خاص : ترجمة – لميس السيد :
تتعرض “المملكة السعودية” لموجة هجوم مستمر منذ مقتل الصحافي السعودي، “جمال خاشقجي”، واختفاء جثته، لدرجة تصاعد الأصوات المطالبة بضرورة الإطاحة بولي العهد المتحكم في زمام أمور المملكة منذ 2015.
رأى “غورغيو كافييرو”، المدير التنفيذي لمركز تحليلات دول الخليج في “واشنطن”، في مقال نشره موقع (كونسورتيوم نيوز) الأميركي؛ أنَ “الولايات المتحدة” ستضطر لتقبل فكرة أن “ابن سلمان” سيحكم المملكة، وأفترض “كافييرو” أن هناك بعض صناع السياسة الأميركية الذين يملكون الحق في إعادة ترتيب هيكلة السلطة السعودية. إذ اتهم السيناتور الجمهوري، “ليندسي غراهام”، الأمير “محمد بن سلمان”، بأنه «مجنون»، في تشرين ثان/نوفمبر 2018، وأكد أنه يجب أن يرحل.
ويحمل الصراع الدائر بين نخب السياسة الأميركية، حول الإطاحة بـ”ابن سلمان”، دلالات على خطورة الوضع، حيث أن “واشنطن” لم يسبق لها التدخل في صراعات السلطة في المملكة منذ الستينيات. لكن إلتجاء “الولايات المتحدة” إلى قبول التعامل مع “الملك” محمد، بغض النظر عن تفضيلات بعض الساسة داخل “واشنطن”؛ بشأن خلافة “المملكة العربية السعودية”.
ويعتقد “كافييرو” أن عصر نموذج القيادة التقليدي السعودي، الذي يعود إلى الحقبة التي سبقت ظهور “ابن سلمان” قد إنتهى، إذ كان ذلك النموذج يعتمد على صنع القرار الجماعي وبناء التوافق بين مجموعة كبيرة من الأمراء. واستبعد وجود أي تحد موثوق لحكم “ابن سلمان” أو موقعه في تسلسل الخلافة، بغض النظر عن حجم الضغط الذي قد تحاول “واشنطن” فرضه، استنادًا إلى حجم السلطة التي يتمتع بها ولي العهد.
بحسب المقال؛ قبل قضية “خاشقجي”، ترسخت سلطة “ابن سلمان” داخل “الرياض” لدرجة أن الأمير الشاب لم يواجه أي قيود من أفراد أسرة “آل سعود” نظريًا. ونجح “ابن سلمان”، خلال الأشهر الأخيرة، في زيادة ترسيخ سلطته داخل المملكة، رغم الانتقادات التي تعرَّض لها من صُنَّاع السياسة الأميركيين في أعقاب توصل “وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية” إلى أنَ ولي العهد هو من أمر بقتل “خاشقجي”.
بديل جيوسياسي..
ويرجِح “كافييرو” أن تؤدي هذه الضغوطات إلى تسريع تحول “الرياض” الجيوسياسي نحو الشرق، وهو الأمر الذي دفع بـ”السعودية” إلى زيادة الاستثمار في علاقاتها مع “الصين” و”الهند” و”باكستان” و”روسيا”. وتُحاول “الرياض” أيضًا تنويع تحالفاتها وشراكاتها العالمية من أجل زيادة استقلالها الجيوسياسي عن حلفائها الغربيين التقليديين، وذلك في ظل تشكيك القيادة السعودية في مدى إلتزام “الولايات المتحدة” بحماية أمن المملكة على المدى الطويل.
ويرى “كافييرو” أيضًا أن صمت تلك الحكومات، غير الغربية، في ما يتعلق بملف “خاشقجي” يؤكد على رغبة تلك الدول في تجنب انتقاد المملكة حول إنتهاكات حقوق الإنسان – وهو الموقف الذي أكسبها رضا “محمد بن سلمان” – من أجل الاستفادة من كل ما يُمكن أن تُقدمه لها علاقاتها الوثيقة مع “الرياض”. وبالنسبة لـ”الصين” و”روسيا”؛ فقد منحتهما قضية “خاشقجي” فرصةً لزيادة الصدع بين “الولايات المتحدة” وحليفها الرئيس في الخليج.
يعتقد “كافييرو” أن تحالف “الرياض” مع “واشنطن” ربما يواجه أزمة ثنائية غير مسبوقة في حال اتفق خليفة “ترامب” في الرأي مع السيناتور، “غراهام”، حول أنَ “ابن سلمان” لا يجب أن يُصبح ملكًا لـ”السعودية”. ولا يستطيع ولي العهد زيارة “واشنطن” في الوقت الحالي، نظرًا للضربة الكبيرة التي ألمت بسمعته بين صناع السياسة الأميركية وأعضاء الإدارة في “واشنطن” إثر مقتل “خاشقجي”.
ولا شك، بحسب الكاتب، في أن التساؤلات حول العلاقات “السعودية-الأميركية”، في الحقبة التي ستعقب “ترامب “تُثير قلق القيادة السعودية، رغم أنَ “ابن سلمان” ما يزال قادرًا في الوقت الحالي على مواصلة العمل مع الرئيس الأميركي، الذي تكبدت إدارته الكثير من العناء لتفسير الشكوك حول قضية “خاشقجي” في صالح ولي العهد.
ولا يستطيع “ابن سلمان” تجاهل هذه المخاوف نظرًا للخطاب الذي يتبنَّاه بعض المُرشحين للرئاسة، مثل السيناتور الديمقراطي، “بيرني ساندرز”، والسيناتور الجمهورية، “تولسي غابارد”، في ما يتعلَّق بـ”المملكة العربية السعودية” والتحالف “السعودي-الأميركي”.
مصير محتمل..
وأشار “كافييرو” إلى وجود سيناريو محتمل يتعرض فيه لـ”ابن سلمان” للاستهداف من الداخل، حيث يمكن أن يلقى نفس مصير “أنور السادات”، الرئيس المصري الذي تعرض للاغتيال. وهذا سيمنع ولي العهد من أن يُصبح “خادم الحرمين الشريفين”، (اللقب الرسمي لملك السعودية منذ عام 1986). لكنَّ “كافييرو” يستبعد حدوث هذا السيناريو، ويرجِّح أنَّ “ابن سلمان” سيصبح ملك “المملكة العربية السعودية” المُقبل، حتى لو أثار ذلك غضب “مجلس الشيوخ الأميركي”.
وسيضطر الكثير من المسؤولين الأميركيين داخل “واشنطن” إلى قبول هذا الأمر الذي يرفضونه الآن؛ لأن لديهم الكثير من المشكلات مع “ابن سلمان”. وسيتعين على “الولايات المتحدة”، بطريقة أو بأخرى، أن تتحمل حكم “الملك محمد” للسعودية، التي تُعَد أهم الحلفاء العرب بالنسبة لـ”الولايات المتحدة”، والدولة التي تقود العالم في إنتاج وتصدير النفط.
ويؤكِّد “كافييرو” على أن صعود “محمد بن سلمان” إلى كرسي العرش السعودي ستترتّب عليه آثار ملموسة في كافة أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وربما تتجاوزها كذلك. إذ إتخذ الأمير الشاب قرارات سياسة خارجية تعكس جرأته وتفكيره المندفع، مثل الحرب في “اليمن”، وحصار “قطر”، والأزمة الدبلوماسية “السعودية-الكندية”، في آب/أغسطس عام 2018، واعتقالات “فندق ريتز-كارلتون”، وملحمة “سعد الحريري”، عام 2017.