واشنطن – خاص
سأل موقع “ديفينس بوست” المعني بالقضايا الأمنية والستراتيجية خبيرين عن الدور الذي سيؤديه قادة الميليشيات الشيعية في الساحة السياسية العراقية، لا سيما بعد الانتصار العسكري على تنظيم داعش، فمن المرجح أن تشكل الانتخابات الحرجة في العراق، المقرر إجراؤها في 12 أيار/مايو 2018، مستقبل البلاد.
وحول الدور الذي تلعبه ميليشيات الحشد الشعبي وقادتها في الساحة السياسية العراقية؟ قدم كل الدكتورة نسيبة يونس والدكتور ريناد منصور، وكلاهما من مركز “تشاتام هاوس” البريطاني، وجهات نظرهما حول دور الميليشيات في السياسة العراقية وانتخابات عام 2018.
الدكتورة نسيبة يونس هي خبيرة في الشؤون العراقية، وتعمل مستشارة أولى للمعهد الأوروبي للسلام حيث تقدم المشورة بشأن جهود الوساطة رفيعة المستوى في العراق، وكانت قد وجهت في وقت سابق فرقة العمل المعنية بمستقبل العراق، التي ترأسها السفير الأمريكي في بغداد ريان كروكر، بصفتها زميلا بارزا في “مجلس الأطلسي” بالعاصمة واشنطن.
وتقول نسيبة يونس إن عملية تشكيل ائتلافات في الانتخابات العراقية هي دائما محفوفة بالتعقيد والمخاطر، ولكن في عام 2018 كان الأمر معقداً بشكل خاص. وكانت آخر انتخابات برلمانية عراقية قد جرت في عام 2014، قبيل أن يستولى تنظيم داعش على ثلث أراضي العراق. ومنذ ذلك الحين، أدى تقدم داعش والحرب اللاحقة لهزيمة الجماعة المتطرفة إلى تغير في حظوظ الجهات الفاعلة السياسية العراقية، ولكن لا أحد يعرف تماما إلى أي مدى تم ذلك التغير.
فالفائز الواضح في عام 2014، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أصبح دوره الآن يتضاءل كثيرا، بعد أن واجه عارضا خارجيا وداخليا للسماح بانتصار داعش. وفي الوقت نفسه، فإن شعبية رئيس الوزراء حيدر العبادي ومجموعة متنوعة من الميليشيات تدعى قوات الحشد الشعبي ترتفع، لأنها عملت على هزيمة داعش.
إلا الخبيرة يونس تستدرك “حرم العبادي من الوصول إلى الجهاز الانتخابي لحزب الدعوة بسبب معارضة زعيم الحزب نوري المالكي. ولذلك حرص العبادي على إيجاد تحالف انتخابي يمكن أن يساعده على ترجمة قوته الواسعة المتوقعة في التصويت إلى جهاز سياسي للحكم” وفي الوقت نفسه، “تخشى قيادات الحشد الشعبي من سعي المجتمع الدولي إلى منعها من الاستيلاء على زمام السلطة”، بل إن المجتمع الدولي يتساءل عن صحة ادعاءات العبادي بأنه ملتزم بتسريح قوات الحشد الشعبي.
العامل الإيراني
الآن، يبدو المشهد السياسي العراقي مهشما ومفتتا قبيل الانتخابات. هناك تحالفات شيعية وسنية وكردية متعددة، ويأمل كل منهما في إظهار سلطته النسبية في الواقع السياسي العراقي الجديد. وهذا يعني أن هناك العديد من التحالفات الممكنة التي يمكن تشكيلها بعد الانتخابات لتولي السلطة. وكما هو الحال في الانتخابات السابقة، “من المرجح أن تحاول إيران إقناع الأحزاب الشيعية في العراق بالعمل معا لتشكيل الأغلبية العظمى في الحكومة، وبالتالي حماية مستقبل قوات الحشد الشعبي وتأمين المصالح الإيرانية في العراق”، تقول نسيبة يونس.
وإذا لم يعمل الشيعة معا، فإن “الأحزاب السنية والكردية العراقية قد تتاح لهم الفرصة للعب صانع الملك وتحديد الفصيل الشيعي الذي يفوز بالسلطة. ويؤكد الأكراد بشكل خاص آمالهم على صفقة ما بعد الانتخابات التي يمكن أن تساعدهم على استعادة وضعهم في العراق، الذي أضعف كثيرا بسبب استفتاء الاستقلال الكارثي”.
ولكن بسبب طبيعة النظام الانتخابي وانتشار الائتلافات الصغيرة التي دخلت الانتخابات، يعني أنه من غير المرجح أن يكون هناك أي فائز واضح. وبدلا من ذلك، سيعتمد كل شيء على من يمكنه تجميع أكبر الائتلاف الحاكم بعد الانتخابات.
ماذا عن أمريكا ؟
وتخلص الخبيرة يونس “إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق نتائج إيجابية، فإنها يجب أن تشارك مشاركة عميقة في المساعدة على التوسط في التحالفات الإيجابية بعد الانتخابات. ومن المؤكد ان ايران ستشارك بشكل وثيق فى هذه العملية، واذا ظلت الولايات المتحدة غائبة فانها ستتخلى عن أرض سياسية هامة يمكن ان تشكل احتمالات الاستقرار فى العراق”.
عليك العيش مع الميليشيات !
من جهته يرى الدكتور ريناد منصور إن المجموعات القيادية داخل قوات الحشد الشعبي موجودة قبل فترة طويلة من إعلان داعش “دولة الخلافة”، بما في ذلك منظمة بدر (1982)، عصائب أهل الحق (2006)، كتائب حزب الله (2007) وحركة حزب الله النجباء (2013) ). وعلى الرغم من أن معظم المجموعات التي تشكلت بعد عام 2014 سوف تحل أو تندمج، فليس هناك ما يدعو إلى عودة قريبة هذه الجماعات الأقوى إلى مواقعها قبل 2014.
في الغرب، يركز النقد المعتاد لهذه المجموعات على الخطاب الطائفي أو عامل إيران. ويصنف الكثيرون الجماعات “إرهابيين”، وهو مصطلح مفيد في الدوائر السياسية ولكن غير ذلك في الدراسات التحليلية. ولم يكن زعماؤها دائما أشخاصا غير مرغوب فيهم، فقبل بضع سنوات فقط زار زعيم بدر هادي العامري البيت الأبيض. ووفقا لمصادر دبلوماسية غربية مختلفة، فإن مسؤولي هذه الجبهة منفتحون على التعاون.
تحليلنا، والقول للباحث منصور “يجب أن يذهب أعمق. فلا تزال بغداد تتقاسم القدرات والشرعية والسلطة مع قوات الحشد الشعبي. على سبيل المثال، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اعتمدت القوات المسلحة التابعة لحكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على دعم الحشد في استعادة كركوك. وفي هذه الحالة، تعاونت الميليشيات مع بغداد. وفي أحيان أخرى، تحدى قادة قوات الدفاع الشعبي قوة العبادي”.
وعلى الرغم من النبرة الرافضة للحشد في العواصم الغربية، فإن تلك القوات “تحظى بشعبية خاصة بين الأغلبية الشيعية في العراق، الذين يقدرون المقاتلين الذين لقوا مصرعهم في القتال للدفاع عن بلادهم، ويعتقدون أن فتوى آية الله العظمى السيستاني هي التي جندت مئات الآلاف. في العديد من الدوائر، ثمة هالة من الهيبة تحيط بالمقاتلين والمتطوعين”.
وخلافا لصراع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ضد الميليشيات في عام 2008 (بتوجيه من الأمريكيين ودعمهم)، فإن العبادي ليس أمامه خيار سوى اليوم سوى التعاون مع قوات الدفاع الحشد الشعبي.