خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في مفاجئة مدوية يمكنها قلب الموازين والخطط الخاصة بسحب القوات الأميركية من “سوريا”، وفي هجوم هو الأكبر من نوعه ضد القوات الأميركية منذ بدء عمليات “التحالف الدولي” في “سوريا”، وقع انفجار ضخم بمدينة “منبج” السورية أثناء وجود قياديين من “مجلس منبج العسكري” مع وفد لم تحدد هويته، قُتل على إثره 4 جنود أميركيين، فيما أصيب 3 آخرون.
ونقلت وسائل إعلام عن وكالة (أعماق)، الذراع الإعلامي لتنظيم (داعش)، تأكيده أن مقاتلاً تابعًا للتنظيم فجر سترته الناسفة مستهدفًا دورية لقوات التحالف ما أدى لإصابة “3 جنود أميركيين على الأقل”.
وتقع “منبج”، شمال شرقي، محافظة “حلب” شمالي “سوريا”، على بُعد 30 كلم غرب “نهر الفرات” و80 كلم من مدينة “حلب”، في تعداد عام 2004، الذي أجراه “المكتب المركزي للإحصاء”، كان عدد سكان “منبج” نحو 100 ألف نسمة.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، (قسد)، على “منبج” الواقعة شمالي “حلب”، وتتكون هذه القوات بشكل أساس من مقاتلي “وحدات حماية الشعب” الكُردية، التي تعتبرها “تركيا” تنظيمًا إرهابيًا.
وأصبحت “منبج” موضع خلاف دولي وإقليمي مؤخرًا؛ بعد قرار الرئيس الأميركي بسحب قواته التي تساعد القوات الكًردية في السيطرة على المنطقة المحاذية للحدود التركية.
وتسيطر كل من “قوات سوريا الديمقراطية” و”مجلس منبج العسكري” وعدد قليل من “وحدات حماية الشعب” الكُردية على مركز المدينة وريفها، امتدادًا إلى خطوط التماس في شمال “منبج” المحاذية للحدود التركية وحتى مدينتي “الباب” و”جرابلس” الواقعتين في غربها.
لدفع “ترامب” إلى التراجع عن الانسحاب..
وفي أول تعليق على الحادث؛ رأى الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، أن التفجير الذي شهدته مدينة “منبج” السورية، الأربعاء، وأودى بحياة جنود أميركيين، يستهدف دفع الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، إلى التراجع عن تنفيذ قراره بالانسحاب من “سوريا”، مضيفًا: “لا أتوقع أن ترامب سيتراجع أمام الانفجار، وتراجعه يعني نصرًا لتنظيم (داعش) الإرهابي”.
وتابع “إردوغان”: “المعلومات المتوفرة لدي تفيد بأن الانفجار أسفر عن مقتل 27 شخصًا؛ بينهم 5 جنود أميركيين”.
من جهته؛ أكد وزير الخارجية الروسي، “سيرغي لافروف”، خلال مؤتمره السنوي، ضرورة سيطرة الحكومة السورية على المناطق التي ستنسحب منها القوات الأميركية مع مراعاة مصالح الأكراد وفقًا للقوانين السورية.
رفع مستوى خطر السفر لتركيا إلى المستوى الثالث..
وفي رد فعل ينبيء بما قد يحدث مستقبلاً، في أعقاب تفجير “منبج”، رفعت “الولايات المتحدة” مستوى خطر السفر إلى “تركيا” إلى المستوى الثالث.
وجددت الخارجية الأميركية، في بيان لها، تحذيرها لمواطنيها من السفر إلى “تركيا”، مطالبة إياهم بإعادة النظر في خططهم للسفر إلى “تركيا” بسبب الإرهاب، وخشية الاعتقالات التعسفية، بحسب صحيفة (زمان) التركية.
وأعلنت “الخارجية الأميركية” مستوى خطر السفر إلى “تركيا” عند المستوى الثالث، بينما يبلغ مستوى خطر السفر إلى المناطق الحدودية لـ”سوريا” و”العراق”؛ المستوى الرابع وهو الأعلى.
وحذر البيان، المواطنين، من السفر إلى المناطق التركية القريبة من الحدود العراقية والسورية بسبب المخاطر الإرهابية.
وأضاف البيان أن الجماعات الإرهابية تواصل مخططاتها لشن هجمات في “تركيا”، وأن الهجمات قد تقع دون سابق إنذار، مشيرًا إلى استهداف الهجمات للمناطق السياحية ومراكز النقل ومراكز التسوق والأبنية الحكومية والفنادق والنوادي الليلية والمطاعم ودور العبادة ومراكز الفعاليات الثقافية والرياضية والمؤسسات التعليمية والمطارات والأماكن العامة الأخرى.
وتطرق البيان إلى اعتقال عشرات الآلاف في “تركيا”، بينهم مواطنون أميركان استنادًا إلى مزاعم إرهابية، وأن هذه المزاعم تظهر كدوافع سياسية.
وذكّر البيان بالأوضاع التي قد يواجهها المواطنون بحظر السفر من “تركيا”، وأن انتقاد الحكومة والمشاركة في التظاهرات التي لا توافق عليها الحكومة التركية بشكل صريح قد تسفر عن السجن.
سنقاتل “داعش”.. وسنمضي في سحب القوات..
في الوقت ذاته؛ قال نائب الرئيس الأميركي، “مايك بنس”، إن “الولايات المتحدة” ستقاتل لتضمن هزيمة تنظيم (داعش)، مضيفًا: “سنبقى في المنطقة وسنواصل القتال لضمان ألا يطل (داعش) برأسه البشع مرة أخرى، وسنحمي المكاسب التي حققها جنودنا وشركاؤنا في التحالف”.
وأضاف “بنس”، أنه والرئيس، “دونالد ترامب”، يؤكدان أن واشنطن “ستمضي قدمًا” في خطة سحب قواتها من “سوريا”، مشيرًا إلى أن خطة الانسحاب لن تتأثر.
موضحًا، في خطابه أمس الأول: “نحن نبدأ في إعادة قواتنا إلى الوطن (…) لن نسمح أبدًا لبقايا تنظيم (داعش) بإحياء خلافتهم الشريرة والإجرامية”.
إشارة إلى أن الخطر لا يزال قائم..
وعلقت الصحف الأميركية على الحادث، حيث قالت صحيفة (واشنطن بوست)، عن الحادث، أن تلك العملية تُعد “أكبر خسارة بشرية أميركية في حرب الجيش ضد (داعش)”، مشيرةً إلى أن الهجوم الانتحاري بمثابة “إشارة” إلى أن الخطر لا يزال قائمًا في “سوريا”، رغم إعلان الرئيس، “دونالد ترامب”، عن الانتصار على التنظيم الإرهابي، قائلة: “يظهر وقوع الضحايا في سوريا أن سياسة ترامب، تعرض قواتنا للضربة”.
وأوردت مجلة (Washington Examiner)؛ أن السيناتور الجمهوري، “مايكل ماكول”، العضو بلجنة الشؤون الدولية بمجلس الشيوخ، دعا الرئيس الأميركي لسرعة إتخاذ إجراءات حاسمة وضمان عدم سحب الجيش من “سوريا”، إلا بعد القضاء الكامل على تنظيم (داعش).
وأكدت صحيفة (وول ستريت غورنال)، أن الهجوم الإرهابي بسوريا “زاد من حدة الخلاف في واشنطن”، فيما يخص خطة “ترامب” المتعلقة بانسحاب القوات الأميركية من “دمشق”.
كما أعلنت قناة (الحرة) الأميركية، أن “البنتاغون” يُجرى فيه حاليًا اجتماعًا موسعًا يضم رؤساء الأركان وقادة القيادة الوسطى، وعلى اتصال مع الرئيس الأميركي عبر الدائرة المغلقة، لمناقشة التفجير، في ظل رغبة “ترامب” بالرد عسكريًا على ذلك الأمر، وفقًا لمسؤول في “وزارة الدفاع الأميركية”.
محاولة لإعادة توزين التركي..
وبشأن توقيت التفجير، الذي هز مدينة “منبج” وأدى إلى قتل وجرح العشرات، يقول عضو أكاديمية الأزمات الجيوسياسية، الدكتور “علي الأحمد”، أنه بإمكاننا أن نحكم أولاً بالعقل والمنطق قبل أن نحكم بالمعلومة والتحليل، وبالتالي نتساءل: لماذا لم يقم تنظيم (داعش) بأي عملية عسكرية خلال كل هذا الوقت ضد الأميركان، في الوقت الذي كانوا فيه قريبين جدًا من (داعش)، وبالتالي من الواضح تمامًا، أن توقيت هذه العملية، له دلالات، وخاصة بعد إعلان الرئيس “ترامب” رغبته بسحب القوات الأميركية من “سوريا”.
ويشير “الأحمد” إلى أن من قام بالعملية، سواء كان (داعش) أم أي جهة أخرى، فإما أنها تريد أن لا تنسحب القوات الأميركية وأن يكون هناك حجة لعدم سحب هذه القوات، أو أنها من جهة أخرى، خاصة أن من أعلن عن هذه العملية هو الجانب التركي، ويبدو أن هناك شيء ما يجري تحت الطاولة بين التركي والأميركي، وفي معظمه ليس في صالح “سوريا” على الإطلاق، ومن الواضح أيضًا أن هناك محاولة لإعادة توزين التركي ليكون له وزن إقليمي كبير مما عليه الآن، خاصة أن الرئيس “ترامب” قد أعطى التركي ضوءًا أخضرًا فيما يتعلق بما يسمى، “المنطقة الآمنة”، التي نادى بها أكثر من مرة، الأتراك والسلطة التركية، بأنها تريد شريطًا حدوديًا، وهي منطقة نفوذ تركية حتى يكون لها حصة في السياسة وحصة في الاقتصاد، وفي غيرها من مكامن إدارة المحيط، وخاصة في “سوريا”.
وبالتالي؛ من الواضح أن هذه العملية بالمنطق قبل المعلومة، عملية مفبركة ليكون هناك مداخل لتنفيذ مثل هكذا عملية سياسية.
رسائل متعددة..
فيما أكد، الكاتب والمحلل السياسي التركي، “فراس رضوان أوغلو”: “إن هجوم منبج يحمل رسائل متعددة؛ فهناك من لا يرغب فى انسحاب القوات الأميركية من سوريا، كذلك هناك رسالة لتركيا بأن من دبر الهجوم قادر على ضرب الجنود الأميركيين، فكيف بالأتراك”، مضيفًا أنه قد تكون “الولايات المتحدة” قادرة على هزيمة (داعش)؛ إلا أنها لا تستطيع التغلب على خلاياه النائمة.
ولفت “أوغلو” إلى أن “واشنطن” ستسحب قواتها لـ”العراق”، أي ليست لمسافة بعيدة، وبالتالي سيكون هناك متابعة بشكل ما للقوات الكُردية من خلال ضباط استخبارات؛ لأنها الذراع الأميركي في المنطقة.
سيخلط الأوراق في شمال سوريا..
من جانبه قال “محمد رسلان”، مدير مكتب وكالة أنباء (الفرات) بالقاهرة: “إن هذا الهجوم سيخلط الأوراق فى منطقة شمال شرق سوريا، متوقعًا ألا تسحب الولايات المتحدة قواتها بشكل سريع، حيث خرجت تصريحات عديدة من بعض المسؤولين الأميركيين بأنهم مستمرون فى محاربة (داعش) من جميع النواحي الثقافية واللوجيستية والعسكرية”، مشيرًا إلى أن هناك أحاديث كثيرة تشير إلى أن مُنفذ الهجوم جاء من “جرابلس”، الخاضعة لإدارة “تركيا”، وبالتالي فإن “تركيا” متورطة في الهجوم، على حد قوله.