خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة يراها بعض المراقبون أنها مؤشر على رغبة الولايات المتحدة في فتح قنوات اتصال مع النظام السوري، أعلنت صحيفة (وول ستريت جورنال)، مساء الأحد، أن مسؤولاً في “البيت الأبيض” قام مؤخرًا بزيارة سرية إلى “دمشق”، حيث أجرى اجتماعًا مع الحكومة السورية.
وذكرت الصحيفة، استنادًا إلى أعضاء في إدارة الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، ومصادر أخرى مطلعة على سير المحادثات، أن نائب مساعد الرئيس الأميركي، “كاش باتيل”، الذي يُعد مسؤولاً بارزًا معنيًا بمكافحة الإرهاب بـ”البيت الأبيض”، زار “دمشق”، في أوائل العام الحالي، لعقد اجتماعات سرية مع حكومة الرئيس السوري، “بشار الأسد”، من أجل تحقيق الإفراج عن مواطنين أميركيين إثنين يعتبر أنهما محتجزان لدى سلطات البلاد.
صفقة مع “الأسد”..
ولم تكشف المصادر عن المسؤولين الذين التقى بهم “باتيل”، لكنها أوضحت أن المحادثات أجريت بهدف التوصل إلى “صفقة مع الأسد” ستؤدي إلى الإفراج عن الصحافي الأميركي المستقل، “أوستين تايس”، الذي سبق أن خدم في قوات المشاة البحرية واختفى خلال تغطياته التطورات في سوريا، عام 2012، والطبيب الأميركي السوري، “ماجد كمالماز”، الذي اختفى بعد احتجازه في نقطة تفتيش للقوات الحكومية السورية، عام 2017.
كما يعتبر أن هناك 4 مواطنين أميركيين آخرين، على الأقل، تحتجزهم السلطات السورية، لكن هناك، حسب الصحيفة، معلومات قليلة حول قضاياهم.
أول زيارة لمسؤول رفيع منذ 10 سنوات !
وأشارت الصحيفة، في تقرير؛ إلى أن هذه الزيارة هي الأولى لمسؤول أميركي رفيع إلى “سوريا”، منذ نحو 10 سنوات.
موضحة أن اللقاءات المعروفة الأخيرة بين مسؤولي “البيت الأبيض” والسلطات السورية، في “دمشق”، عقدت عام 2010، مذكرة أن الحكومة الأميركية قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، عام 2012، ردًا على “قمع المظاهرات” في البلاد.
يُذكر أن كل من إدارتي “ترامب” والرئيس السابق، “باراك أوباما”، عملا على عزل “بشار الأسد”، الذي طلب مساعدة “روسيا” و”إيران” لقمع الاحتجاجات الشعبية والمعارضة المسلحة، التي سعت دون جدوى إلى إبعاده عن السلطة.
وعندما ظهر تنظيم (داعش) في سوريا، في عام 2014، أرسلت الولايات المتحدة قواتًا لدعم المقاتلين الأكراد في مواجهة مسلحي التنظيم، ولا تزال هذه القوات تسيطر على مناطق واسعة في شرق سوريا، خصوصًا آبار النفط التي تمثل شريان حياة الاقتصاد السوري.
وطالب “الأسد”، مرارًا وتكرارًا، الولايات المتحدة، بسحب جميع قواتها التي تقول واشنطن أنها في حماية حقول النفط لمنع تنظيم (داعش) من استعادة موطيء قدم في البلاد.
محاولات سابقة..
وفي آب/أغسطس الماضي؛ أكد وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، أن “ترامب” بعث، في آذار/مارس، برسالة إلى “الأسد” بشأن مصير الصحافي، “أوستين”.
وفي أيلول/سبتمبر الماضي، كانت هناك مخاوف من فشل المحادثات مع نظام “الأسد”؛ بعد أن اعترف “ترامب” بإجراء مناقشات، في وقت مبكر من رئاسته؛ حول رغبته باغتيال الرئيس السوري.
ودائمًا ما يتفاخر “ترامب” بجهود إدارته في الإفراج عن الرهائن الأميركيين بالخارج، وكان آخرها عرض فيديو في مؤتمر “الحزب الجمهوري” الانتخابي للقائه مع الأميركيين الذين عادوا من “الهند وإيران وسوريا وتركيا وفنزويلا”.
وساعد “باتيل”، الأسبوع الماضي، في التوسط في صفقة أدت إلى إطلاق سراح أميركيين إثنين احتجزتهما “قوات الحوثيين”، المدعومة من “إيران”، في “اليمن” مقابل عودة أكثر من 200 شخص من الموالين للحوثيين إلى صنعاء.
دمشق رفضت التعاون قبل انسحاب القوات الأميركية..
وفي تأكيد على صحة ما نشرته صحيفة (وال ستريت جورنال)؛ حول زيارة مسؤولَين أميركيين العاصمة “دمشق”، كشفت صحيفة (الوطن) السورية تفاصيل جديدة عن الزيارة.
وكشفت المصادر للصحيفة السورية؛ أن “روغر كارستينس”، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المخطوفين، و”كاش باتل”، مساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في “البيت الأبيض”، زارا دمشق، في آب/أغسطس الماضي، واجتمعا باللواء “علي مملوك”، رئيس مكتب الأمن الوطني، في مكتبه بدمشق وناقشا سلة واسعة من المسائل حملت جملة من العروض والطلبات.
وأضافت المصادر، التي قالت صحيفة (الوطن) إنها فضلت عدم الكشف عن هويتها؛ أن: “هذه ليست الزيارة الأولى لمسؤولين أميركيين بهذا المستوى الرفيع، وأنه سبقتها ثلاث زيارات مشابهة إلى دمشق خلال الأشهر والسنوات الماضية”.
وبحسب المعلومات المؤكدة، التي حصلت عليها (الوطن)؛ فإن “دمشق” أبلغت المسؤولَين الأميركيين: “لا نقاش ولا تعاون مع واشنطن؛ قبل البحث بملف انسحاب القوات الأميركية المحتلة من شرقي سوريا”.
رفض مناقشة ملف المخطوفين !
كما رفضت “دمشق”، بحسب المصادر، مناقشة ملف “المخطوفين” الأميركيين في سوريا، وعلى رأسهم ما يقال إنه صحافي أميركي مستقل يدعى، “أوستين تايس”، “قبل البحث في أي مسألة أخرى”، حسبما نقلت (الوطن).
ونقلت الصحيفة السورية معلومات تؤكد أن “أوستين تايس”؛ “ليس صحافيًا؛ وإنما عميل متعاقد مع الاستخبارات الأميركية دخل الأراضي السورية بطريقة التهريب، العام 2012، وزار مناطق عديدة كانت قد خرجت حينها عن سيطرة الجيش السوري، ووصل إلى منطقة الغوطة الشرقية مكلّفًا بمهمة تجهيز وإعداد جهاديين لمحاربة القوات السورية، لكنه اختفى في الغوطة بظروف غامضة ولم يُعرف مصيره حتى الآن، وترجح المعلومات أن يكون اختفاؤه ناجمًا عن صراع جماعات متطرفة كانت قد نشأت حديثًا في الغوطة الشرقية”، وفقًا لما أوردته الصحيفة.
المصادر أشارت أيضًا إلى أن: “دمشق حذرة من نمط هذه الزيارات الأميركية لجهة أنها لا تثق بها أو بنتائجها المحتملة، لاسيما أن القيادة السورية تدرك تأثير اللوبيات الأميركية على الرؤساء الأميركيين وقراراتهم وسياساتهم العامة”.
فرصة لحل أزمة عقوبات “قيصر”..
تعليقًا على الزيارة؛ رأى الباحث السياسي السوري، “مالك حافظ”، إن الزيارة أرادت “دمشق”، من خلالها، القول أنها منفتحة على الجانب الأميركي عبر استقبال أحد مسؤولي “ترامب”، وهذا الانفتاح يعني بحال من الأحوال أن “دمشق” ستستجيب لرغبة “واشنطن” حيال تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا وإنهائه لاحقًا، مضيفًا أنه يعتقد أن “دمشق” ترى زيارة المسؤولين الأميركيين فرصة ذهبية سوف تستغلها لحل أزمة “عقوبات قيصر”، التي فرضتها الإدارة الأميركية على النظام السوري وتسببت في شلل تام للاقتصاد السوري.
وأوضح أن التقارب مع “واشنطن” سيفتح مسار مفاوضات جديدة لبحث إخراج النفوذ الإيراني؛ وسيكون آخره العودة من جديد إلى مسار التطبيع والسلام بين سوريا وإسرائيل.
يُذكر أن الرئيس السوري، كان قد أعلن أن بلاده مُستعدة لإقامة علاقات طبيعية مع “إسرائيل”، عندما تعود “الجولان”، دون أي إشارة إلى القضية الفلسطينية.
تتبع سياسة تغليب المصالح..
ومن الناحية الأميركية، يتوقع “حافظ” أن: “واشنطن” تكشف عن نواياها المتعلقة بتغليب مصالحها أولاً وأخيرًا فوق أي اعتبار، لذا فإنها تبقي الباب مواربًا لـ”دمشق” من أجل حضها على بحث إبعاد الخطر الإيراني عن المنطقة وعن حلفاء “واشنطن”، فيها وفي مقدمتهم “إسرائيل”، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة بالتأكيد لم تفكر بتقارب يبعد “دمشق” عن “موسكو” أو ما شابه، هي تريد فحسب أن تتدخل في بحث ملف النفوذ الإيراني بشكل مباشر لإعطاء “دمشق” تطمينات على حماية مصالح النظام إذا ما استجاب بشكل مناسب للمطالب والمساعي الأميركية.
إشارة إيجابية تجاه موسكو..
وأشار “حافظ” إلى أن الزيارة هي إشارة إيجابية نحو “موسكو” أيضًا أكثر ما تكون سلبية، وأضاف: “فالذهاب لدمشق يعني تقاربًا أكبر مع روسيا التي يهمها في المقام الأول أيضًا مصالحها، والتي تتمثل حاليًا بمرحلة إعادة الإعمار والتي يعطل بدءها حاليًا الإيرانيين، لذا فإن روسيا أيضًا ليست مستاءة من زيارة الأميركان؛ بل تجدها حيزًا مناسبًا لتخفيف الضغط عنها حيال مسألة تغول النفوذ الإيراني في سوريا، فضلاً عن تأثرها بـ”عقوبات قيصر”، لذا فإن التقارب مع واشنطن يخفف التأزم المتصاعد في الملف السوري”.
تعكس اعتراف أميركا بفشل إسقاط الدولة السورية..
الدكتور “أسامة دنورة”، المحلل السياسي والاستراتيجي، عضو الوفد الحكومي السوري المفاوض في “جنيف”، قال أنه: “على المستوى الاستراتيجي والجيوبوليتيكي؛ تعكس هذه الزيارات اعترافًا أميركيًا وقناعة ضمنية بفشل مشروع لإسقاط الدولة السورية، وتغيير موقعها السياسي في معادلات المنطقة، بما في ذلك تحويلها إلى حليف يقبع تحت الهيمنة الغربية، وطرف قابل بالتسوية مع إسرائيل دون استعادة الأرض والحقوق”.
وأضاف: “بل أن هذه الزيارات تحمل في مدلولاتها سحب مشروع الحل الصفري ضد دمشق، واستعادة المنظور البراغماتي الأميركي حيال سوريا بما يقتضي الإقرار بضرورة التواصل مع دمشق على وضعها السياسي الراهن”.
مؤكدًا أنه: “من هذا المنطلق؛ فإن هذا التواصل يشير إلى أن سياسة الضغوط القصوى على دمشق يجب النظر إليها على أنها أداة ضغط تفاوضية وليست أداة تهدف لتحقيق تغيير جوهري في منظومة الحكم السورية”.
سيتم توظيفه لصالح موقف “ترامب” الانتخابي..
أما على المستوى التكتيكي، فمن المفهوم عمليًا أن “ترامب” دخل مرحلة حرجة وفاصلة يمكن أن يعتبر أي إنجاز فيها بمثابة رافعة سياسية تحسن شعبيته التي تبدو متدهورة قبل الانتخابات، فالوصول إلى أي إنجاز وإن كان على مستوى العثور على أميركيين مفقودين واستعادتهم سيتم توظيفه لمصلحة حملة “ترامب” الانتخابية.
وأنهي حديثه قائلاً أن: “الموقف السوري كان واضحًا حسب التسريبات، وهو لا يقبل على الإطلاق التعاطي وفق معادلة تخفيف العقوبات مقابل المساعدة السورية في معرفة مصير واسترداد أميركيين مفقودين، بل المعادلة التي تصر عليها دمشق هي إنهاء الاحتلال الأميركي للمناطق الشرقية السورية قبل أي بحث في ملف إنهاء أو تخفيف العقوبات بصرف النظر عن المقابل المطلوب أميركيًا، فالانسحاب الأميركي يعني زوال العدوان على السيادة السورية من قبل الولايات المتحدة، وهو شرط لازم، وربما يكون كافيًا أيضًا لإطلاق حوار سياسي”، مشيرًا إلى أن: “الانسحاب الأميركي هو بحد ذاته ميزة لإدارة ترامب، التي ستثبت بذلك إلتزامها بالتخلص من “الحروب اللا نهائية” (endless wars) التي لطالما وعد ترامب بإنهائها، وستنهي التورط الأميركي في ساحة لا تبدو فيها مصلحتها المباشرة واضحة المعالم، في حين يبدو من العسير سوريًا وإقليميًا ودوليًا المضي في بناء رؤية استراتيجية للاحتلال الأميركي وأهدافه في شرق سوريا دون تحويل هذا المشروع إلى ساحة تورط أميركية جديدة”.
محاولة لجس النبض في المقترح الأميركي للسلام..
بينما أوضح “د. مختار غباشي”، نائب رئيس المركز “العربي” لدراسات السياسية والاستراتيجية: “أن زيارة المسؤول الأميركي لسوريا، ربما تكون لجس نبض في سياق المقترح الأميركي للسلام، ومحاولة لفتح آفاق لحلول سياسية، لكن الطرح الأميركي معقد ونذكر الدور الذي لعبته واشنطن في وضع السيادة الإسرائيلية على الجولان وسيكون من الصعب أن يرتضي الجانب السوري بالتضحية في ملف الجولان”.
واعتبر “غباشي” أن زيارة المسؤول الأميركي تأتي في إطار “محاولة لإحياء الحلول السياسية المطروحة على الساحة السورية في ظل إنشغال الكثير من القوى الإقليمية والدولية بمشكلات أخرى في المنطقة، وربما سيسعى إلى استقصاء آليات الحل بين الأطراف على الساحة السورية وإلى تحريك الساحة السياسية في المجمل”.
علاقاتها بإيران أمر سيادي..
وقال “د. علي الأحمد”، عضو أكاديمية الأزمات الجيوسياسية، إن: “الاتصالات الأميركية محاولة غير رسمية من قِبل واشنطن، وهي عادة ما تكون بوابة للعلاقات رسمية، وهذا معروف في العلاقات الدولية، لكن دمشق تريد دائمًا أن تكون العلاقات على المستوى الرسمي عبر تبادل السفارات، ولن تقدم دمشق أي تنازلات في علاقاتها الدولية مع إيران أو غيرها مقابل إقامة علاقات مع واشنطن، وهذا أمر سيادي، ومن المبكر الحديث عن صفقة، لكنها ممكنه فلا عداوة مستمرة وهذا معروف في تاريخ الدول”.