لصداقتهما الشخصية .. هل ينقذ “ابن زايد” ماكرون من العطش الفرنسي للطاقة ؟

لصداقتهما الشخصية .. هل ينقذ “ابن زايد” ماكرون من العطش الفرنسي للطاقة ؟

وكالات – كتابات :

اختيار الشيخ “محمد بن زايد”؛ “فرنسا”، كأول دولة أوروبية يزورها بصفته رئيسًا لـ”الإمارات”، له دلالات خاصة، ولصداقة الرئيس الفرنسي وضيفه دور جوهري في تعزيز الشراكة بين “أبوظبي” و”باريس”.

وكان الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”؛ رئيس دولة “الإمارات”، قد وصل إلى “باريس”؛ الأحد 17 تموز/يوليو، في أول زيارة دولة له إلى الخارج منذ تولى منصبه عقب وفاة أخيه؛ الشيخ “خليفة بن زايد”، في آيار/مايو. وتستغرق الزيارة ثلاثة أيام.

واجتمع الرئيس الإماراتي ونظيره الفرنسي على مأدبة غداء بـ”قصر الإليزيه”؛ قبل أن يلتقيا مجددًا مساء الإثنين خلال عشاء رسمي في “قصر فرساي”؛ بحضور: 100 ضيف. وعقدا جلسة مباحثات: “تناولت الفرص الواعدة لتطوير التعاون وتوسيع آفاقه في مختلف الجوانب ومجمل التطورات والقضايا الإقليمية والدولية”، فعلى ماذا اتفق “محمد بن زايد”؛ مع نظيره وصديقه؛ “إيمانويل ماكرون” ؟

اتفاقية للتعاون الإستراتيجي في مجال الطاقة..

وفي اليوم الثاني للزيارة، أعلنت “فرنسا” و”الإمارات” عن توقيع: “اتفاقية شراكة إستراتيجية عالمية حول التعاون في مجال الطاقة”، وقالت الحكومة الفرنسية في بيان إن الشراكة تهدف لتحديد مشاريع استثمارية مشتركة في “فرنسا” أو دولة “الإمارات” أو أماكن أخرى في قطاعات الهيدروجين والطاقة المتجددة والطاقة النووية.

وأضاف البيان الفرنسي: “في السياق غير المؤكد حاليًا للطاقة، سيُمهد هذا الاتفاق الطريق إلى إطار عمل مستقر في الأمد الطويل للتعاون، ويفتح المجال أمام عقود صناعية جديدة”. الاتفاقية الإستراتيجية وقعها وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي؛ “برونو لو مير”، ووزير انتقال الطاقة؛ “أنييس بانييه روناتشر”، مع وزير الصناعة والتكنولوجيات المتقدمة بدولة الإمارات؛ “سلطان الجابر”.

وستُساعد الاتفاقية على: “إنشاء إطار عمل مستقر طويل الأجل لهذا التعاون، لتمهيد الطريق لعقود صناعية جديدة وتحديد مشاريع الاستثمار المشتركة المستقبلية”، بما يشمل: “إمكانية إنشاء صندوق ثنائي لتمويل المشاريع الخضراء”.

ومن جانبه؛ قال الشيخ “محمد بن زايد”، إن: “الطاقة بكل أنواعها تُمثل أحد أهم مجالات التعاون بين البلدين، والإمارات حريصة على دعم أمن الطاقة في العالم عامة؛ وفي فرنسا الصديقة خاصة”.

والثلاثاء 19 تموز/يوليو، أعلنت شركة (توتال إنرغيز) الفرنسية عن توسعة تحالفها الإستراتيجي مع شركة “بترول أبوظبي الوطنية”؛ (أدنوك)، وتفقد مجالات جديدة، منها إمداد “فرنسا” بوقود الديزل من “الإمارات”.

يأتي ذلك في وقتٍ كان مستشار رئاسي فرنسي قد قال، قبل وصول الرئيس الإماراتي إلى “باريس”، إن أحد أهم البنود خلال الزيارة هو: “الإعلان عن ضمانات تُقدمها الإمارات بشأن كميات إمدادات المحروقات؛ (الديزل فقط)، لفرنسا”. وأضاف أن: “فرنسا تسعى إلى تنويع مصادر إمدادها على خلفية الصراع في أوكرانيا، وضمن هذا السياق يتم التفاوض على هذه الاتفاقية”، علمًا بأن “الإمارات” لا تزود “فرنسا”؛ بـ”الديزل”، في الوقت الحالي، بحسب تقرير لموقع (فرانس 24) الفرنسي.

وترى “الإمارات” أن “أوروبا” أدركت؛ بعد الحرب على “أوكرانيا” وأزمة المحروقات، أن الانفصال السريع عن “النفط والغاز” للتحول نحو الطاقة البديلة ليس الخيار الأفضل، بل إنه يجب اعتماد نهج أكثر توازنًا يمكن أن تلعب الدولة النفطية دورًا فيه.

اتفاقيات تعاون بين “فرنسا” و”الإمارات”..

مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية؛ “أنور قرقاش”، قال للصحافيين؛ الجمعة الماضية، إن: “الإمارات مصممة على أن تظل شريكًا موثوقًا في مجال الطاقة، حيث إنها تستثمر في زيادة القدرة لتلبية الطلب العالمي. لقد قمنا ببيع نفطنا إلى الشرق الأقصى لمدة 40 عامًا، ونحن الآن نوجهه نحو أوروبا في وقت الأزمة”.

لكن التعاون في مجال الطاقة لم يكن البند الوحيد على أجندة الزيارة بطبيعة الحال، إذ أعلن الجانبان أنه سيتم التوقيع على مذكرات تفاهم وعقود في مجالي النقل ومعالجة النفايات وغيرها.

وعلى الرغم من عدم تطرق البيانات الرسمية من الجانبين إلى اتفاق “أبوظبي” و”باريس” على صفقات أسلحة جديدة، إلا أن مقالاً نشرته صحيفة (لوموند) الفرنسية عن الزيارة، وصف العلاقة بين البلدين بأنها قوية ولا مثيل لها، تحدث عن تحول “الإمارات” إلى عميل رائد للصناعة العسكرية الفرنسية في عهد؛ “إيمانويل ماكرون”.

وفي السياق نفسه؛ قالت السفيرة الإماراتية في باريس؛ “هند العتيبة”: “وقفت العديد من الدول إلى جانبنا في وجه عدوان الحوثيين في اليمن، ونُقدر أن فرنسا كانت واحدة من هذه الدول، وهو ما كان عاملاً في اختيار سموه لفرنسا”؛ كأول محطة خارجية له.

ففي كانون أول/ديسمبر الماضي، وقعت “الإمارات” عقدًا قياسيًا بقيمة: 14 مليار يورو لشراء: 80 طائرة حربية من طراز (رافال) الفرنسية، في خضم هجمات غير مسبوقة لـ”الحوثيين” على أراضيها ومسارعة “فرنسا” لتقديم دعم عسكري لها للتصدي لهذه الهجمات.

وفي عهد “ماكرون” لم تُصبح “الإمارات” عميلاً رائدًا للصناعة الفرنسية – ولا سيما العسكرية – فحسب، بل أصبحت كذلك ركيزة عمل “فرنسا” في العالم العربي والإسلامي، وذلك مقابل صمت “باريس” التام عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام في “أبوظبي”؛ سواء في داخل البلاد أو خارجها في عملياته العسكرية؛ بحسب الصحيفة الفرنسية.

كما أشار مقال الصحيفة الفرنسية إلى أن “الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان” شكك – في تقرير له كانون أول/ديسمبر الماضي – في مبيعات الأسلحة الفرنسية لـ”الإمارات”، التي يُشتبه في أن بعضها استخدم في “اليمن”، ضمن التحالف المُناهض لـ”الحوثيين”، بحسب تقرير لموقع (الجزيرة) القطري.

وكان تقرير لمجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية؛ قد ذكر أن “فرنسا” باعت لـ”الإمارات” دبابات (لوكلير)، وهي دُرة التاج في صناعة الدبابات الفرنسية، وأن “أبوظبي” استخدمت تلك الدبابات المتطورة في حرب “اليمن”.

تقرير المجلة الأميركية؛ قال إن النماذج الإماراتية من الدبابة الفرنسية تشمل تحسينات تجعلها أفضل مقارنة بمثيلاتها لدى الجيش الفرنسي، واشترت “الإمارات”: 390 دبابة (لوكلير)، إضافة إلى: 46 عربة مصفحة من نفس الفصيلة، كما اشترت أيضًا: 13 درعًا للدبابات مصممة لتفجير قذائف الـ (آر. بي. جي) المضادة للدبابات قبل أن تضرب الدبابة.

“ماكرون” و”محمد بن زايد”.. علاقة خاصة..

من المهم التأكيد على أن الشراكة القوية بين “فرنسا” و”الإمارات” كانت قد بدأت منذ حقبة السبعينيات، خلال حكم مؤسس دولة “الإمارات” الراحل؛ الشيخ “زايد بن سلطان آل نهيان”. لكن تلك العلاقة اتخذت في فترة الولاية الأولى للرئيس الفرنسي؛ “ماكرون”، بُعدًا لم يسبق له مثيل، بحسب مقال (لوموند).

ووقعت “الإمارات” و”فرنسا” اتفاقية أمنية؛ عام 1995، أنشأت بموجبها “باريس” قاعدة عسكرية لها على الأراضي الإماراتية؛ عام 2009، وكان لـ”أبوظبي” دور جوهري في دعم حرب “فرنسا” في “مالي”؛ منذ عام 2011، في أول تعاون عسكري من نوعه بين البلدين.

ونشبت علاقة خاصة بين “ماكرون” و”محمد بن زايد”، الذي كان وليًا لعهد “أبوظبي” ونائبًا لرئيس الدولة، لكنه كان الحاكم الفعلي للبلاد في ظل الحالة الصحية للرئيس الراحل؛ الشيخ “خليفة بن زايد”. وانعكست تلك العلاقة في تعاونهما في ملفات الصراع الإقليمية في الشرق الأوسط، وبخاصة في “ليبيا”، حيث قدما معًا الدعم لـ”خليفة حفتر”، الذي فشل في نهاية المطاف في السيطرة على “طرابلس” بالقوة وأرتد إلى مقره في الشرق.

وكثيرًا ما واجه “ماكرون” انتقادات عنيفة من منظمات حقوق الإنسان الفرنسية والعالمية؛ بسبب علاقته الخاصة بقادة مثل الرئيس الإماراتي والرئيس المصري، كذلك بسبب سجل كل منهما السييء في ملف حقوق الإنسان، والاتهامات التي يوجهها منتقدو الرئيس الإماراتي بزعزعة الاستقرار في المنطقة.

لكن تلك الانتقادات لم تثنِ الرئيس الفرنسي عن مواصلة علاقاته المتميزة مع نظيره الإماراتي، وانعكس ذلك في تقلد “ماكرون”؛ الشيخ “محمد بن زايد”، شارة الصليب الأكبر من وسام جوقة الشرف الوطني، وقدم له هدية عبارة عن نسخة من عام 1535 لخريطة عالم الجغرافيا الألماني؛ “لورنز فرايز”، لشبه الجزيرة العربية. وفي المقابل، منح الرئيس الإماراتي نظيره الفرنسي: “وسام زايد”، وهو أعلى وسام مدني في “الإمارات” يُقدم للرؤساء والملوك.

وعلى الرغم من أن هناك اختلافًا واضحًا في موقف “باريس” و”أبوظبي” من الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، إلا أن ذلك ليس له تأثير على الشراكة القوية بين البلدين، وهو ما يُضفي أهمية خاصة أيضًا على العلاقة القوية بين الزعيمين.

فـ”فرنسا” و”الإمارات” لا ينظران للصراع في “أوكرانيا” من نفس المنظور، فـ”ماكرون” يدعم “أوكرانيا” ويأمل في التوصل إلى حل تفاوضي مع “روسيا” بمجرد انحسار حدة القتال، في حين لم يختر الرئيس الإماراتي معسكره وامتنعت بلاده داخل “الأمم المتحدة” عن المطالبة بإنهاء الأعمال العدائية، من أجل الحفاظ على علاقاتها مع “موسكو”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة