كتب – سعد عبد العزيز محمد :
إن حرب حزيران/يونيو عام 1967 لا تكاد تفارق ذاكرة العرب والإسرائيليين على حد سواء، فهي الحرب التي كانت شاهدة على هزيمة العرب واحتلال بقية الأراضي الفلسطينية وسيناء والجولان. ورغم الانتصار العسكري الكبير الذي حققته إسرائيل، إلا أن مكاسبها السياسية لم تكن على نفس المستوى. وفي هذا السياق نشر موقع “هاأرتس” مقالاً للكاتب والمحلل السياسي المُخضرم “أوري أفنيري” يحكي فيه شهادته عن تلك الحرب كما رآها، ثم يوضح العواقب الوخيمة التي جنتها إسرائيل وستجنيها من ذلك الانتصار اللعين.

فيقول الكاتب الإسرائيلي: “بعد بضعة أسابيع ستحتفل إسرائيل بالذكرى الـ50 لانتصارها في حرب عام 1967. وسوف نقرأ في هذه المناسبة مئات المقالات منها الغث والسمين، لكن الحدث يستحق ذلك وأكثر، وسأحاول قدر طاقتي أن أصف ما جرى كما عايشته حينها”.
متى علمت إسرائيل بدخول الجيش المصري إلى سيناء ؟
يسرد أوري أفنيري قائلاً: “في يوم عيد الاستقلال عام 1967، أي بعد 19 سنة فقط من قيام الدولة العبرية، بدأت الأحداث.. فحينما كان رئيس الوزراء “ليفي أشكول” يقف على منبر منصة العرض العسكري، قام أحد الأشخاص بوضع ورقة صغيرة في يده، فألقى أشكول إليها نظرة عابرة، ثم استمر كأن شيئاً لم يكن. وكانت هذه الورقة بها جملة قصيرة: “الجيش المصري دخل إلى سيناء”. وكانت الأيام القليلة التالية كفيلة بتأكيد هذه المعلومة الخطيرة، حيث قام الرئيس المصري “جمال عبد ناصر”، بإرسال جزء من الجيش إلى صحراء سيناء. وكان هذا استفزازاً صريحاً لإسرائيل، فما الذي جعل عبد الناصر، الذي كان خطيباً مفوهاً وسياسياً نابهاً، أن يقدم على مثل هذه المغامرة؟”.
عبد الناصر يدافع عن سوريا..
يرى الكاتب الإسرائيلي أن بداية الأحداث انطلقت من سوريا – التي كانت تُنافس مصر على زعامة العالم العربي – حيث سمحت لمقاتلي “ياسر عرفات” بمهاجمة أهداف إسرائيلية عبر حدودها. فهدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “إسحق رابين” بدخول دمشق إذا لم توقف سوريا هذه العمليات. فرأى عبد الناصر في ذلك فرصة مواتية ليُظهر من جديد أنه زعيم العالم العربي، فوجه تحذيراً لإسرائيل بعدم مهاجمة سوريا. ولكي يُشعر إسرائيل بجدية تحذيره قام بإرسال جيشه إلى سيناء، ثم طالب قوات الأمم المتحدة هناك بإخلاء بعض مواقعها، ولكن جميع القوات الدولية غادرت مواقعها.
موقف الشارع الإسرائيلي من التطورات المتلاحقة..
ويؤكد أفنيري قائلاً: “في المقابل سادت حالةُ من الذعر جميع أنحاء إسرائيل، حيث تم تعبئة جنود الاحتياط، فزاد خوف المواطنين. فقرر أشكول إلقاء خطاب عبر الإذاعة لتهدئة الرأي العام، وطلب حضور مستشاره الخاص الوزير “يسرائيل غاليلي” لمراجعة الكلمة. فأجرى غاليلي تعديلاً طفيفاً على نص الخطاب، حيث استبدل كلمة واحدة بأخرى، لكنه نسي أن يحذف الكلمة المستبدلة. وعندما وصل أشكول في خطابه لذلك الموضع تلعثم. فكان الانطباع الذي شعر به الجماهير هو أن رئيس الوزراء الذي يتولى أيضاً منصب وزير الدفاع، مرتبك بينما مصير الدولة على المحك”.
هل كانت إسرائيل حقاً تواجه تهديداً وجودياً ؟
يقول الكاتب: “قبل بضعة أشهر من اندلاع الأزمة دُعيت لإلقاء محاضرة في إحدى المستوطنات، وبعد المحاضرة حكى لي أحدهم أن قائد المنطقة الشمالية “دافيد أليعزر” كان يحاضرهم قبل أسبوع وقال لهم: “قبل أن أنام كل ليلة كنت أدعو الرب أن يقوم عبد ناصر بإدخال الجيش المصري إلى سيناء، لأننا سندمره هناك”. في ذلك الوقت كنت قد كتبت مقالاً بعنوان “عبد الناصر دخل إلى المصيدة”، فجاء كلام قائد المنطقة الشمالية ليؤكد وجهة نظري”.

ويضيف الكاتب: “حتى عبد الناصر نفسه أدرك أنه دخل إلى المصيدة، ولذلك حاول جاهداً أن يخرج منها، لكنه اختار الطريق الخطأ. حيث وجه تهديدات مروعة لإسرائيل، وأعلن عن إغلاق مضيق تيران، ولكنه على الجانب الآخر قام بإرسال أحد المقربين إليه سرًّا إلى واشنطن ليتوسل إلى الرئيس الأميركي “ليندون جونسون” أن يوقف إسرائيل عن شن الحرب. في الواقع، لم يغلق عبد الناصر المضيق لحظة واحدة، ولكن مجرد إعلانه عن ذلك جعل نشوب الحرب أمراً لا محيص عنه”.
اقتراح استفتاء لتقرير المصير..
ويحكي الكاتب الإسرائيلي أنه في اليوم الخامس للحرب، بعد احتلال الضفة الغربية مباشرة، قام بنشر رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء، دعاه فيها للإعلان الفوري عن إجراء استفتاء شعبي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، كي يعطيهم الخيار ليقرروا ما إذا كانوا يريدون العودة إلى سيادة الأردن، أو الانضمام إلى إسرائيل، أو حتى إقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل. ويضيف أفنيري: “بعد انتهاء المعارك، دعاني أشكول إلى لقاء شخصي، واستمع بتروٍّ إلى اقتراحي لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ثم ابتسم قائلاً: “أوري !.. أي نوع من التجار أنت؟.. عندما يريد أحد إجراء صفقة، فإنه يبدأ بطلب أقصى ثمن من الطرف الآخر بينما يقدم هو الحد الأدنى، ثم بالتفاوض يمكن والوصول إلى حل وسط. فهل تريد أن نقدم لهم كل شئ من البداية؟”.
إسرائيل الخاسر الأكبر..
يعتقد الكاتب أن إسرائيل لم تقدم أي شئ للفلسطينيين، فبعد مرور 50 عاماً على حرب 1967 لا تزال دولة احتلال. فقد تغيرت إسرائيل تماماً، واستولى المستوطنون على الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، أما “غزة” فأصبحت منطقة معزولة ومغلقة، وتحولت إسرائيل إلى دولة عنصرية استعمارية.
وختاماً يرى الكاتب أفنيري أن ذلك الانتصار العظيم هو تماماً كـ”لعنة نيسوس” المذكورة في الأساطير اليونانية، حيث تقول الأسطورة إن هرقل العظيم عندما قتل نيسوس – وهو مخلوق أسطوري نصفه إنسان والنصف الآخر حصان – تلطخ قميصة بالدم المسموم الذي سال من القتيل. ولم يستطع هرقل خلع القميص وعندما ظل يحاول خلعه تسبب القميص في موته. إن الأراضي الفلسطينية المحتلة هي بالنسبة لإسرائيل كـ”قميص نيسوس” الذي سيقضي عليها حتماً.