خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
من الموضوعات الهامة المرتبطة بالحرب على “غزة”؛ والتي ربما لم تحظ بالاهتمام، هي دور وأهمية وسائل الإعلام؛ إذ يعلم الجميع بتبلور حرب ناعمة وإعلامية بالتوازي مع الحرب الميدانية؛ (على غرار ما حدث في حرب الـ (221) يومًا بـ”غزة” أو الحرب على “أوكرانيا”؛ والتي اندلعت قبل عامين تقريبًا). بحسّب تقرير “جعفر بلوري”؛ المنشور بصحيفة (كيهان) الإيرانية.
وكما يعلم الجميع أيضًا بسّيطرة الغرب والصهيونية على أكبر الوسائل الإعلامية وأكثيرها تأثيرًا حول العالم.
ومع تصاعد قوة الوسيّلة الإعلامية، بدأت تستخدمها القوى في الإقناع للقيام بأحط الجرائم الحربية والأعمال الوحشية وغير الإنسانية. واستطاع الغرب بمساعدة هذه الوسيّلة من غزو “العراق”، إلى إن انتّبه الرأي العام إلى الخدعة حيث لقي ملايين الأبرياء مصرعهم في هذه الحرب أو تعرضوا للإعاقة أو التشرد.
ويعزو بعض خبراء الإعلام سقوط “الاتحاد السوفياتي”، إلى تفوق “الولايات المتحدة” في الحرب الناعمة أو حرب الروايات.
إذًا نغلق “تك توك” !
قبيل فترة انتشر فيديو هام من حوار “ويلارد ميت رومني”؛ التاجر والسياسي والحقوقي والسيناتور المخضرم، مع “أنتوني بلينكن”؛ وزير الخارجية الأميركي، يسأل بتعجب: “لماذا تصرف الإسرائيليون الذين اتسّموا بالقوة دائمًا في مجال الدعاية، بشكلٍ سيء للغاية ؟، حيث ينتقد الجميع إسرائيل بدلًا من (حماس). والأمر كذلك بالنسبة للجمهورية الإيرانية. وسؤالي: ماذا يحدث ؟.. كيف تتواصل إيران و(حماس) مع الرأي العام العالمي، وكيف نتواصل نحن وإسرائيل ؟”.
وأجاب وزير الخارجية الأميركي؛ بقوله: “إنها مشكلة وسائل التواصل الاجتماعي. وهم يثُّيرون في الناس من خلال الصور…”. ليتدخل “ميت رومني” على الفور مضيفًا: “حسنًا إذاً لنغلق تطبيق (تك توك)” (!!).
ووفق هذه التصريحات فالفضاء الإلكتروني والشبكات الإجتماعية، سبب هزيمة “الكيان الصهيوني”؛ (المتخصص في الحرب النفسية والإعلامية، وسيّطرة الكثير من مستثمري هذا الكيان على الكثير من وسائل الإعلام الكبرى حول العالم) في الحرب الإعلامية.
ولولا الهواتف الذكية، وتطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي، لما نُشرت الكثير من الصور والفيديوهات حول جرائم “الكيان الصهيوني” المرعبة في “غزة”، ولما سمعنا أخبار عن الانتفضاات الطلابية الكبيرة في “الولايات المتحدة” و”أوروبا”.
ولولا الهواتف الذكية لما نُشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، فيديوهات سقوط الصواريخ والمُسّيرات الإيرانية على الأراضي المحتلة، ولربما اعتقد البعض أن “إسرائيل” نجحت بالفعل في صد وإحباط: (99%) من القذائف الإيرانية !
حرب ناعمة..
قلنا إنه لطالما تبلورت على مدار التاريخ “حرب ناعمة” وإعلامية إلى جانب الميدانية. وكتبنا أيضًا أن وسائل الإعلام وحرب الروايات لا تقل أهمية عن حرب الدبابات والمدافع.
كما سبقت الإشارة إلى نجاح وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي في احتلال مكانة وسائل الإعلام التقليدية والقديمة كالصحف والقنوات التليفزيونية. ونقرأ في علم اجتماع العلم، أن وسائل الإعلام إحدى الوسائل التكنولوجية، وأن إنسان القرن الواحد والعشرين تحول إلى كائن كسّول نتيجة استخدام التكنولوجيا الحديثة، ولم يُعد يصّبر على قراءة النصوص الطويلة، والعميقة. ويبحث في إثر المتون البسّيطة والقصيرة، سريعة القراءة.
هذا الإنسان المزود بالهواتف الذكية، والتطبيقات التي تمزج المحتوى وفق رغباته. والتكنولوجيا كذلك أسيّرة الإنسان؛ (لأنها مجبرة على إنتاج محتوى وفق رغبة الإنسان)، وهو أيضًا أصبح أسّير التكنولوجيا (لما تمتاز به من الجاذبية وتنوع المحتوى وثراءه؛ بحيث لم يُعد الإنسان يستطيع الحياة بدونها) ومن ثم برز نوع من الارتباط المتبادل بين إنسان القرن الواحد والعشرين ووسائل الإعلام.
في ظل هذا العام وحين تندلع حرب مثل الحرب على “غزة” أو “أوكرانيا”، فالطبيعي أن التسّلح بمثل هذه التكنولوجيا من مثل الصواريخ عالية الدقة، والحيوية والهامة.
وحتى لو تخسر حماية كل شيء في الحرب (ولن تخسّر بالتأكيد) فهي أسّرت الرأي العام، والدليل ليس فقط تصريحات “ميت رومني” أو “بلينكن”، لكن الوضع الراهن في عموم العالم، هو أهم دليل وأكثرها وثائقية.
تكميم كافة الأصوات المغردة خارج السرب..
من المتوقع انطلاقًا من أهمية “إسرائيل” للغرب، والاستفادة من التكنولوجيا الإعلامية الحديثة هذه المرة ضد الغرب، أن تسُّارع الحكومات الغربية إلى تقيّيد الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن تفرض نفس القيود المطبقة على (تك توك) على باقي التطبيقات والمنصّات التي تُغرد خارج السّرب.
وقد حدد الغرب لتطبيق (تك توك) مهلة محددة للاختيار بين الدخول تحت السّيطرة والملكية الأميركية أو الحجب (!!)، وهي خطوة تستدعي فرض عقوبات على أي دولة تفعل ذلك (وأؤكد) أي دولة.