خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
بذل النظام الإيراني كثيرًا من الموارد والطاقات في كل من “العراق” و”لبنان” لضمان ولاء النظام في البلدين له، لذا فإنه لن يسمح بتراجع نفوذه بسبب الموجة الجديدة من أحداث “الربيع العربي”.
كما يحاول الساسة الموالون لـ”طهران”، في “بغداد” و”بيروت”، استغلال نفوذهم للحيلولة دون تمكين المتظاهرين الشباب من الإطاحة بالحكومتين في البلدين؛ بحسب المحلل الإسرائيلي، “جي ألستر”، الذي عقب على الأحداث الأخيرة في “لبنان” و”العراق”؛ وحذر من أن “طهران” لن تسمح بإزاحة الموالين لها من السلطة في البلدين حتى لو اضطرت لاستخدام القوة وسفك الدماء.
أعداء إيران وراء الفتنة !
يقول “ألستر”؛ إن المظاهرات في “لبنان” و”العراق” تثير المخاوف الشديدة لدى النظام الإيراني، وهو ما دعا المرشد الأعلى، “علي خامنئي”، إلى التحذير من تداعيات تلك المظاهرات، متهمًا ما أسماهم بأعداء “الجمهورية الإسلامية” بتأجيج الفتنة والغليان في كلا الدولتين.
الاحتجاج على الفساد والتدخل الخارجي..
لكن “ألستر” يرى أن الاحتجاجات الشعبية لم تندلع، في بداية الأمر، بسبب تدخل “طهران” وممارسة نفوذها على الحكومتين العربيتين، كما تزعم وسائل الإعلام التابعة للمحور (السعودي-السُني).
بل إن السبب الرئيس، الذي أجج غضب الجماهير، هو انتشار الفساد وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وذلك الغضب موجه ضد أي مسؤول عراقي أو أية جهة أجنبية؛ مثل “إيران” و”الولايات المتحدة”، اللتين تتدخلان عسكريًا في “العراق”.
“نصرالله” أراد بقاء “الحريري” !
يضيف “ألستر” أن الاحتجاجات في “لبنان”، تراجعت قليلًا بعد استقالة رئيس الوزراء، “سعد الحريري”. ومن المعلوم أن تنظيم “حزب الله”، الشيعي المدعوم إيرانيًا، كان له نفوذ كبير على الحكومة اللبنانية المنتهية ولايتها، لذلك حاول “حسن نصرالله” إقناع رئيس الوزراء السُني بالتمسك بالبقاء في منصبه.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة (رويترز)، فإن “نصرالله” أرسل مستشاره السياسي لإقناع، “الحريري”، بعدم الخضوع لمطالب الشارع، لكن الأخير أصر على الاستقالة.
يجب التخلص من الساسة المنبوذين..
وحتى الآن لا أحد يعلم ما ستؤول إليه الأمور في “لبنان”. صحيح أنه تم إعادة فتح البنوك، بعد إغلاقها لقرابة أسبوعين، ودعا الرئيس المسيحي، “ميشال عون” – وهو حليف لـ”حزب الله” – إلى تشكيل حكومة مكونة من التكنوقراط، بحيث لا تعتمد على التمثيل الطائفي الذي يقره النظام السياسي المعقد في “لبنان”.
وكان هذا بالفعل هو أحد أهم مطالب المتظاهرين، الذين لا يعتقدون أن الإصلاحات الحيوية لاستعادة الوضع الاقتصادي ستأتي على يد أولئك السياسيين المنبوذين، الذين ينبغي استبدالهم حتى لو تركوا مناصبهم الوزارية وبقوا في البرلمان.
“حزب الله” يلمع صورته..
جدير بالذكر؛ أن تنظيم “حزب الله” اللبناني؛ بات يتعرض هو الآخر لهتافات التنديد من قِبل عموم المتظاهرين، بما فيهم الشيعة.
ومن جانبه؛ يحاول التنظيم أن يبدوا وكأنه يدعم مطالب الجماهير، لكن حينما تكون تلك المطالب ضد ممارسة نفوذه وتنامي قوته، فإنه يدعي أن هناك جهات أجنبية تسعى لجر “لبنان” إلى الفوضى.
وربما يكون ما حدث مؤخرًا من إطلاق صاروخ نحو طائرة إسرائيلية في جنوب “لبنان” بمثابة محاولة لصرف إنتباه الرأي العام اللبناني ولتلميع صورة الحزب الباهتة كحامي حمى “لبنان”.
العراق أسوأ حالًا..
أشار المحلل الإسرائيلي إلى أن الأوضاع في “العراق” أسوأ مما عليها في “لبنان”، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية.
فالأموال الدولية المخصصة لإعادة إعمار “العراق”، بعد الإنتهاء من محاربة “تنظيم الدولة”، لم تتدفق حتى الآن رغم مرور عامين. كما تسعى “الولايات المتحدة” ودول الخليج لحرمان “إيران” من الحصول على استثمارات في “العراق”. كما تمارس تلك الدول ضغوطًا على “بغداد” حتى توقف تعاونها مع “طهران”، كجزء من صراعات القوى الإقليمية.
وتقوم ثورة الغضب الشعبي في “العراق” على كاهل المواطنين الناقمين على الأوضاع، وأكثر هؤلاء من الشباب العاطلين الذين يحلمون بالتغيير ويصرون على عدم ترك الشوارع والميادين رغم ارتفاع أعداد القتلى والمصابين خلال الأسابيع الأخيرة.
“الحشد الشعبي” له مهمة محددة !
لقد قُتل أكثر من 250 شخصًا في المظاهرات، فيما يقول شهود العيان والعديد من المسؤولين، إن الميليشيات الشيعية، المنضوية تحت لواء “الحشد الشعبي”، هي المسؤولة عن سفك دماء المتظاهرين السلميين.
ويذكر أن قوات “الحشد الشعبي” كانت قد تأسست من أجل مهمة محددة، ألا وهي محاربة تنظيم (داعش) بعد إنهيار الجيش العراقي أمام المقاتلين الجهاديين بقيادة، “أبوبكر البغدادي”، في صيف عام 2014. فحينما رأت القيادة الشيعية العراقية كيف سقطت المدن المقدسة في قبضة “تنظيم الدولة”، الذي يُكفِّر الشيعة؛ قام المرجع الشيعي الأعلى، آية الله “علي السيستاني”، بدعوة المتطوعين من أهل الشيعة لمحاربة ذلك التنظيم السُني وحماية الأماكن المقدسة عند الشيعة.
لكن دور الميليشيات الشيعية اختلف كثيرًا الآن في “العراق”، حيث تتصدى بعض الميليشيات للقوات الأميركية بدعم من “إيران”. وترفض تلك الميليشيات نزع سلاحها حتى بعد إعادة بناء الجيش العراقي وقوات الأمن، والقضاء على تنظيم (داعش).
“سليماني” يدير المشهد العراقي !
ويشكل نواب الميليشيات الشيعية، ثاني أكبر كتلة في البرلمان، وهي إحدى الكتلتين اللتين تعتمد عليهما حكومة، “عادل عبدالمهدي”. وحينما وافق زعيم كتلة الميليشيات، “هادي العامري” – المقرب من “إيران” – على طلب زعيم الكتلة الثانية، “مقتدى الصدر” بسحب التأييد للحكومة، تم على الفور إرسال قائد فيلق القدس، “قاسم سليماني”، إلى “العراق”.
علمًا بأن “سليماني” – المسؤول عن قيادة الميليشيات الشيعية في دول المنطقة – كثيرًا ما يزور “العراق”. لكن وفقًا للتقارير التي نُشرت بعد الزيار الأخيرة، والتي جرت الشهر الماضي، فإنه لم يأتي لـ”العراق” كمستشار فقط، وإنما أتى لإدارة المشهد. فيما قالت عدة مصادر إن “سليماني” مارس ضغوطًا على “العامري” كي يواصل دعمه لحكومة “عبدالمهدي”.
سيناريو سوريا قد يتكرر في العراق..
أخيرًا يوضح “ألستر” أن استعداد “إيران” لممارسة القوة لحماية مصالحها، ليس بالأمر الجديد. فلقد سبق وأن أقترفت “إيران” ذلك بالفعل عندما تدخلت بشكل مباشر لإنقاذ نظام “بشار الأسد”، الذي إرتكب المجاذر ضد شعبه من أجل الحفاظ على السلطة.
وفي ظل نجاح “إيران”، في “سوريا”، وتقاعس الدور الأميركي في عهد الرئيسين، “أوباما” و”ترامب”، فقد تُقدم “طهران” على تكرار نفس السيناريو في “العراق”، من أجل الحفاظ على نفوذها حتى لو كلفها ذلك سفك دماء العراقيين.