وكالات – كتابات :
أعلن “بنيامين نتانياهو”؛ تأجيل التصويت على التعديلات القضائية لمدة شهر تقريبًا، فهل يعني ذلك أن الأزمة التي تُهدد باندلاع حرب أهلية في “إسرائيل” قد انتهت ؟.. أم أن مناورة رئيس الوزراء ستخلق أزمة أكثر عنفًا ؟
وتعيش “إسرائيل” حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسّبوقة في الأسابيع الماضية، تُنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يُريد “نتانياهو” وحلفاؤه في الحكومة؛ “إيتمار بن غفير”، وزير الأمن الداخلي، و”بتسلئيل سموتريتش”؛ وزير المالية، و”ياريف ليفين”؛ وزير العدل، تمريرها.
لكن مع تصّعيد المعارضة ووصول الانقسامات إلى صفوف جيش الاحتلال وقياداته، وإقالة وزير الدفاع؛ “يوآف غالانت”، بعد تعبيره علنًا عن رفض التعديلات القضائية، اتخذ “نتانياهو” خطوة إلى الوراء وأعلن عن تأجيل التصويت في (الكنيست) على تلك التعديلات، فهل يعني هذا نهاية الأزمة ؟
مناورة “نتانياهو” لشراء الوقت..
في خطاب بثه التلفزيون الإسرائيلي في وقت الذروة؛ قال “نتانياهو”: “من منطلق الرغبة في منع شقاق في الأمة، قررت تأجيل القراءتين الثانية والثالثة من أجل التوصل لتوافق واسع في الآراء”، واصفًا التحرك بأنه: “فرصة لتجنب حرب أهلية”.
وأضاف أطول رؤساء الوزارة بقاء في المنصب في تاريخ “إسرائيل”: “المجتمع الإسرائيلي يسّير على مسّار تصادمي خطير. نحن في خضم أزمة تُهدد الوحدة الأساسية بيننا”.
كانت خطة حكومة “نتانياهو”، التي توصف بأنها أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ الدولة العبرية؛ الذي يبلغ نحو 07 عقود تقريبًا، وتهدف إلى تمكين البرلمان من تجاوز قرارات المحكمة العُليا والسيطرة على التعيّينات القضائية، قد أثارت بعضًا من أكبر الاحتجاجات في “إسرائيل”، حيث وصف المعارضون الخطوة بأنها تهديد للديمقراطية.
ويتهم المعارضون؛ “نتانياهو”؛ بأنه يُريد تمرير: “الانقلاب القضائي” لأسبابٍ شخصية تتعلق بمحاكمته السّارية بتهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة، إضافة إلى وجود وزراء في حكومته؛ مثل “بن غفير” وغيره، مدانيّن من قِبل بالاحتيال ودعم الإرهاب، لدرجة أنها توصف بحكومة: “السّوابق”.
على أية حال قرر “نتانياهو” تأجيل مشروع القانون حتى الجلسة البرلمانية المقبلة؛ أي أن التأجيل مدته نحو شهر تقريبًا، لكن لا يبدو أن أيًا من الطرفين راضٍ بالقرار بشأن الأزمة، التي دفعت رئيس هيئة أركان الجيش للقول إن: “هذه الأوقات مختلفة عن أي وقتٍ مضى”.
ففي حين رحب بعض السّاسة الإسرائيليين على استحياء بالتأجيل، وصفه بعض شركاء “نتانياهو”؛ في الائتلاف بأنه خطأ، وقال زعماء الاحتجاجات إنهم سيواصلون التظاهرات لحين إلغاء التشريع تمامًا.
وأعلن وزير المالية المتشّدد؛ “بتسلئيل سموتريتش”، أن قرار تعليق الإصلاح خطأ، لكنه وعد بقبول قرار رئيس الوزراء.
وقالت “شكما بريسلر”، وهي من قادة الاحتجاج الرئيسيين، إن “نتانياهو” يحاول إضعاف المظاهرات. وأضافت: “الآن ليس الوقت المناسب لتقليل الضغط، وإنما زيادته”، بحسّب (رويترز).
ورغم تعهدات “نتانياهو” بضمان حماية الحقوق المدنية، فإنه لم يتراجع عن التعديلات، وهو ما يُشير إلى أن التأجيل قد لا يؤدي إلى خفوت المعارضة أو حدة الانقسامات؛ كما يأمل رئيس الوزراء، بحسّب تحليل لشبكة (سي. إن. إن-CNN) الأميركية.
اللافت هنا هو أن الحكومة الإسرائيلية، التي تولت المسؤولية قبل نحو: 03 أشهر، لم يكن ممكنًا أن ترى النور من الأساس دون تمرير تشريعات برلمانية تسمح لمُدانيّن بالاحتيال وبدعم الإرهاب بتولي مناصب وزارية، مما يُشير إلى أن التعديلات القضائية أو الانقلاب القضائي يُمثل حجر الزاوية لتماسّك الائتلاف الحاكم برئاسة؛ “نتانياهو”.
أما “نتانياهو” نفسه فهو يواجه ثلاث قضايا؛ تحمل الأولى الرقم (4000): في هذه القضية يواجه الاتهام بأنه قدم مجاملات عبر قنوات تنظيمية في حدود: 1.8 مليار شيكل؛ (حوالي: 500 مليون دولار)، لشركة (بيزك) الإسرائيلية للاتصالات. ويقول المّدعون في هذه القضية؛ إنه طلب في مقابل تلك الخدمات تغطية إيجابية لنفسه وزوجته؛ “سارة”، على موقع إلكتروني إخباري يُسّيطر عليه؛ “شاؤول إلوفيتش”، الرئيس السابق للشركة.
ويواجه “نتانياهو”؛ في هذه القضية، تهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، بينما يواجه “إلوفيتش” وزوجته؛ “إيريس”، تهمتي الرشوة وعرقلة العدالة. وينفي المتهمون الثلاثة التهم الموجهة إليهم.
وعود “نتانياهو” الخطيرة لـ”بن غفير”..
كانت “إسرائيل” قد عاشت؛ الإثنين 27 آذار/مارس 2023، واحدة من أخطر اللحظات في تاريخها، حيث وجَّه “بن غفير” الدعوة للقاعدة الانتخابية من المسّتوطنين واليمين المتطرف للنزول إلى الشوارع في مواجهة المحتجين الرافضين للتعديلات القضائية، وهو ما حدث بالفعل.
ففي أثناء إلقاء “نتانياهو” لخطاب تأجيل التصويت على التعديلات، تجمعت حشود ضخمة في “القدس” المحتلة و”تل أبيب”، بما شمل مظاهرة كبيرة نظمها مؤيدون من اليمين المتطرف للإصلاح، وأثار وجودهم مخاوف من وقوع أعمال عنف بين الجانبين، لكن المساء مر دون ورود أنباء عن أعمال عنف شديدة.
وقال “بن غفير” إنه وافق على التأجيل مقابل التزام بطرح التشّريع في جلسة (الكنيست) المقبلة، إضافة إلى اتفاق على تشكيل “حرس وطني” تحت إمرة وزارته، وهي خطوة ينتقدها خصومه بشده، قائلين إنها ستمنحه ميليشيات خاصة به.
وفي الوقت نفسه؛ احتشد عشرات الآلاف من أنصار مشروع التعديلات القضائية من اليمين خارج (الكنيست)، بناءً على دعوة من “بن غفير” وزعماء آخرين، كما حثت مجموعات من المسّتوطنين اليهود ومشّجعي كرة القدم من اليمين المتطرف الذين يؤيدون تلك التعديلات على الاحتجاجات، وقالت الشرطة إنها تُعّزز صفوفها بعد تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي بشّن هجمات عنيفة على إسرائيليين يسّاريين.
“جدعون راهات”؛ الباحث في “معهد ديمقراطية إسرائيل” وعضو هيئة التدريس في الجامعة العبرية بـ”القدس”، يرى أن قرار “نتانياهو” تأجيل التعديلات لن يؤثر كثيرًا على الاحتجاجات المعارضة، مضيفًا لشبكة (CNN) الأميركية أنه في حالة عودة حكومة “نتانياهو” لتمرير التعديلات، ستعود المظاهرات الرافضة.
“يمتلك المحتجون الآن البُنّية التحتية للخروج إلى الشوارع خلال دقائق”، بحسّب “راهات”، الذي أشار إلى أن الحركة الاحتجاجية ليست جماعة واحدة بل عشرات المجموعات، وربما يُقرر بعضها استمرار الاحتجاجات أصلاً رغم إعلان التأجيل.
الجنرال “تامير هيمان”؛ المدير الأسبق لإدارة الاستخبارات الإسرائيلية، يتفق مع “راهات” في أن قرار التأجيل لن يُنهي الأزمة: “المظاهرات ستستمر ما لم يخرج نتانياهو ويُقّر علنًا بأنه كان مخطئًا؛ وأنه سيلغي تمامًا تلك الخطط للتعديلات القضائية. هذا هو السيناريو الوحيد الذي سيُنهي الأزمة الحالية”.
إلى أين تتجه أزمة التعديلات القضائية في إسرائيل ؟
قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال؛ من المهم التوقف عند عدد من الحقائق تتعلق بـ”نتانياهو” نفسه ومدى قدرته على تمرير تشريعات مثيرة للجدل، مثل قانون تجريم توجيه أي انتقادات لجيش الاحتلال أو قانون المواطنة، الذي يُعتبر أن أي مواطن إسرائيلي غير يهودي هو مواطن درجة ثانية.
لكن هذه المرة يبدو أن “نتانياهو” وشركاءه اليمينييّن المتطرفين قد تمادوا كثيرًا لدرجة تُهدد الديمقراطية المزعومة أو قناع الديمقراطية وتسّقط ورقة التوت عن الدولة العبرية، فواجه “نتانياهو” وزمرته معارضة ضخمة هذه المرة، قد لا يتمكنون من المُضي قدمًا في وجودها، فماذا يعني ذلك ؟
فقوانين انتقاد الجيش والمواطنة، التي أقرتها حكومات يمينية سابقة برئاسة “نتانياهو”، لم تواجه نفس هذا الحجم من الاحتجاجات والانقسامات في الداخل، إضافة إلى الانتقادات من الحلفاء في الخارج، وبخاصة “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي”، وبالتالي من غير الواضح ما قد تكون عليه الأمور حال أراد “نتانياهو” وحكومته تمرير قانون التعديلات القضائية خلال الدورة البرلمانية المقبلة.
فالمخاوف بشأن الأمن القومي، وما وصفه: “بالانقسام العميق” في المجتمع الإسرائيلي، كانت قد دفعت وزير الدفاع؛ “يوآف غالانت”، إلى حث “نتانياهو” على إلغاء التشريع، مما دفع رئيس الوزراء إلى اتخاذ قرار بإقالته مساء الأحد، وهو القرار الذي أثار مزيدًا من الاحتجاجات، مما فاقم أزمة “إسرائيل” المستمرة منذ أسابيع وهدد بحدوث انقسامات في الائتلاف الحاكم.
إذ غّذت إقالة “غالانت” الاتهامات بأن الحكومة تُضحي بالمصلحة الوطنية من أجل مصلحتها الشخصية، خاصة في وقت يُعّزز فيه جيش الاحتلال وجوده في “الضفة الغربية” المحتلة، مع تصاعد العنف هناك.
الرئيس الإسرائيلي؛ “إسحق هرتسوغ”، قال إن تعليق مشروع القانون هو: “الشيء الصحيح فعله”. وقام “هرتسوغ” بتدخل نادر في السياسة؛ في وقتٍ سابق الإثنين، لمناشدة “نتانياهو” وقف تعديلاته القضائية من أجل الوحدة الوطنية.
وقال زعيم المعارضة؛ “بيني غانتس”، إن القرار وإن جاء: “متأخرًا أفضل من ألا يأتي أبدًا”، لكنه أضاف أنه لن يتنازل عن: “أساسيات الديمقراطية” في أي حوار بشأن القانون الجديد.
أما في الشوارع؛ فقد أكدت آراء الإسرائيليين الذين شاركوا في المُسيّرات المعارضة استمرار الانقسامات. فقال “بنغاي ساير”؛ المعارض للقانون الجديد: “الاقتراح الذي طرحه نتانياهو خطير للغاية. أي ديمقراطية تحتاج إلى ضوابط وتوازنات”. بينما قالت المؤيدة للحكومة؛ “أفيا إيتزاكي”، (23 عامًا): “لا أحد يُريد وقف التعديل لأن ذلك ليس جيدًا. لقد بدأوا عملية وعليهم إكمالها”، بحسّب (رويترز).
وبحسب تحليل لموقع (فوكس-Vox) الأميركي، فإن الانقسامات داخل “إسرائيل” أصبحت أكثر عمقًا لدرجة أنه حتى إذا ما نجحت المعارضة في هزيمة تحالف “نتانياهو” وإجبارهم على سّحب التعديلات القضائية نهائيًا، فإن ذلك قد لا يعني انتهاء أزمة “إسرائيل” الداخلية أو حتى تهدئتها.