خاص : كتبت – نشوى الحفني :
استأنف “مجلس الشيوخ” الأميركي، أمس السبت، جلسات محاكمة الرئيس السابق، “دونالد ترامب”.
وصوت المجلس لصالح استدعاء شهود في محاكمة “ترامب”، بأغلبية 55 صوتًا مقابل 45 صوتًا.
من ناحية أخرى، كشف زعيم الجمهوريين بالمجلس، “ميتش ماكونيل”، أنه سيصوت ضد إدانة الرئيس السابق، “دونالد ترامب”، فيما تقترب محاكمة الأخير من نهايتها بتبرئة محتملة، وهو ما تنشره وسائل الإعلام الآن.
وكتب “ماكونيل” في رسالة لزملائه، نقلتها وسائل الإعلام: “سأصوت من أجل التبرئة”، ما يجعل من المرجح بشدة أن يفشل الديمقراطيون في تأمين غالبية الثلثين في “مجلس الشيوخ” لإدانة “ترامب” بتهمة التحريض على التمرد.
واتهم الفريق القانوني لـ”ترامب”، الإدعاء في محاكمته بـ”مجلس الشيوخ”، بشن: “حملة مطاردة سياسية” ضده، ونفى بشدة التهمة القائلة بأن كلماته وأفعاله حرضت على أعمال العنف في مبنى (الكابيتول) الأميركي، حيث أنهى المحامون دفاعهم الحاد واستعدوا: لـ”خاتمة سريعة للمحاكمة”.
عمل غير دستوري للانتقام السياسي..
واهتمت الصحف بتغطية تلك المحاكمة والتعقيب عليها، فقالت صحيفة (الغارديان) البريطانية؛ إن المحامين واثقين من أن محاكمة “ترامب” الثانية، غير المسبوقة، ستؤدي مرة أخرى إلى التبرئة، لذا نددوا بالقضية المرفوعة ضده باعتبارها: “عملًا غير دستوري للانتقام السياسي”؛ تغذيه “كراهية” الديمقراطيين.
وزعموا أن مديري “مجلس النواب” أساءوا بشكل خطير وصف تصريحات “ترامب”، لأتباعه، في 6 كانون ثان/يناير 2021، عندما حثهم على: “القتال مثل الجحيم”، خلال تجمع حاشد قبل أن يسيروا في شارع “بنسلفانيا”، في “واشنطن”، ويهاجمون مبنى (الكابيتول) الأميركي.
“مايكل فان دير فين”، أحد محامي “ترامب”؛ قال إنه: “لا يمكن لأي شخص يفكر أن يعتقد بجدية أن خطاب الرئيس، في 6 كانون ثان/يناير (2021)، كان بأي شكل من الأشكال تحريضًا على العنف أو التمرد”.
وأوضحت الصحيفة أن جوهر حجتهم كان أن أقوال “ترامب” وأفعاله محمية بموجب التعديل الأول. وجادل الدفاع بأن لغة “ترامب” لا تختلف عن الخطاب الحاد الذي يستخدمه السياسيون كثيرًا في السياسة الأميركية اليوم. لتوضيح هذه النقطة، عرضوا مقاطع للديمقراطيين، بما في ذلك بعض أعضاء “مجلس الشيوخ”، الذين جلسوا كمحلفين في المحاكمة، وشجعوا أنصارهم على “القتال”، في محاولة لتصويرهم على أنهم منافقون.
ودحض الإدعاء بشدة هذا الإدعاء، بحجة أن سلوك “ترامب” حرض بشكل مباشر على تمرد ضد الأمة التي أقسم على حمايتها، وبالتالي لا يرقى إلى مستوى خطاب سياسي محمي.
كما سعى الدفاع أيضًا إلى تصوير “ترامب” على أنه: “الرئيس الأكثر تأييدًا للشرطة ومعاداة الغوغاء الذي شهده هذا البلد على الإطلاق”، زاعمًا، على الرغم من وجود أدلة على عكس ذلك، أنه لم يتغاضى عن العنف أبدًا وأشار إلى أنه دعا الحشد لمسيرة: “سلمية ووطنية”، خلال خطابه في 6 كانون ثان/يناير.
هيئة دفاع “ترامب” فشلت في الدفاع عنه !
وقالت (واشنطن بوست- The Washington Post)؛ إن هيئة دفاع الرئيس السابق، “دونالد ترامب”، فشلت في الدفاع عنه خلال مجريات محاكمته الثانية بـ”مجلس الشيوخ”، بعد أن قدم مديرو المحاكمة حججًا تدينه بوضوح، وتبين كيف استعد ووجه الغوغاء الذين اقتحموا مبنى (الكابيتول)، في السادس من كانون ثان/يناير الماضي.
وذكرت الصحيفة الأميركية، في افتتاحيتها؛ أن محامي “ترامب” كانوا أمام “مهمة صعبة” ولم يستطيعوا سوى محاولة التحايل والإتيان بحجج مبتورة، كان مديرو المحاكمة قد دحضوها سلفًا خلال مداخلاتهم.
وأكدت أنهم لم يكن لديهم دفاع عما حدث، لأنه لم يكن هناك شيء يُدافَع عنه، كما لم يستطيعوا شرح أو تبرير لماذا بقي الرئيس السابق متفرجًا بل كان محرضًا للغوغاء، وهم ينهبون مبنى (الكابيتول) ويهددون نائب الرئيس، (مايك بنس)، وأعضاء “الكونغرس”.
خيبة آمال الجمهوريين..
وتحدثت (واشنطن بوست)؛ عن خيبة آمال أعضاء “مجلس الشيوخ”، الجمهوريين، الذين كانوا يمنون النفس في الحصول على ورقة تغطي جبنهم حين يصوتون على براءة “ترامب”، ولم تمنحهم مرافعة فريق الدفاع أي عذر مقبول للفشل في محاسبة رجل: “خطير”.
فقد حاول محامو الرئيس السابق – تضيف الصحيفة – التركيز والإصرار على أن موكلهم: “صانع سلام” منذ أمد طويل، كما اتهموا الديمقراطيين بسعيهم إلى محاكمة “ترامب”، منذ سنوات، وهو ما لا يضيف شيئًا إلى ما إذا كان يستحق فعلاً المحاكمة في الوضع الحالي.
كما عرض المحامون العديد من مقاطع الفيديو لديمقراطيين وهم يتحدثون عن: “القتال”؛ دفاعًا عن قضايا سياسية في محاولة لإظهارهم بمظهر المذنب، مثل “ترامب”، من خلال تقبلهم وتشجيعهم للتطرف، كما بثوا مقطع فيديو يُظهر نوابا آخرين يشيدون بمتظاهري: “حياة السود مهمة”، تلميحًا إلى كونهم يشجعون مثيري الشغب.
لكن دفاع “ترامب” تركز على فكرة أساسية – وفق الصحيفة – مفادها أن الديمقراطيين ينتهكون حق الرئيس السابق في حرية التعبير من خلال معاقبتهم له على كلمات تلفظ بها في خطابه، بالسادس من كانون ثان/يناير الماضي، وأن معاقبة الساسة إن تمت بهذا الشكل، ولهذا الاعتبار؛ فلن يكون أحد بمأمن من القصاص على أساس الإنتماء الحزبي.
تمنعه من ممارسة السلطة مرة أخرى..
غير أن استحضار الفصل الأول من الدستور، (الذي ينص على مبدأ حرية التعبير)، ليس في محله – بحسب (واشنطن بوست) – لأن الرئيس السابق: “ليس مواطنًا عاديًا يُعاقب على بضع كلمات نطق بها، إنه مسؤول أقسم على حماية النظام الدستوري والدفاع عنه؛ ثم خان هذا القسم”.
وأختتمت الصحيفة الأميركية بقولها إن العقوبة المقترحة بحق الرئيس السابق؛ ليست جنائية تبرر – نوعًا ما – طرح إنتهاك حرية التعبير، لكن فقط إعلان رسمي يمنع الشخص الذي ثبت أنه غير جدير بالثقة في ممارسة السلطة من أن يحظى بهذا الحق مرة أخرى.
قرائن إدانة تلقائية..
وفي تقرير سابق، قالت صحيفة (واشنطن بوست- The Washington Post)؛ إن الإشكالية الحقيقية التي يواجهها الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، خلال محاكمته الثانية؛ ليست عدم كفاءة فريق الدفاع، وإنما حقيقة أن قضيته هذه المرة تحوي قرائن تُدين تلقائيًا أي شخص.
وذكرت الصحيفة – في تقرير لمحررها “ميكائيل غيرسون” – أن حجج إدانة “ترامب” بالتحريض على أحداث (الكابيتول)، في السادس من كانون ثان/يناير الماضي، كثيرة ودامغة، مما جعل كل أوراق التوت التي تمسّك بها رفاقه الجمهوريون تتساقط الواحدة تلو الأخرى.
لكن على الرغم من ذلك، فإن كثيرًا من هؤلاء الجمهوريين لا يزالون يتشبثون بحجة إجرائية “ضعيفة”؛ مفادها أن الرؤساء السابقين لا يقعون تحت طائلة العدالة بعد مغادرتهم مناصبهم، بيد أن التاريخ يعلمنا أن الأمور لا تسير هكذا خاصة، وأن تصويتًا على دستورية المحاكمة قد تم بالفعل.
وتساءلت الصحيفة؛ ماذا يعني إذاً تصلب أعضاء “مجلس الشيوخ”، الجمهوريين، في مواجهة الأدلة الدامغة ؟.. ورأت أن لدى النواب الجمهوريين الآن فرصة لمنع “ترامب” من تولي أي منصب مستقبلاً، ولا يمكن في هذه الظروف فهم تخلفهم عن واجبهم سوى أنه: “جُبن أخلاقي”؛ في لحظة اختبار وطني فارقة.
أكبر تهديد على صحة الديمقراطية الأميركية..
وأضافت أنه لا يمكن توقع بطولات روتينية من المسؤولين الحكوميين، لكن هذه المرة اتخاذ موقف البطولة هو الرد الوحيد المشرف.
واعتبرت الصحيفة الأميركية؛ أن محاكمة “ترامب” الثانية ليست ممارسة عديمة الجدوى؛ لسبب بسيط هو أن “ترامب” يظل أكبر تهديد يشكله شخص ما على صحة الديمقراطية الأميركية. فخلال الأشهر الأخيرة له في منصبه، كان “ترامب” ينتقي بعناية أصدقاء مقربين له ويعينهم في مناصب إستراتيجية في وزارتي “العدل” و”الدفاع”، كما حاول استخدام موقعه لاستهداف الخصوم وحشدَ قاعدته مع المتطرفين المسلحين، وأظهر قدرة على تحويل تعصب أنصاره إلى أداة للترهيب السياسي والجسدي، وأبان عن عنف وتظلم لا حدود لهما.
مرحلة من الإنحدار الديمقراطي..
وتؤكد (واشنطن بوست)؛ أن هناك مرحلة من الإنحدار الديمقراطي تلتصق فيها الحركات السياسية بالعصابات والميليشيات، وتبدأ التهديدات الجسدية تحل محل الخطاب المدني، مشيرة إلى أن “ترامب” أوصل فعلاً، السياسة الأميركية، إلى هذه النقطة.
فقد رأينا الرئيس السابق – تضيف الصحيفة – يدعو إلى العنف ضد المتظاهرين في مسيراته، حين خاطب أنصاره يومًا قائلاً: “فقط أطردوهم إلى الجحيم.. أعدكم سأدفع الرسوم القانونية المترتبة عن ذلك”، كما فشل في إدانة العنف الممارس من قبل أنصاره، وشكل هجوم السادس من كانون ثان/يناير الماضي، على (الكابيتول): “تتويجًا لوحشيته الإستراتيجية”.
وإزاء هذا النهج، اختار بعض الجمهوريين المنتخبين سياسة النأي بالنفس على أمل أن تمر عاصفة “ترامب”، لكن خطاباته ورسائله زادت في كل مرة عنفوانًا وقوة تدميرية.
وتختم الصحيفة؛ بأن أعضاء “مجلس الشيوخ”، الجمهوريين الذين سيرفضون محاسبة “ترامب”، سيكونون متواطئين في زيادة منسوب العنف السياسي، وإذا ضعفوا أمام وعود “ترامب” المستمرة بالانتقام فسيكونون: “حماةً يرثى لهم” للقيم الأميركية.
وبالعكس من ذلك تمامًا، يمكن لموقف “سياسي شجاع”، في الوقت المناسب، من قبلهم أن يتحول للحظة الأكثر رمزية وقيمة خلال حياتهم السياسية، وفي هذه الحالة سيؤدون حق القسَم الذي أدَّوه ويلهمون غيرهم ويدفعون بسياسة “أميركا” نحو السلم والعقلانية، وهذا الأمر للأسف غير مرجح، لكنه ضروري تمامًا.
تحديات صعبة في السياسة الخارجية..
فيما رأت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية؛ أن إدانة الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، في محاكمته أمام “مجلس الشيوخ”، ستكون عنصرًا رئيسًا في ملف السياسة الخارجية للرئيس، “جو بايدن”.
وجاء في تقرير للمجلة، أنه: “في ظل تراجع مستوى المصداقية الأميركية إلى أدنى معدلاته، وصعوبة الترويج للديمقراطية في الوقت الحالي؛ مقارنة بفترات سابقة، فإنه يتعين على واشنطن أن تقوم بترتيب البيت الداخلي أولاً”، لافتة إلى أنه: “بعد مرور 3 أسابيع، وفي ظل النقص الشديد بعدد الموظفين، فإن إدارة بايدن تواجه العديد من التحديات الكبيرة والصعبة في السياسة الخارجية”.
وقالت: إن “الانقلاب العسكري في ميانمار، والقمع الذي تمارسه موسكو ضد المتظاهرين، والأوضاع السياسية المضطربة في هايتي، حيث يرفض الرئيس، غوفينيل مويس، التقاعد بعد نهاية فترته الرئاسية، كل هذه الأمور تتطلب ردًا قويًا من واشنطن، في ظل ما تعهدت به بوضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في صدارة أجندتها”.
وأردفت أنه: “حتى الآن؛ فإن تحرك البيت الأبيض يتم بحرص شديد، لم يتخذ أي إجراء أو يقدم وعدًا فيما يتعلق بالوضع في روسيا وهايتي، بخلاف البيانات الجيدة عن الحالة الأولى والمربكة فيما يخص الثانية، وفي ميانمار، وبعد 11 يومًا من المشاورات، أعلن يوم الأربعاء؛ فرض عقوبات على جيش ميانمار، وتجميد أصول تابعة للحكومة في الولايات المتحدة بقيمة مليار دولار”.
ورأت المجلة أن: “تلك الخطوات ستكون موضع ترحيب من جانب دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذين يضغطون على البيت الأبيض كي يقوم بالمزيد من الخطوات في كل القضايا. لكن رغم النوايا الحسنة، فإن هذه الإجراءات لن يكون لها تأثير كبير، وهو الأمر الذي يدركه فريق السياسة الخارجية لبايدن”.