8 أبريل، 2024 12:36 ص
Search
Close this search box.

بعد 20 عامًا على الغزو الأميركي لـ”العراق” .. عراقيون هاجروا لـ”واشنطن” يفتحون صناديق حكاياتهم !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات – كتابات :

عبر لاجئون عراقيون عن مشاعرهم تجاه “العراق”؛ الذي تركوه قبل 20 عامًا أو أكثر، بسبب الإضطهاد السياسي لبعضهم وغيرهم بات يبحث عن حياة أفضل، لكن بعد أن غزت “الولايات المتحدة”؛ “العراق”، وغيَّرت حياة الملايين إلى الأبد، وقتلت مئات الآلاف من المدنييّن في الحرب وما بعدها بات بعضهم يحّن لـ”العراق” من جديد.

وفقًا لمشروع رصد تكاليف الحرب بجامعة “براون” الأميركية، هناك: 9.2 مليون عراقي بين نازحين ولاجئين في الخارج، أدى الغزو الأميركي؛ عام 2003، إلى نزوح واحد من كل: 25 عراقيًا من ديارهم.

إحدى النساء العراقيات أخذت عائلتها وغادرت إلى “الولايات المتحدة”؛ في عام 2019، تاركة وراءها كل ما تعرفه.

وصل رجل عراقي إلى “الولايات المتحدة” مع أسرته بعد أيام فقط من هجمات 11 أيلول/سبتمبر، حيث أراد والده بدء حياة جديدة بعد مواجهة الاضطهاد السياسي.

امرأة أخرى؛ وهي “أميركية-عراقية” كانت تخجل من قبل من أنها ذات أصول عراقية، عادت إلى موطن والدها لمدة أربعة أشهر لترى الدمار الذي خلفته الحرب.

غادر إثنان منهم “العراق” كلاجئين، وعادت إحداهما إلى جذورها. سيجد هؤلاء الثلاثة أنفسهم في “الولايات المتحدة”، يتوقون إلى مستقبل أفضل.

ها هي قصصهم؛ كما يرصدها موقع (ميدل إيست آي-Middle East Eye) البريطاني.

مغادرة “العراق” إلى وطن مختلف..

قبل غزو “الولايات المتحدة”؛ لـ”العراق”، عاشت “شيماء خليل” حياة بسيطة. ولدت في محافظة “بابل”؛ عام 1984، وانتقلت عائلتها إلى “بغداد” عندما كانت في الخامسة من عمرها. عندما كبرت، كانت تستمتع بالسّير إلى المدرسة والبقاء في الخارج لوقتٍ متأخر دون أي خوف. لقد استمتعت بالذهاب إلى الأسواق المزدحمة مع عائلتها والتسّوق بما يُرضيها. لقد استمتعت بعدم الاضطرار إلى القلق.

لكن في آذار/مارس 2003، تغّير كل ذلك. تتذكر بوضوح كيف كان الجيش الأميركي يتجول في شوارع “بغداد” في سيارات ضخمة. كان الناس يُشاهدون الجنود من نوافذهم وهم يتسّكعون في الشوارع. قالت “شيماء” إنها شعرت وكأن هناك كابوسًا عليها أن تستيقظ منه.

وقالت لموقع (ميدل إيست آي) البريطاني: “استيقظت ولا يزال الأمر كابوسًا”.

وبعد سقوط نظام “صدام حسين”؛ قالت “شيماء”: “لم يُعد هناك نظام صدام حسين. كنا نظن أن أشياء أفضل ستأتي. اعتقدنا أنه ربما سنحظى بحياة أفضل ونرى التحسّن ونرى العراق يعيش. توقعنا حياة جميلة مختلفة عن نظام صدام”.

تحول أملها إلى خوف؛ حيث كان يسمع في كثير من الأحيان عن عمليات القتل في الشوارع. وأوضحت كيف كانت الأسواق تزدحم بالناس كل يوم سبت وأحد، لكن تلك الأسواق بالذات أصبحت أهدافًا رئيسة للقصف.

في 05 آذار/مارس 2007، انفجرت سيارة مفخخة في “شارع المتنبي”؛ بـ”بغداد”، في قلب مركز المجتمع الأدبي والفكري الذي يعود إلى قرون. قُتل أكثر من: 30 شخصًا وجُرح أكثر من: 100.

كانت “شيماء” تعرف بائعًا من مقهى قديم للغاية يبيع الشاي والقهوة العراقية التقليدية. افتتح صاحب هذا المقهى عمله منذ أكثر من 30 عامًا. تتذكر أنه أنجب أربعة أبناء، وفي ذلك اليوم لقوا جميعًا حتفهم.

وفي 03 تموز/يوليو 2016، فجر انتحاري؛ سيارة مفخخة في “حي الكرادة”؛ بـ”بغداد”، خلال شهر رمضان المبارك. دمرت النيران المتاجر وسّادت الفوضى. قُتل ما يقرب من: 300 شخص وجُرح: 200 آخرون. تتذكر “شيماء” أنها شعرت بالرعب عندما شاهدتها في الأخبار.

تقول إن أحد أصعب ما في العيش في “العراق”؛ خلال الحرب، كان الحفاظ على أمان أطفالها. كانت أولويتها الأولى هي طفليها وكانت لتفعل أي شيء لحمايتهما، كما حدث في 19 آب/أغسطس 2009، عندما شهدت انفجار قنبلة أمام عينيها.

من “العراق” إلى لاجئين في “أميركا” !

كانت “شيماء” تأخذ ابنها إلى روضة الأطفال؛ وفجأة وقع انفجار كبير خارج مكاتب “وزارة الخارجية”. تتذكر كيف غطت ابنها لحمايته ورؤية الزجاج يتشّظى إلى قطع صغيرة.

انتهى بهما الأمر بإصابات طفيفة وكلاهما نجا من الموت، لكن الحظ لم يُحالف الجميع. وقُتل ما يقرب من: 58 شخصًا في ذلك الانفجار.

وفي آذار/مارس 2019، قامت “شيماء” وعائلتها بالرحيل إلى “الولايات المتحدة” كلاجئين. إنهم يعيشون في ولاية “مينيسوتا”، وبينما تغيّرت حياتهم بشكلٍ جذري، لا يمكن لـ”شيماء” أن تنسّى الوطن الذي تركته وراءها.

تعتقد “شيماء” أن الحرب كانت غير مبررة وتلقي باللوم على حكومة “الولايات المتحدة” في عدم الحفاظ على السلام.

أمضت “خليل”؛ الأشهر الثمانية الأولى في “الولايات المتحدة”، في محاولة لمعرفة ماذا ستكون عليه في بلدها الجديد. تقول إنها لم تكن تعرف أحدًا. كيف تجد عملاً ؟.. كيف تتعامل مع المجتمع ؟.. كيف تؤسّس حياة كريمة لأطفالها ؟.. كيف تُحافظ على صحتها النفسية ؟.. كيف تُحافظ على ثقافتها ؟

بدأت العمل في مشروع المصالحة العراقية والأميركية، وهي منظمة غير ربحية في مدينة “مينيابوليس”؛ تهدف إلى بناء جسّور التواصل والتفاهم بين العراقيين والأميركيين. وهناك وجدت الشابة؛ “ليلى حسين”.

لاجئون عراقيون يبحثون عن جذورٍ لهم في بلادهم..

كانت “ليلى”؛ تبلغ من العمر: خمس سنوات، في 11 أيلول/سبتمبر 2001، وسبع سنوات عندما غزت “الولايات المتحدة”؛ “العراق”. كفتاة صغيرة ولدت في “الولايات المتحدة” لأب عراقي مسلم وأم مسيحية “سويدية-نرويجية”، شعرت “ليلى” بالخجل من هويتها.

لقد وصل الأمر إلى حدٍ أنها أرادت تغيّير اسمها بشكلٍ قانوني. لكن والدتها هي التي لم تسّمح لها بذلك. واليوم، هي سعيدة بأن والدتها كانت حازمة معها في هذا الأمر. استغرق الأمر منها وقتًا طويلاً لتفتخر باسمها العربي الأصيل.

وفقط حين التحقت بالجامعة؛ علمت: “بما كان يحدث بالفعل في الحرب”. التقت بأشخاص من الشرق الأوسط، ودرسّت اللغة العربية وبدأت العمل مع اللاجئين. سُرعان ما أدركت أنها تُريد إعادة الاتصال بجذورها. كانت الصلة الوحيدة التي كانت تربطها بـ”العراق” هي والدها وأجدادها.

لا يزال أجداد “ليلى” يعيشون في “بغداد”. تتذكر أنها سألتهم عن تجاربهم، لكنهم يتكتمون دائمًا. إنها تعتقد أن السبب في ذلك هو أن لديهم خوفًا عميقًا من أنها لن تكون قادرة على فهم ما عانوه حقًا. وكانوا يخافون حتى من ذكر اسم “صدام”. لقد شعروا أن شخصًا ما دائمًا كان يستمع ولا يمكنهم الوثوق بأحد.

في عام 2019، كجزء من برنامج لتعليم اللغة الإنكليزية، سافرت “ليلى” إلى “النجف”، وهي مدينة تبُعد حوالي: 160 كيلومترًا؛ جنوب “بغداد”، وواحدة من أهم مدن الشيعة. كانت تلك الأشهر الأربعة التي قضتها هناك هي التي غيرت حياتها.

وصلت “ليلى” إلى البلد الذي مزقته الحرب وتوقعت العداء لها كأميركية. لكن ما شهدته كان العكس من ذلك تمامًا.

خلال الأسبوع الأول لها هناك؛ دعتها إحدى جاراتها إلى منزلها وأقامت مأدبة عشاء. كانت المرأة قد فقدت إحدى ساقيها أثناء الحرب عندما قُصِفَ منزلها.

عندما طلبت منها “ليلى” أن تحكي المزيد عن الحرب، لم ترغب في الحديث. وفي المقابل، أرادت التعرف أكثر على “ليلى”.

تذكرت “ليلى” كيف كانوا يقولون لها: “مرحبًا بك في وطنك”، ويقولون لها: “أنتِ عراقية وهذا وطنك”. كونها من والدين مطلقين، لم تكن “ليلى” مرتبطة بهويتها الثقافية، لكن ذلك تغيّر بمجرد سماعها لتلك الكلمات وبمجرد أن شهدت بلد والدها.

كل يوم جمعة؛ كانت تذهب في رحلة ميدانية مع طلاب المدرسة الثانوية. كانوا في الغالب يزورون معلمًا تاريخيًا. في كل مرة شاهدت تلك المواقع، كانت تحزن قليلاً. كانت تفكر في سبب عدم سماعها بهذه الأماكن من قبل، وكم من الناس في عداد المفقودين الآن. تعتقد أنه شيء يجب على وسائل الإعلام إظهاره.

في كل مرة تبحث فيها عن “العراق” على تطبيقات بث الأفلام، كانت تجد أفلامًا وثائقية عن الحرب والعنف والإرهاب. قالت: “لكن هذا كله خطأ. هناك أهوار في الجنوب وجبال في الشمال. هناك الكثير من الأشياء في العراق”.

أوضحت “ليلى” أنها عندما كانت في “العراق”، سألت جميع طلابها عما إذا كانوا يُخططون للبقاء هناك وأين ينوون بناء مستقبلهم. ودُهِشَت حين قال معظمهم إنهم يُريدون البقاء في بلدهم والمشاركة في إعادة بناء “العراق”. أرادوا إصلاح البنية التحتية وإعادة السياحة.

إلى جانب عملها مع اللاجئين في “مينيابوليس”، تُعد “ليلى” أيضًا عضوًا في مجلس إدارة “مشروع المصالحة العراقية والأميركية”. بالنسبة لها، يتعلق الأمر دائمًا بالبقاء على اتصال بجذورها.

على بعد حوالي: 1123 كم، في ولاية “ديترويت”، لا يزال شاب اسمه؛ “أحمد الكعبي”، على اتصال بهذه الجذور.

من “العراق” إلى “الولايات المتحدة”..

كان ذلك في 27 أيلول/سبتمبر 2001، عندما وصل “أحمد”؛ وعائلته إلى الأراضي الأميركية كلاجئين. كان يبلغ من العمر ست سنوات وكانت عائلته تفر من الاضطهاد السياسي في “العراق”. كان اسم والده مدرجًا في قائمة الأشخاص المقرر استجوابهم بسبب أنشطتهم السياسية. لو بقوا، لكان من الممكن أن يُقتل، فحزم والد “أحمد” حقيبته وجمع أسرته وغادروا المنزل.

لكن وصولهم بعد 11 أيلول/سبتمبر، لم يسّهل الأمر على عائلته. في سّن مبكرة، حاولت والدة “أحمد” إخفاء مدى سوء الأمر حقًا. يتذكر مرة عندما وصلوا لأول مرة إلى ولاية “كونيتيكت”، قرروا الذهاب إلى الحديقة وتفقد الشاطيء.

سرعان ما قابلوا ضباط الشرطة هناك. لم يفهم “أحمد”؛ آنذاك، ما كان يحدث. لكنه عرف لاحقًا أن شخصًا قريبًا اتصل بالشرطة، لأنهم شعروا أنهم كانوا يشهدون: “نشاطًا مشبوهًا”.

لذلك؛ غادروا ولاية “كونيتيكت” واستقروا في “ديترويت”، “ميشيغان”، حيث كان هناك مجتمع عربي ومسلم راسّخ. لقد أرادوا أن يكونوا في مكان آمن يُشّبه إلى حدٍ ما وطنهم، وهو كذلك حقًا.

في عام 2017، أنشأ “أحمد” مع آخرين “الاتحاد العراقي-الأميركي”؛ في حرم جامعة “ميشيغان-ديربورن”. أصبح الاتحاد مساحة آمنة، حيث يمكن للناس أن يجتمعوا ويتعاونوا وينظموا ويدعموا بعضهم بعضًا ويعزّزوا ثقافتهم الغنية.

المنظمة الآن في أربعة فروع مختلفة. بمجرد تخرج “أحمد” في الكلية، أسّس المؤسسة “العراقية-الأميركية”، التي يرأسها حاليًا.

مهاجرين إلى “أميركا”..

منذ وصوله إلى “الولايات المتحدة”، عاد لزيارة موطنه ثلاث مرات. مرة واحدة في عام 2009، رغم أنه لا يتذكر الكثير من تلك الرحلة، ثم في عام 2013، ثم مرة أخرى في عام 2020، قبل جائحة (كوفيد) مباشرة. عائلته من مدينة “العمارة”، جنوب “العراق”، الواقعة على بُعد حوالي: 50 كيلومترًا من الحدود مع “إيران”.

يصف حيه بأنه بسّيط، ولكنه جميل وذو بوابات وجدران ملونة مليئة بأوراق العنب، مع أشجار النخيل التي تطغى على الشارع وتوفر الظل الذي تشتد الحاجة إليه في هذا البلد الحار.

قال إنه كان صغيرًا عندما فرّ من “العراق”، لذا فإن كل ما يعرفه عن البلد هو ما قاله له الجميع، والذي كان في الغالب يتعلق بمدى جمال البلد. ولكن عندما زاره في عام 2009، لم يتمكن من العثور على الأشياء الجميلة التي تحدثوا عنها، حيث غيرت الحرب الأشياء وكانت مدينته تفتقر إلى العديد من الموارد مثل بقية المدن الكبرى.

لكنه مع ذلك؛ استمتع بوقته هناك وساعده أجداده – الذين يقيمون الآن في “أستراليا” – وبقية أفراد أسرته جميعًا على تنسّيق الزيارة معهم في نفس الوقت، وهو أمر يصعب القيام به، لأن عائلته منتشرة في جميع أنحاء العالم.

أوضح “أحمد” أن معظم الذين غادروا “العراق” فعلوا ذلك بنية العودة؛ لكن ذلك لم يحدث قط.

بعد عشرين عامًا من غزو “الولايات المتحدة”؛ لـ”العراق”، لا يزال “أحمد الكعبي” متحمسًا كما كان دائمًا للتأكد من عدم نسّيان الحقائق الحقيقية للحرب. وتحرص “ليلى حسين” على بقائها متصلة بجذورها. وتُريد “شيماء خليل” أن ترى الأجيال الجديدة موطنها الأصلي. بالنسبة لهم، إنه “العراق”. سيكون دومًا “العراق”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب