كتبت – لميس السيد :
بحلول الوقت الذي سُرح فيه “مايكل فلين” من منصب مستشار الأمن القومي للرئيس “دونالد ترامب”، في شباط/فبراير الماضي، كان قد عرف عنه اتخاذ الكثير من القرارات السيئة. فقد كان مسؤولاً عن تقاضي أموالاً من الروس، وكان يأخذ أيضاً أموال من تركيا، وفقاً لما كشفت عنه التحقيقات في مسيرته خلال الفترة القصيرة التي تولى فيها المنصب في البيت الأبيض، ولكن هناك خطاً هاماً في إقرار الذمة المالية لدى “فلين”، والذي يفصل المدفوعات الأجنبية التي حصل عليها، يكشف أيضاً تورطه في خطة جريئة جداً، وهي: “بناء عشرات من محطات الطاقة النووية الأميركية في الشرق الأوسط”، وفقاً لما كشفت عنه مجلة “نيوزويك” الأميركية مؤخراً.
في 2015 و2016، كان “فلين” مستشاراً لشركة “اكس-كو ديناميكس” التابعة لـ”إيرون بريدج جروب” الروسية الأميركية، التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها مجرد شركة يعمل بها ضباط “البنتاغون” السابقين من أجل تسمين محافظهم، إلا أن المجلة الأميركية حصلت من خلال مصادر موثوقة، على ما يفيد أن “فلين” قد سافر بموجب أمر من الشركة إلى “مصر وإسرائيل” في صيف عام 2015 من أجل قياس موقفهما حول خطة خيالية لبرنامج مشترك بين الولايات المتحدة وروسيا (وممول من السعودية)، للسيطرة على العالم العربي والحصول على الطاقة النووية، لكن كانت تلك الدول قلقة من أن دول الشرق الأوسط المتقلبة لن يكون لديها الأمن الكافي للحفاظ على سلامة المحطات والتخلص من نفاياتها المشعة.
وفي ظل القلق الذي سيطر على الولايات المتحدة وشركائها في إدارة الصناعة النووية المحظورة، وتولي مقاولي “روسيا وكوريا الجنوبية” لتصدير تلك الصناعة لمنطقة الشرق الأوسط، أصبحت واشنطن تلزم دور المتفرج على الدول الكبرى المنافسة في إدارة المشروعات النووية.
“فلين” لَعِب على الوتر الحساس في الشرق الأوسط..
لأن الشرق الأوسط العربي، غنياً بالنفط والطاقة الشمسية، فهو غير محتاج إلى الطاقة النووية، ومع ذلك أشارت مجلة “إيكونوميست” البريطانية في تقرير لها عام 2015، أن “حاجة المنطقة للكهرباء أصبحت في إزدياد، وكثرة المطالبات بتخفيض الإنبعاثات الكربونية، ما يشير إلى أن الطاقة النووية ستكون الحل خاصة في حالة مصر والأردن حيث لا يمتلكان موارد النفط والغاز الكافية، ما سيجعلهم يتجهون للطاقة النووية من أجل تعزيز إمداداتهما”.
لذا كانت فكرة “فلين” عبقرية، وكان دوره هو القيام بتصميم وتنفيذ “شبكة أمنية” واسعة النطاق لمؤسسة “اكس–كو”.
فوائد المشروع لأميركا..
رأى مديري المشروع أنه لم يكن فقط بغرض إحياء الصناعة النووية في الولايات المتحدة، “بل انه لن يكلف دافعي الضرائب الأميركيين اي شئ، وسيعتمد في تمويله على السعودية ودول الخليج الأخرى”، وفقاً لمذكرة المشروع. وأكد مصدر مسؤول، رفض ذكر اسمه، أن تكلفة المشروع تقرب من تريليون دولار، وسوف يسترد السعوديون تكاليفه من خلال بيع الطاقة إلى “مصر والأردن واليمن” وأعضاء مجلس التعاون الخليجي: “الكويت والبحرين وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وقطر” – التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة – ولا تبدو أن “قطر” خياراً مرجحاً في الوقت الحالي، حيث أن ستة من الدول العربية، بقيادة السعوديين، قطعت العلاقات الدبلوماسية معها في 5 حزيران/يونيو الجاري بسبب دعمها المزعوم للإرهاب.
وتقول المجلة البريطانية أن “إيران وسوريا” هم خارج خطة هذا المشروع الضخم، ويؤكد “فريد جونسون”، كبير الاقتصاديين في جامعة كاليفورنيا، على أن “مشاركة روسيا في المشروع، هو بداية تباعد العلاقات مع إيران”. وتابع “جونسون” ان روسيا لن تجني المكاسب المادية فقط، لكونها مكاناً للتخلص من النفايات المشعة من المحطات النووية، ولكن كانت ستحصل على “معدات عسكرية روسية” كتعويض لموسكو عن خسارتها من وقف مبيعاتها العسكرية لايران، بالإضافة إلى ان الشريك الروسي في شركة “اكس-كو”، بخبرته في مجال نشر القوات البحرية، كان سيصمم منصات للصواريخ، مما سيكون له أثر على تهميش “إيران” في ذلك المجال.
وتشير “إيكونوميست” إلى أن المسؤولين المعنيين بمشروع الشرق الأوسط يعتقدون أن تدخل “فلين” كان محدوداً في نطاق التشاور مع “مصر وإسرائيل”، فيما يخص الإحتياطات الأمنية للمشروع، وأنه لم يتقاضى أي مقابل من شركة “إكس-كو” إلا مصروفات السفر، وفقاً لما ذكر “توماس كوكران”، عالم ذري مشارك في المشروع.
ونقلت المجلة البريطانية عن الأدميرال ورئيس شركة “إكس-كو” التنفيذي، “مايكل هيويت”، في مراسلاته لمستشاري المشروع، أن “المشروع لم يكن يهدف في الأساس إلى تهميش إيران، وأنه تم تصميمه من أجل بناء 40 محطة نووية في الشرق الأوسط لدعم دول الخليج ومصر والأردن، بقيادة اثنين من القوى العظمى، روسيا وأميركا”.
“أوباما” يرفض المشروع من أجل إيران و”ترامب” يستجيب..
يقول العالم “كوكران” أن المشروع تم رفضه اثناء إدارة “أوباما”، حيث لم تفضل تنفيذه بالتعاون مع روسيا، وكانت ترى الإدارة وقتها إرجاؤه في ظل مفاوضات المشروع النووي الإيراني.
أما بعد تولي “ترامب” رئاسة أميركا، تم طرح الفكرة مرة أخرى في ظل التقارب بين “فلاديمير بوتين” و”ترامب”، خاصة بعد أن أصبح “فلين”، الذي كان له روابط بالروس، مستشاراً للأمن القومي.
وعندما ظهرت تقارير تفيد بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق في التواطؤ المحتمل بين الروس وحملة “ترامب” الإنتخابية، فقد قرر بعض شركائه ومستشاريه التخلي عن المشروع خاصة في ظل عدم قيام “السعودية” بتمويل وإستضافة المشروع.
مخاوف من نفوذ روسيا بعد النووي..
في عام 2001، حصل الكاتب “غيفري سانت كلير”، في مجلة “ذيس تايمز” الشهرية، على عقد مشروع أقترح في التسعينيات شارك فيه العالم الذري “كوكران”، وهو “صندوق الانتشار النووي”، الذي كان يتطلع للسيطرة على الوقود المستنفذ من المفاعلات حول العالم، وشحنه إلى روسيا، إلا أنه كانت هناك تخوفات من مستقبل النفايات التي ستتولى روسيا مسؤولية التخلص منها، وهل المشروع سيسمح بإطلاق النار على الجنود الروس المارقين أو المتمردين “الشيشان”، و”ما الذي يمنع الروس الفاسدين من بيع مخلفات “اليورانيوم” للأشخاص الذين يمتلكون المال”.
يقول “هيويت” المدير التنفيذي لشركة “إكس كو”، أن اميركا تهتم بتطبيق معايير السلامة على المشروع في بلدان الشرق الأوسط، غير أن الطاقة والوظائف التي ستحصل عليها البلدان المستفيدة ستمنحهم إمدادات طاقة هائلة وتوفر وظائف عمل للشباب بدلاً من قتل بعضهم البعض، وفقاً لوصفه.
وكان “فلين” قد اعرب عن قلقه العميق ازاء سباق التسلح النووى “السعودى – الايراني”، في مقابلة مع قناة “الجزيرة” في كانون ثان/يناير 2016، وأبدى “كوكران”، أن “الاقتصاد الجديد تماماً هو ما تحتاجه هذه المنطقة”، خاصة بالنسبة لملايين الشبان العاطلين عن العمل الذين يعيشون تحت الحكم الاستبدادي الفاسد ويغريهم التطرف في بلدان المنطقة.
كل ذلك قد تبدد بعد تقارب “ترامب” مع النظام “السعودي” ضد “إيران”، ما أدى إلى تلاشي الحديث عن توفير الوظائف في الشرق الأوسط وتصاعد الأزمة الروسية وفضيحة موسكو بالتعاون مع “ترامب” و”مايكل فلين” بشكل سري، في إطار ما كشفه مكتب التحقيقات الفيدرالي بهذا الشأن.