خاص : ترجمة – لميس السيد :
على ما يبدو أن مصممي الأزياء الفلسطينيين إتجهوا لترك مجال الملابس التقليدية إلى “الموضة المستدامة”، وبدلاً من منح تصاميمهم الفرصة للانتشار الواسع على صفحات الموضة الراقية مثل “فوغ”، يقوم بعض المصممين الفلسطينيين بدمج أوراق هذه الصفحات في تصاميمهم الخاصة والفريدة.
تحتفي ممرات الموضة الفلسطينية اليوم بفساتين متعددة الألوان من المواد المعاد تدويرها؛ بما في ذلك البلاستيك المهمل، وصفحات مجلات الموضة المتطورة، والمئات من أعواد الثقاب المطلية بألوان “قوس قزح”.
بدأ “ماين علاوي”، مصمم الأزياء الرجالية، لمدة أربع سنوات، باستخدام مجموعة من المواد المعاد تدويرها، قبل عامين، في تصميم الملابس ويحاول الشاب، البالغ من العمر 22 عامًا؛ من مدينة “نابلس” في “الضفة الغربية”، إعادة تشكيل التصورات المحلية لاستخدام التطريز عن طريق إعادة تدوير المواد المستعملة وإعادة تدويرها وخياطتها في كل من الملابس الرجالية والنسائية، وخاصةً السترات الواقية من الرصاص.
“غالبا؛ التطريز أمر دارج في ملابس النساء وليس من الشائع أن يرتدي الرجال تطريزًا”، وفقًا لما قال “علاوي”، في حواره لصحيفة (ميدل إيست أي) البريطانية. “لذا أحاول أن أصنع شيئًا مختلفًا، وأن أجعل الناس يدركون أنه ليس للإناث فقط”.
باستخدام المواد المعاد تدويرها في تصميماته، يقول “علاوي” إنه يأمل في الحد من الإهدار وتشجيع الناس على تجربة شيء مختلف.
قالت الصحيفة البريطانية إن الإتجاهات الصديقة للبيئة ليست شائعة في “الضفة الغربية”، التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، منذ حرب الأيام الستة عام 1967. وعلى الرغم من أن “إسرائيل” لديها ما لا يقل عن 15 منشأة لمعالجة النفايات في “الضفة الغربية”، فإنها تُعيد تدوير النفايات المنتجة في الأغلب داخل “إسرائيل”، وليس “الضفة الغربية”، حسب تقرير عام 2017 لـ”جماعة حقوق الإنسان” الإسرائيلية.
ولكن وفقًا للتقرير؛ فإن الجانب السلبي مرافق معالجة النفايات هذه هو أن النفايات الخطرة هو منتج ثانوي، مما قد يلحق الضرر بالبيئة ويشكل مخاطر صحية على الفلسطينيين.
وبالنسبة للمجتمعات الفلسطينية، التي حاولت إنشاء البنية التحتية الأساسية، مثل مرافق معالجة النفايات، فإن المبادرات كانت معظمها دون جدوى، لأن الاحتلال الإسرائيلي يقف في طريق تطوير مثل هذه المشاريع.
إرتداء “القمامة” !
على الرغم من أن “علاوي” يريد التركيز على التصاميم باستخدام مواد مُعاد تدويرها، إلا ويقول إنه يواجه العديد من التحديات مع المجتمع المحلي، بسبب قلة الوعي.
“الناس ليسوا واعين بما فيه الكفاية لشراء منتج معاد تدويره… من غير الممكن تغيير كيفية تفكير الناس، إنه أمر صعب، لكن لدي أمل”، ويتذكر “علاوي” التعليقات على الـ”فيس بوك” من قِبل المستخدمين على تصاميمه، مشيرًا إلى أنهم وصفوها بـ”القمامة” التي تم جمعها.
كان الاهتمام باستخدام المواد المعاد تدويرها في تصميم الأزياء يتنامى ببطء في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة.
قالت الصحيفة البريطانية أن الأزياء السريعة والملابس الرخيصة، التي يتم التخلص منها بسرعة في نهاية الموسم، تشجع العملاء على شراء المزيد، ولذا فقد أضرت بالبيئة وزادت من النفايات في جميع أنحاء العالم.
وقد دخلت بعض أكبر العلامات التجارية للملابس في العالم؛ مثل “H & M” (اتش اند إم)، و”Zara” (زارا)، في مبادرات إعادة التدوير من خلال تشجيع المتسوقين على التخلي عن ملابسهم القديمة. وفي حين أن علامة (زارا) تتبرع بها للجمعيات الخيرية، فإن (اتش اند إم) تحولها إلى مجموعة من الملابس المروجة لفكر توعوي جديد.
وتستغرق ملابس علامة “Tactel” (تاكتيل) التجارية، المصنوعة من البلاستيك ومشتقات البترول ما يصل إلى 1000 عام حتى تتحلل.
فعندما يُطردون ويدفنون في مكب نفايات، تنتج الملابس المصنوعة من الألياف الطبيعية “غاز الميثان”، وهو غاز أكثر فعالية من “ثاني أكسيد الكربون”، مما يسهم في الإحترار العالمي.
ووفقًا لتقرير عام 2017 من “مؤسسة إلين ماك آرثر”، فإن إنتاج المنسوجات يصدر 1.2 مليار طن من الغازات المسببة للإحتباس الحراري سنويًا، أكثر من جميع الغازات من الرحلات الدولية والشحن البحري مجتمعة. ويتم حاليًا إعادة تدوير أقل من 1 في المئة من الملابس غير المرغوب فيها حاليًا.
تأثير إيجابي..
وسلطت الصحيفة البريطانية الضوء على تجربة، “حسام عمري”، 25 سنة، وهو من “جنين” في أقصى شمال “الضفة الغربية”، مصمم أزياء منذ عام 2014، بدأ بتجريب المواد المُعاد تدويرها في إبداعاته، حيث يقول “عمري”: “أتدرب على التصميم باستخدام مواد مُعاد تدويرها؛ لأنني أعتقد أنها أكثر جذبًا وتعطيني اسمًا خاصًا”.
لكن “العمري” يهتم أيضًا بالأثر الإيجابي للأزياء المستدامة على تقليل الإنفاق، حيث قال: “يجب أن تكون هناك ثقافة للحفاظ على البيئة في أفضل حالاتها، واستخدام المواد التي يمكن إعادة تدويرها”.
ويخلق “العمري” الملابس النسائية من أقمشة ذات جودة عالية، لكنها مهملة وسط إتجاه التصاميم العالمية، مثل “الساتان”، والمعدن القابل للطرق الممزوج بالقطن الناعم والفساتين المشدودة على شكل جرس من أعواد الثقاب المطلية.
التقى “علاوي” و”عمري”، لأول مرة في عام 2014، عندما بدأوا في دراسة تصميم الأزياء في “جامعة خدوري” في “طولكرم” في “الضفة الغربية”.
قالت الصحيفة أن الصمُمان لا يستخدمان سوى المواد المُعاد تدويرها لعروض المدرجات والمجموعات الجديدة لإظهار ما يمكن أن تحققه الموضة. يتمتع العملاء بخيار شراء التصاميم على المدرج أو تبديل المواد المُعاد تدويرها للمواد الجديدة.
أظهر كل من “علاوي” و”عمري” تصميماتهما المُعاد تدويرها في عروض الأزياء في جميع أنحاء “فلسطين”؛ بدءًا من مدرجات الجامعة، إلى قاعة “مدرسة الأصدقاء” الخاصة في “رام الله”، ومؤخرًا شاركا في عروض أزياء مُعادة التدوير في افتتاح “المركز الثقافي لمؤسسة القطان” في “رام الله”.
ويبيع “العمري” ملابسه في “مركز ستيلا فاشون”، في مسقط رأسه في “جنين”، والذي يمتلكه منذ عامين، ويبلغ متوسط تكلفة تصاميمه 50 دولارًا.
وهو يعمل حاليًا أيضًا على مجموعة من المواد المُعاد تدويرها؛ ليتم توزيعها على “دبي” من قِبل شركة “Moda Corner”. ومن هناك، سيتمكن أيضًا من التوزيع دوليًا والوصول إلى سوق أكبر من العملاء الذين يبحثون عن ملابس السهرة الفريدة من خلال موقع “Moda Corner” الإلكتروني.
ويأمل “علاوي”، الذي يبيع حاليًا فقط عبر الإنترنت أو مباشرة للعملاء، فتح دار للأزياء في “نابلس” لتشجيع مصممي الأزياء الفلسطينيين على العمل معًا، وهو الآن يعد مجموعة جديدة مُعاد تدويرها، تتكون بشكل رئيس من سترات مطرزة ومُعاد تدويرها.
- الصور نقلاً عن صحيفة (ميدل إيست أي) البريطانية.