خاص : ترجمة – آية حسين علي :
يعيش أكثر من عُشر سكان المناطق النامية في فقر مدقع، أغلبهم في جنوب آسيا وإفريقيا، ووفقًا لـ”البنك الدولي” فإن الأشخاص الذين يقتاتون على ما يقل عن 1.9 دولارًا يوميًا يعتبرون فقراء، ومنذ نيسان/إبريل من عام 2013، أطلق “البنك” برنامجًا لخفض مستوياته حتى 3% بحلول عام 2030.
أجرت صحيفة (البايس) الإسبانية حوارًا مع المدير السابق لقسم الأبحاث التابع للبنك الدولي، “مارتين رافوليون”، حول أوضاع الفقر في العالم وكيفية التخلص منه، والأفكار الخاطئة حيال الشيوعية وعدم المساواة التي باتت ملتصقة في أذهان العالم، وحان الوقت للتخلص منها بمواجهتها بالحقيقة.
إذا أبقينا على السياسات الحالية نحتاج 200 سنة لتحقيق التنمية !
“البايس” : انخفضت مستويات الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم، خلال العقود الأخيرة، لكن استفحال عدم المساواة طغى على هذا الخبر السار، كيف ترى ذلك ؟
“رافوليون” : لقد لاحظت أن عدم المساواة، على مستوى العالم، انخفضت نسبيًا، ليس بنفس درجة الفقر، لكنها إنحسرت، لكن هذا الأمر يسبب لغطًا كبيرًا بين الناس.
“البايس” : ذُكر في دراسة حديثة لـ”البنك الدولي” أن تراجع معدلات الفقر تباطيء ما تسبب في زيادة القلق من نتائجه على أهداف “البنك الدولي” للقضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030.. ما الذي يحدث بالضبط ؟
“رافوليون” : يتعلق جزء من هذا الأمر بتباطؤ النمو الاقتصادي في “إفريقيا” على وجه التحديد، ولأن القضاء على الفقر يتعلق بشكل كبير بتراجع إزدهار المواد الخام الأساسية، لكن كل هذه الأمور تشهد تقلبات كثيرة، لذا أرى أن علينا ألا نصنع مشكلة منها، لأننا نسير على الطريق طالما لا توجد أزمة مالية عالمية أخرى، من أجل تحقيق هدف “البنك الدولي” بخفض مستويات الفقر المدقع؛ حتى 3% بحلول عام 2030، وبالفعل أنا مؤيد للغاية لهذا الهدف لأن وضع هذا الرقم كان من آخر الأمور التي فعلتها خلال فترة عملي لدى “البنك الدولي”.
لكن أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها “الأمم المتحدة”، وهدف القضاء نهائيًا على الفقر، لن تتحقق بدون تغيير كبير في السياسات، وإذا أبقينا على الوتيرة الحالية فإننا سوف نحتاج إلى 200 عام للوصول إلى هذه المستهدفات.
يجب أن تكون الدراسات أكثر واقعية..
“البايس” : ومع ذلك وحتى في حالة القضاء التام على الفقر المدقع؛ فإن هذا لا يعني إنهاء معاناة جميع الأشخاص في العالم من الفقر، وسوف يظل ملايين منهم في هذا البؤس.. أليس كذلك ؟
“رافوليون” : لا.. ليس لهذه الدرجة، لكن علينا أن نضع في الاعتبار أن تحديد خط الفقر بمبلغ 1.9 دولار في اليوم منخفض حقيقة، تخيل ما الذي يمكن شراؤه بهذا المبلغ.
“البايس” : لقد اقتحم موضوع عدم المساواة؛ جدول أعمال عام 2030.. هل ترى أنه يناقش بقدر كاف ؟
“رافوليون” : لا.. علينا أن نناقشه بشكل مكثف أكثر، وأن تكون المباحثات أكثر دقة من خلال التركيز بدرجة أقل على الإحصاءات والاهتمام بالأوجه الواقعية التي تلفت إنتباه المجتمعات وأن ننتقل إلى الفعل، ورغم أن عدم المساواة تلفت الإنتباه بدرجة أكبر، إلا أن الفقر دائمًا ما يسيطر على المناقشات.
ليس هدفنا مكافحة عدم المساواة بشكل كامل..
“البايس” : لماذا يعتبر بعض الناس عدم المساواة محفزًا للنمو ؟
“رافوليون” : يعتقد البعض أن العالم بدون عدم المساواة سوف يصبح خاليًا من عوامل التحفيز، وفي الواقع أن هناك جزء من الحق في هذا الإعتقاد، لكن الهدف ليس القضاء على عدم المساواة بشكل كامل إلى درجة الصفر، وإنما يجب الحفاظ على مستوى مقبول ويمكن التعامل من خلاله، ولا يزال ثمة خبراء اقتصاديين لا يولون اهتمامًا كبيرًا لموضوع إعادة توزيع الدخول، لكن لا أعتقد أن هناك شخصًا واحدًا ينظر إلى الوضع الحالي ولا يتفق على حقيقة أن عدم المساواة تُعد عقبة أمام تحقيق النمو الاقتصادي، ومنذ 15 أو 20 عامًا كان كثير من الاقتصاديين يركزون فقط على الكفاءة ويعتقدون أن عدم المساواة أمرًا إيجابيًا دافعًا للنمو، لكن من جديد أؤكد على أن صحة هذا الإعتقاد؛ تحدد حسب مستويات عدم المساواة في المجتمع.
“البايس” : كيف يمكن أن تكون عدم المساواة مقبولة ؟
“رافوليون” : لا أعرف.. لكننا نلاحظها عندما ترتفع مستوياتها، مثلما يحدث في دول “أميركا اللاتينية اليوم، وكذلك نعرف كيف تصل إلى معدلات منخفضة للغاية مثل ما حدث في “الاتحاد السوفياتي المنحل، وفي “الصين” خلال الثمانينيات من القرن الماضي.
“البايس” : إلى أي درجة يمكن أن تصبح عدم المساواة أمر يمكن التعامل معه ؟
“رافوليون” : لا تهمني المؤشرات.. وإنما أركز على الأسباب التي تؤدي إليها، ومنها توافر “تأمين صحي” مناسب، و”مدارس” لائقة وأن تمنح الفرصة لجميع الشباب للدراسة في الجامعات وتطوير أنفسهم، أعتقد أن هذه الأمور شديدة الأهمية، علينا التركيز على السياسات أكثر من المؤشرات والمعدلات، وإلغاء فكرة أن أي شخص يرغب في القضاء على عدم المساواة هو “شيوعي”.