وأضافت: “نحن أيضًا كنا سعداء، لكن كنا نشعر بالإرتباك وعدم الفهم عندما توقظنا أمهاتنا في الليل لتغير لنا ملابسنا ونستعد للانتقال من المنزل”، وشبهت تأثير القنابل بـ”الزلازل الاصطناعية” القادرة على نقل كل شيء حتى الأثاث والجدران.
لكن سعادة الطفلة، “ميليكة راكيتش”، التي كان عمرها عندما بدأ القصف بالكاد 3 أعوام، لم تدم طويلًا؛ إذ بينما كانت تستعد للخلود إلى النوم في الساعة التاسعة مساء، سقط صاروخًا على منزلهم بالعاصمة، توفيت على إثره الطفلة، التي لم تعرف يومًا معنى كلمة “حرب”.
قطار “غرديليتسا”..
أشارت الصحافية إلى أنها كانت تتمنى السفر بالقطار لقضاء بعض الوقت بالقرب من البحر في فصل الصيف، فوعدها أبويها بذلك، لكن ما حدث في قطار مدينة “غرديليتسا” – تعتبر حاليًا ضمن الأراضي الصربية – غير خطط كل من كان يفكر في النزوح بالقطار، و”منذ ذلك الوقت إرتبطت القطارات في ذاكرتي بالموت”.
وكانت طائرة تابعة لـ (ناتو)؛ قد قصفت قطار ركاب أثناء رحلته من “بلغراد” إلى “ريستوفاك”، في 12 نيسان/أبريل من نفس العام، باستخدام 4 صواريخ، وحتى الآن لم يحدد رسميًا أعداد الضحايا، بينما عُثر على 9 جثامين ورفات 4 آخرين، بينهم وأطفال وإمرأة حامل، وبررت قيادة (الناتو) هذا الحادث بأن الطيار لم يستطع تحديد موقع القطار كي يتفاداه، وأنه اضطر إلى الاستمرار في القصف من أجل إصابة الهدف في الوقت الذي استمر فيه القطار في الإقتراب منه، في حين استغلت حكومة “يوغسلافيا” هذا الحادث في التدليل على جرائم (الناتو) ورغبته في تعذيب الشعب الصربي.
أطفال ضحايا القصف..
كانت الطفلة، “بوغانا توسوفيتش”، أحد أصغر ضحايا القصف، إذ قتلت قبل أن تكمل عامها الأول، في قصف نفذته طائرات التحالف بصواريخ (تاموهوك) الجوالة وقنابل عنقودية، في 10 نيسان/أبريل، على قرية لم يكن بها أية مؤسسات عسكرية، ومن بين القصص أيضًا يحكى أن 3 أطفال دخلوا إلى محل تجاري لشراء القليل من السكر، إذ كانت جدتهم تُعد لهم فطيرة وأرسلتهم لشراء السكر، ولسوء الحظ، ونظرًا لسبب ما، رأى قادة الـ (ناتو) أن هذا المحل مؤسسة عسكرية وأطلقوا عليه قذائف قُتل على إثرها الأطفال الثلاثة وثلاثة آخرين.