خاص : كتبت – نشوى الحفني :
رغم الانتقادات الغربية الشديدة؛ أكدت “روسيا”، أنها لن تُغير خططها القاضية بنشر أسلحة نووية “تكتيكية” في “بيلاروسيا”، حيث أعلن الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، يوم السبت، أنه حصل على موافقة “مينسك” لنشر أسلحة نووية “تكتيكية” في الدولة المجاورة، التي يقودها أقرب حلفائه؛ “ألكسندر لوكاشينكو”، منذ العام 1994.
وأوضح “بوتين” أن التحضيرات ستبدأ اعتبارًا من الشهر المقبل لنشر هذه الأسلحة.
وبرر “بوتين” قراره؛ بنية “لندن” إرسال ذخائر بـ (اليورانيوم) المنضّب إلى “أوكرانيا”، وفق تصريحات صدرت مؤخرًا عن مسؤولة بريطانية.
كما دافعَ “بوتين” عن قراره نقل أسلحة نووية إلى “بيلاروسيا” زاعمًا أنّ “الولايات المتحدة” نشرتها منذ فترة طويلة في دول “حلف شمال الأطلسي”. فـ”ألمانيا وهولندا” من بين الدول الحليفة لـ”الولايات المتحدة” التي تسّتضيف أسلحة نووية على أراضيها.
وسّبق وأن وجه مسؤولون في “روسيا”؛ مرارًا، تهديدات مبطنة باستخدام أسلحة نووية في “أوكرانيا”، في حال حصول تصّعيد كبير في النزاع.
تنديد غربي بقرار “بوتين”..
وأثار الإعلان انتقادات شديدة من الغرب، فندّد “حلف شمال الأطلسي”: بـ”خطاب خطر وغير مسؤول” من جانب “روسيا”، فيما توعد “الاتحاد الأوروبي”؛ “مينسك”، بعقوبات جديدة في حال نفذت الخطة.
كذلك أدانت “الولايات المتحدة”؛ الإعلان الروسي، لكنّها جدّدت التأكيد على عدم وجود أيّ سبب يدعوها للاعتقاد بأنّ “روسيا” تتهيّأ لاستخدام سلاح نووي. وقال المتحدث باسم “وزارة الخارجية” الأميركية؛ “فيدانت باتيل”: “إنّه أحدث مثال على الخطاب التهديدي النووي غير المسؤول” من جانب “روسيا”.
نقلت (فرانس برس) عن “باتيل”؛ قوله: “لم يُشّر أي بلد آخر إلى احتمال استخدام السلاح النووي في هذا النزاع”، مذكّرًا بأنّ: “ما من بلد هدّد روسيا” أو “الرئيس بوتين”.
رسالة تضامن..
وغرَّدَ وزير الخارجية الليتواني؛ “غابرييليوس لاندسبيرغيس”، على (تويتر)؛ زاعمًا إن: “روسيا تُبدي وهنًا لا قوةً بتصرفها هذا. فالعقوبات الخطيرة المفروضة عليها ونشر قواتها في دول البلطيق والمزيد من أنظمة الدفاع الجوي والبحري على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي ستبثُّ رسالة تضامن وتصميم لا خوفًا ومماطلة”.
“أوكرانيا” تتهم “روسيا” بالابتزاز النووي !
طالبت “أوكرانيا” بعقد اجتماع طاريء لـ”مجلس الأمن الدولي” للتصدي: لـ”الابتزاز النووي”؛ الذي اتهمت “روسيا” بممّارسته.
وصرح المتحدث باسم (الكرملين)؛ “دميتري بيسكوف”، للصحافة: “بالطبع، إن ردود فعل كهذه لا يمكن أن يكون لها تأثير على خطط روسيا”.
موقف “بيلاروسيا”..
ودائمًا ما تطلب “بيلاروسيا” مرارًا من حليفتها؛ “روسيا”، وضع أسلحة نووية على أراضيها كجزء من عملية ردع عسكري ضد حلف الـ (ناتو).
ولم تُشارك “بيلاروسيا” مباشرة في النزاع في “أوكرانيا”، إلا أنها سمحت لـ”موسكو” بشّن هجومها من أراضيها على “كييف”؛ العام الماضي، بحسّب السلطات الأوكرانية.
ينقض تعهدًا مع رئيس “الصين”..
ومن المسّتبعد أن تُغيّر خطة الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، لنشر أسلحة نووية في جارته “بيلاروسيا”؛ التوازن الاستراتيجيّ في “أوروبا”، إلا أنها جعلته يُناقض تعهُّدًا قطعه على نفسه لنظيره الصيني؛ “شي جين بينغ”، قبل أيام قليلة.
وأعلنت “روسيا” و”الصين” أنّ: “جميع الدول التي تملك أسلحة نووية يجب أن تمتنع عن نشر تلك الأسلحة خارج حدودها”؛ في بيانٍ مشترك في نهاية زيارة “شي”، لـ”موسكو”؛ الأسبوع الماضي.
ونقلت (بلومبيرغ)؛ عن “طارق رؤوف”، خبير سابق في “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، قوله إن: “بيان بوتين يُلقي بظلالٍ من الشك على نتيجة اجتماعه مع شي. فمن الواضح أنه يُشير بإشارات نووية إلى جارته، في محاولة منه لتطمين جمهوره بأن روسيا على ما يرام، وأنّ الحرب في أوكرانيا تسّير على ما يرام”.
ويقول محللو منع الانتشار النووي؛ إنه لا توجد أي عوائق تقنية تمنع “روسيا” من نشر أسلحة لتأمين المخابيء البيلاروسيَّة؛ بحلول تموز/يوليو المقبل. وقال “بوتين” إن منشآت التخزين ستكون جاهزةً بحلول غُرّة تموز/يوليو، دون أن يُشير إلى موعد إرسال “روسيا” لأسلحة نووية إلى أراضي حليفتها.
تمركز الأسلحة النووية في “كالينينغراد”..
وتتمركز الأسلحة النووية الروسية بالفعل في “كالينينغراد”، وهي منطقة معزولة تقع بين “بولندا” و”ليتوانيا”، وأقرب جغرافيًّا إلى الأهداف العسكرية في “بحر البلطيق” و”أوروبا الغربية”؛ مما لو كانت متمركزة في “بيلاروسيا”.
ومع تعثُّر القوات الروسية في “شرق أوكرانيا”، كانت زيارة “شي”؛ لـ”موسكو”، التي استغرقت ثلاثة أيام هي الأبرز منذ بدأ “بوتين” عمليته العسكرية قبل أكثر من 13 شهرًا وأسفرت عن باقة من الاتفاقات الاقتصادية والنووية؛ بحسب ادعاءات الآلة الدعائية الأميركية والغربية.
نوايا “بوتين” والاحتياج لبذل الجهود الدبلوماسية..
وتُشير نيَّة “بوتين” لإعادة الأسلحة النووية إلى “بيلاروسيا”؛ إلى أنّ “بكين” و”موسكو” قد تُفسّران التزاماتهما بشكلٍ مختلف، إذ قال السفير الأميركيّ السابق؛ “مايكل ماكفول”، إن في هذه الخطوة عدم احترام لـ”شي” واستخفافًا به.
وقالت المتحدثة باسم “وزارة الخارجية” الصينية؛ “ماو نينغ”، يوم الإثنين: “في ظل الظروف الحالية، تحتاج جميع الأطراف إلى التركيز على بذل جهود دبلوماسية نحو تسّوية سلمية للأزمة الأوكرانية والتعاون لأجل تهدئة الأوضاع”.
وقال “بوتين” إنه تم تجهيز عشر طائرات لحمل أسلحة نووية في “بيلاروسيا”. وصرَّح للتلفزيون الحكومي بأنه أمَرَ أيضًا بإرسال صواريخ (إسكندر) الروسية قصيرة المدى القادرة على حمل رؤوس حربية نووية إلى “بيلاروسيا”.
تخّزين رؤوس نووية..
ولمَّا كانت “بيلاروسيا” جزءًا من “الاتحاد السوفياتي”، خّزنت عشرات الرؤوس الحربية المتنقلة والأسلحة النووية التكتيكية في قواعد مختلفة خلال الحرب الباردة. والعوائق التقنية أمام تجديد تلك البنية التحتية محدودة، وفقًا لـ”روبرت كيلي”، الخبير الأميركي السابق بالأسلحة النووية.
تغيّير خريطة الأمن الاستراتيجي في “أوروبا”..
ويتجنب الخبراء الروس؛ في الفترة الأخيرة، التعليق على خطوات (الكرملين)، التي تحمل غالبًا مفاجآت حتى للنخب المحيطة بالرئيس. ومثل قرار شن الحرب الذي فاجأ كثيرين، فإن سلسلة القرارات الرئاسية خلال العام الأخير، دلّت بوضوح، كما يزعم خبراء غربيون، على أن عددًا محدودًا جدًا من المقربّين إلى “بوتين” يعرفون مسّار تفكيره. ويطّلعون سلفًا على قراراته الحاسمة.
كما أنهم يرون أن “موسكو” مقبلة فعلاً على تغيّير خريطة الأمن الاستراتيجي في “أوروبا”، لأن هذه الخطوة سوف تقابلها خطوات أطلسية لتعزيز ترسانة نووية مقابلة في “بولندا” و”رومانيا”؛ وربما في بلدان أخرى أيضًا.
ويرفع هذا التطور من مخاطر التهديد النووي في القارة الأوروبية، لكنه لا يُشكل بالضرورة، كما يقول خبراء في “موسكو”، مؤشرًا إلى استعداد “بوتين” لاستخدام هذه الترسانة في الحرب الأوكرانية.
قدرات “روسيا” و”واشنطن” النووية..
وتمتلك “روسيا” أكبر قدرة نووية في العالم: 5977 رأسًا نوويًا، 2000 منها تكتيكية. أي بمعدل يفوق ترسانة “واشنطن” بعشرة أضعاف. من بين ما يقرب من ستة آلاف رأس حربي نووي روسي؛ (استراتيجي وتكتيكي)، تم إدراج نحو: 1500 على أنها قديمة، و2889 أخرى في الاحتياط، لتبقى: 1588 وحدة نووية في حالة التأهب، منها: 812 منتشرة على حاملات أرضية. وبالمقارنة؛ تمتلك “الولايات المتحدة”: 1644 رأسًا حربيًا في حالة تأهب، و”الصين” لديها: 350، و”فرنسا”: 290، و”بريطانيا”: 225.
يمنح “موسكو” الأسبقية..
ويرى آخرون أن نشر أسلحة نووية تكتيكية في “بيلاروسيا” لن يُغيّر كثيرًا من معادلات القوة لدى المعسكرين، لكن يمنح “موسكو” أسبقية في حال اضطرت إلى استخدام الأسلحة التكتيكية في “أوكرانيا”. وهو أمر رغم استبعاده حاليًا، لكنه مشروط، كما يقول خبراء، بعاملين: الأول استمرار تزويد “أوكرانيا” بتقنيات غربية وزيادة مستوى وفاعلية هذه التقنيات، والآخر احتمال تعرض الأراضي الروسية؛ (أو ما يدخل في عدادها)، لخطر جدي مثل هجوم كاسّح قد يُسّفر عن تقهقر واسع للقوات الروسية.
هنا؛ لا يمكن تجاهل أن “موسكو” عملت منذ فترة طويلة على إعداد الوضع في “بيلاروسيا” للانخراط بشكلٍ مباشر في الصراع العسكري إذا دعت الحاجة. كما أن “موسكو” و”مينسك” سارتا خطوات نحو تجهيز البنى التحتية البيلاروسية لاستقبال أسلحة نووية.
وفي هذا الإطار كان “لوكاشينكو” قد أعلن منتصف العام الماضي؛ أن بلاده قد اشترت أنظمة صواريخ (إس-400) المضادة للطائرات وأنظمة صواريخ (إسكندر). لكنه لم يُحدد ما إذا كانت صواريخ (إسكندر) التي نشرتها “روسيا” في وقتٍ لاحق في بلاده قرب الحدود الأوكرانية من النسّخة الحديثة القادرة على حمل أسلحة تكتيكية نووية.
وفي نهاية العام تم وضع الأنظمة الروسية المسلَّمة إلى “بيلاروسيا” في وضع التأهب القتالي، قبل ذلك، كان “لوكاشينكو” قد أعلن في خريف العام الماضي، عن إدخال تعديلات تقنية على طائرات (سوخوي-24) المشتراة من “روسيا” لتغدو قادرة على حمل أسلحة نووية. وهنا تُجدر الإشارة إلى أن “بوتين” أعلن أخيرًا، عن نقل عشر طائرات قادرة على حمل تلك الأسلحة إلى “بيلاروسيا” أخيرًا.
لكن؛ في ظل هذه المعطيات، والتكهنات الكثيرة، تبرز حقيقة أن “موسكو” لم تضع مجموعة صواريخ (إسكندر) المنتشرة على الحدود (البيلاروسية-الأوكرانية) تحت قيادة الجيش البيلاروسي. هذه الحقيقة قد تعني أن قرار نشر أسلحة نووية تكتيكية قد يكون تحت سيطرة الطواقم الروسية العاملة على قيادة تلك المنظومات، وليس تحت إمرة الرئيس البيلاروسي.
هذا لا يعني عدم وجود انخراط مباشر من جانب “مينسك”، التي ستتعرض بناها التحتية لضربات انتقامية إذا شنت “موسكو” هجومًا من أراضيها، الحديث هنا يدور عن بقاء قرار استخدام “النووي” بيد “بوتين” وحده.
يضغط على “واشنطن” لإجبارها على التفاوض..
في هذا الإطار؛ يُشير الخبير في السياسة النووية الروسية، الباحث في مركز السياسة الدولية والدفاعية في جامعة “كوينز” في “كندا”، “مكسيم ستارتشاك”، في مقابلة مع شبكة (ميدوزا)، إلى أن “بوتين”: “قرر عمليًا زيادة درجة التوتر في العلاقات بين روسيا والغرب”.
ووفقًا له؛ فإن (الكرملين) يُريد بالتالي أن يضغط على “الولايات المتحدة” لحملها على الجلوس على طاولة المفاوضات.
يُذكر أن “بوتين” حاول أن يفعل الشيء نفسه عندما أعلن تجميد العمل باتفاقية الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت). وحتى تعود “روسيا” إلى المفاوضات بشأن تلك المعاهدة طالبت “موسكو”؛ “الولايات المتحدة”، بإعادة النظر في سياستها تجاه “أوكرانيا”. ووضع كل الملفات المتعلقة بالأمن الاستراتيجي كرزمة واحدة متكاملة على طاولة البحث. يتوقع الخبير أن “الولايات المتحدة”: “لن تستجيب للعبة بوتين”، كما حدث في (الكاريبي)؛ (أزمة الصواريخ الكوبية في ستينات القرن الماضي)، رغم أنه أدخل العامل النووي إلى الحرب في “أوكرانيا”. ويُدلل على صحة استنتاجه تأكيد “واشنطن” أنها ليست بصّدد تغيير جاهزية قواتها النووية على خلفية الخطوة الروسية. بهذا المعنى، فإن العامل النووي رغم أنه يضاعف من المخاطر الحالية عمومًا، فإنه لا يدخل مباشرةً حتى الآن في إدارة الصراع المحتدم. يقول الخبير: “لم تتشكل بعد ظروف لتكرار أزمة الكاريبي، أوكرانيا وبيلاروسيا لا تعدان النسخة المحدثة من تلك الأزمة”.